تقارير

تداعيات حظر المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة

أصبح النشاط الضار كخطاب الكراهية والتنمر الإلكتروني والمضايقات عبر منصات التواصل الاجتماعي، على مدى السنوات الماضية، مشكلة متزايدة الأهمية، مما دفع هذه المنصات إلى اعتماد استراتيجيات مختلفة لمكافحة تلك الأنشطة، بما في ذلك تزويد المستخدمين بأدوات للإبلاغ عن السلوك المسيء، وفي سبيل ذلك تقوم بإنذار المستخدمين الذين ينتهكون قواعد النشر من خلال تقييد حساباتهم أو تعليقها مؤقتًا أو حظرهم دائمًا، إذ يهدف الإجراء الأخير إلى محاولة تقليل كم المحتوى المثير للمشاكل على تلك الأنظمة الأساسية.

واتجهت معظم الجهود الأكاديمية إلى البحث في تقييم تأثير هذه الإجراءات على المنصات التي تم حظر الحسابات من خلالها، علمًا بأن المستخدمين ليسوا ملزمين بمنصة واحدة، ولكن يمكنهم الانتقال إلى عدة بدائل أخرى عبر الإنترنت قد تكون أكثر تساهلاً، فعلى سبيل المثال توجد ثمة دلائل على أنه بمجرد حظر المستخدمين على شبكة تويتر، ينتقلون غالبًا إلى منصة “جاب-Gab”، وهي شبكة اجتماعية بديلة يتم تسويقها على أنها توفر حماية لحرية التعبير.

واللافت أن مثل هذه المنصات البديلة تتيح للمستخدمين نشر المحتوى المسيء، ما يعني أن حظرهم على منصاتهم الأساسية لا يؤدي في النهاية إلى حل المشكلة، بل من المرجح أن يدفعهم إلى مستويات أعلى من التطرف.

قراءة لنشاط المستخدمين على منصة “جاب-Gab” بعد حظرهم على تويتر وريديت

سعى فريق دولي يضم باحثين من مختبر “iDRAMA” في جامعة بينغهامتون وجامعة بوسطن وكلية لندن الجامعية ومعهد ماكس بلانك للمعلوماتية بألمانيا إلى استكشاف تأثير حظر المستخدمين على الشبكات الاجتماعية، وقد تم تقديم الدراسة إلى مؤتمر علوم الويب “ACM” في يونيو 2021.

واستهدفت الدراسة تحديد الحسابات التي تنتمي إلى نفس الشخص على منصات تواصل اجتماعي مختلفة، مع الإجابة على مجموعة من التساؤلات تغطي المحاور الأربعة التالية:

إنشاء الحساب: هل يقوم المستخدمون بإنشاء حساب على منصة بديلة بعد تعليقهم على منصة شهيرة، أم لديهم بالفعل حساب عليها من قبل؟

السُمية: هل يصبح المستخدمون المحظورون أكثر سُمية بعد الهجرة إلى منصة بديلة؟

النشاط: هل يصبح هؤلاء المستخدمون أكثر نشاطًا بعد هجرتهم إلى منصات أخرى؟ نريد أن نفهم ما إذا كان الانتقال إلى نظام أساسي أقل رقابة يمكن أن يساهم في نشاط المستخدم ويؤدي إلى نشر المزيد من المحتوى.

الجمهور: هل يحصل هؤلاء المستخدمون على جمهور أكثر أم أقل بعد رحيلهم إلى منصات بديلة؟ وإلى أي مدى يكون هؤلاء المستخدمون قادرين بعد الانتقال إلى شبكة اجتماعية بديلة على الاحتفاظ بمتابعيهم.

وللإجابة عن هذه الأسئلة، قام فريق الدراسة بالاستعانة بأداة Pushshift (للحصول على البيانات الضخمة) لتحليل 29 مليون مشاركة على منصة “جاب-Gab” تم نشرها بواسطة 322.397 مستخدمًا بين عامي 2016 و2018، ثم جرى استخراج أسماء الملفات الشخصية لهذه الحسابات والتحقق مما إذا كانت هناك حسابات تحمل نفس هذه الأسماء على منصتي “تويتر-Twitter” و”ريديت-Reddit” ولكن تم تعليقها.

ويشير البروفيسور جيريمي بلاكبيرن من جامعة بينغهامتون الأمريكية وهو أحد القائمين على الدراسة، إلى أنه مجرد أن حسابين لهما نفس اسم المستخدم لا يعني بالضرورة أن ملكيتهما تعودان لذات الشخص، مشيرًا إلى أنه تم الاستعانة ببرنامج “مصنف التعلم الآلي-a machine learning classifier” الذي يتعلم الخصائص التي يجب مراقبتها للتأكد من ملكية الحساب.

وأظهرت الدراسة أن حوالي 59% من مستخدمي تويتر في العينة قاموا بإنشاء حسابات على موقع “جاب-Gab” على الأرجح بعد تعليق حساباتهم على تويتر، كما أنشأ حوالي 76% من مستخدمي “ريديت-Reddit” حسابات على موقع “جاب- Gab” بعد آخر مشاركة لهم على ريديت.

وبمقارنة محتوى هؤلاء المستخدمين على تويتر وريديت مقابل محتواهم على جاب، وجدت الدراسة أن المحتوى يصبح “أكثر سُمية-more toxic” عندما يتم تعليق حسابات المستخدمين على منصة ويضطرون إلى الانتقال إلى منصة بديلة، كما يصبحون أكثر نشاطًا حيث تزداد مشاركاتهم.

وأشارت الدراسة إلى أن حجم جمهور ذلك المحتوى يتقلص، لأن مستخدمي منصة جاب عددهم منخفض مقارنة بأعداد المستخدمين على تويتر وريديت.

وبينما ينظر البعض إلى أن هذا الأثر جيد، يحذر البروفيسور بلاكبيرن من أن الكثير من التخطيط لهجوم 6 يناير على مبنى الكونجرس الأمريكي، حدث على منصة “بارلر- Parler”، الشبيهة بمنصة “جاب- Gab” والتي تمتلك قاعدة مستخدمين أصغر تميل إلى اليمين المتطرف.

وهو الأمر الذي يفتح المجال أما تساؤل رئيسي وهو أيهما أكثر سوءًا رؤية المزيد من الأفراد لهذا المحتوى المتطرف عبر منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة أم إنتاج محتوى أكثر تطرفًا يراه عدد أقل من الأفراد على منصة بديلة أقل انتشارا؟

جاذبية منصة بارلر لأنصار اليمين المتطرف ونظرية المؤامرة

في ذات السياق، تناولت دراسة مماثلة تطبيق ذات المنهجية على منصة “بارلر-Parler” للتواصل الاجتماعي، عبر تحليل 183 مليون منشور على المنصة تم إنشاؤها بواسطة 4 ملايين مستخدم خلال الفترة ما بين أغسطس 2018 ويناير 2021، بالإضافة إلى “بيانات وصفية- metadata” من 13.2 مليون ملف تعريف مستخدم انضموا إلى المنصة بين عامي 2018 و2020.

وأظهر التحليل أن بارلر تجذب أكبر عدد من المحافظين وأنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كما كشفت البيانات أيضًا أن المنصة شهدت تدفقات كبيرة من المستخدمين الجدد في وقت ازدادت فيه الرقابة على المحتوى عبر المنصات الرئيسية مثل تويتر، فضلًا عن وقوع أحداث تتعلق بالسياسة الداخلية الأمريكية، موضحة أن مستخدمي بارلر شاركوا المحتوى الذي يُظهر دعمًا لترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، والمحتوى المتعلق بنظريات المؤامرة مثل المحتوى الخاص بحركة كيو آنون.

ونوهت الدراسة إلى أن بارلر تعد منصة بديلة ناشئة يجب أن يضعها المجتمع الأكاديمي المعني بفهم العلاقة بين القضايا الاجتماعية والتقنيات الناشئة، على أجندة اهتماماتهم البحثية.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن المستخدمين الذين يتم حظرهم بسبب انتهاك شروط خدمة النظام الأساسي غالبًا ما ينتقلون إلى منصة للتواصل الاجتماعي أقل رقابة، إذ توجد العديد من المنصات البديلة التي يهاجر إليها هؤلاء المستخدمون من أبرزها منصات “WrongThink” و”Voat” و”PewTube“، لذلك يجب أن تركز الجهود البحثية المستقبلية على قياس معدلات هجرة المستخدمين إلى هذه المجتمعات الافتراضية أيضًا، لرسم صورة أوضح لتأثير حظر هؤلاء المستخدمين على أنظمة التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت.

كما أظهرت النتائج أن المستخدمين الذين ينتقلون إلى “جاب-Gab” بعد حظرهم يميلون إلى أن يصبحوا أكثر نشاطًا ومحتواهم أكثر ضررًا، لكن الجمهور الذي يمكن الوصول إليه على المنصات البديلة أقل بكثير، وهو ما يثير تساؤلات بحثية تتعلق بفاعلية التأثير على جمهور متماثل في التوجهات، ومدى تحول هذه المنصات البديلة إلى غرفة صدى يسودها صوت واحد وتوجه واحد، وما لذلك من أضرار محتملة على الواقع.

وأخيرًا، يبقى العديد من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عنها إلا من خلال التحليل الكيفي، فعلى سبيل المثال، نوهت الدراسة المعنية بتحليل حسابات “جاب-Gab” التي تم إنشاؤها بعد حظر أصحابها على تويتر أن هؤلاء المستخدمين غالبًا ما يعتبرون هذا الحظر مثار فخر، ويذكرونه في وصف ملفهم الشخصي ويتحدثون عنه غالبًا في مشاركاتهم على المنصة.

زر الذهاب إلى الأعلى