يعتبر الاتصال عملاً متعدد القنوات يمارس على مستويين لفظي وغير لفظي، وهذا يعني أن التواصل بين الأفراد لا يتم بعلامات لغوية فحسب، بل بعلامات بصرية تحمل أحيانًا مضمونًا أدق من اللغة وأكثر إقناعًا وتأثيرًا، وقد أصبح استخدام الرموز التعبيرية في المحادثات الرقمية أمرًا شائعًا لدى الكثير من الأشخاص، نظرًا لما تقدمه هذه الرموز من مزايا اتصالية مختلفة، إضافة إلى توفرها بأشكال وتصاميم متنوعة في العديد من المنصات الإعلامية الرقمية، مما أسهم في جعلها “عنصرًا فاعلًا” في إكمال المعنى الناقص أو الذي لا تستطيع اللغة المكتوبة التعبير عنه.
فاستخدام هذه الرموز يُمكِّن من اختزال الكثير من العواطف ومشاعر الحب والغضب برمز تعبيري واحد يُتيح نقل هذه المشاعر ببساطة وسرعة إلى المتلقي، وتُتيح منصة “يونيكود- Unicode” للمستخدم الاختيار من بين 3304 رموز، مما يجعل هذه الرموز قادرة على أن تعكس المشاعر مهما كان نوع المحادثة سواء كانت محادثة رسمية أو غير رسمية.
تطور الرموز التعبيرية من اللغة الهيروغليفية إلى الإيموجي
ووفقًا لدراسة نشرتها فصلية الممارسات اللغوية الأكاديمية، يعد الرمز التعبيري من أبرز أشكال اختزال اللغة سواء في العصور القديمة أو الحديثة، فاللغة الهيروغليفية “المصرية القديمة” التي كانت تستخدم كتابة رمزية وحروفًا تصويرية تشبه في فكرتها “الإيموجي- Emojis”، التي ظهرت متزامنة مع الإيقاع المتسارع لعصر التكنولوجيا والمعلومات، فهي تختزل الكثير من اللغة، وتسرع الاتصال باستخدام مجموعة من الرموز والعلامات المعبرة عن العواطف والمشاعر والممارسات في منظومة تعبيرية متكاملة، وتشكل مفارقة بوصفها عودة إلى عصر ما قبل اللغة، بتفعيل الرموز والتخلص من الكتابة المجردة.
وكانت البشرية قد اجتازت طريقًا صعبًا ومعقدًا من مرحلة التعبير عن الأفكار والكلمات المفردة بواسطة الرسوم إلى التمييز الواعي للمقاطع والأصوات، ومع الثورة التكنولوجية والتطور التقني ظهرت لغة جديدة أعادت البشرية إلى عصر تواصل “إنسان الكهف”، حيث أعيد الاحتفاء بالصورة بوصفها لغة جديدة تجمع بين كل البشر، متخطية فوارق القوميات والإثنيات واللغات، لغة لا تحتاج إلى قواعد الأبجديات، وقد اعتبرها كثيرون مشروع المستقبل لجمع العالم ضمن التطور العلمي للعولمة متمثلاً في لغة “الإيموجي”.
والإيموجي هو مصطلح ياباني الأصل مكون من مقطعين هما “e” وتعني صورة، و”moji” التي تعني حرفًا أو رمزًا، وتم دمجهما معاً لتصبح كلمة واحدة هي “Emoji” أي الصورة الرمزية المستخدمة في كتابة الرسائل الإلكترونية اليابانية، ونظرًا لاستخدامها الكثيف وتأثيرها على الثقافة الشعبية العامة، تم تسجيلها في “قاموس أكسفورد الإنجليزي” عام 2013.
وظائف الرموز التعبيرية واستغلالها في الجانب التسويقي
وتعرف الرموز التعبيرية بأنها صور تخيلية رقمية شائعة يمكن أن تظهر في النصوص والرسائل والبريد الإلكتروني، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، كما أنها شخصيات مصورة أو رسوم توضيحية تحظى بشعبية كبيرة في الاتصالات النصية، وهي أيضًا صور يمكن دمجها بشكل طبيعي مع نص عادي لإنشاء شكل جديد للغة.
ووفقًا لدراسة للأـكاديمي فيصل العنزي المحاضر في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود، تقوم الرموز التعبيرية بالعديد من الوظائف التي تسهم في جعل المحادثات الرقمية أكثر سهولة من ناحية التعبير أو حتى من ناحية الرد والتجاوب، مشيرًا إلى ثلاث وظائف تقوم بها الرموز عند استخدامها في المحادثات النصية وهي:
بدء للحديث: من خلال استخدام رمز تعبيري “وجوه مبتسمة مثلا” لبدء المحادثة بدلا من إلقاء التحية.
تجنب الصمت في المحادثة: ففجوة الصمت أمر شائع في المحادثات الكتابية، لذلك يتم استخدام الرموز التعبيرية حينما يرغب أحد أطراف المحادثة في معرفة معلومة محددة عن موضوع معين يحاول فيه الطرف الآخر تجنب الحديث عنه!
إنهاء المحادثة: فالرموز التعبيرية العاطفية مثل القلوب أو الوجوه المبتسمة تستخدم عادة في نهاية المحادثة بدلاً من العبارات الختامية.
من جهة أخرى، انتقلت الرموز التعبيرية من الشاشة الافتراضية إلى العالم الحقيقي عبر الحملات الإعلانية، فوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت سوقًا للشركات والمسوقين، تتيح مشاركة الرسائل الإعلانية وبشكل مباشر، كما أنها وفرت للشركات الاتصال بالمستهلكين بتكلفة منخفضة نسبيًّا وبكفاءة أعلى من الوسائل التقليدية، وأصبحت الرموز التعبيرية إحدى أدوات التسويق الهامة لما تتميز به من خصائص فريدة مثل شيوعها بين المستخدمين، وسهولة فهم الرسالة مما جعلها في مقدمة أدوات التسويق الرقمي.
وأظهرت دراسات إعلامية أن استخدام الرموز التعبيرية في الحملات التسويقية يُحقق عدة أهداف، منها زيادة مشاركة العملاء وكسب ولائهم، ومن أمثلة ذلك إطلاق شركة دوف المتخصصة في منتجات العناية الشخصية حملة إعلانية تسمح للعملاء بمشاركة إيموجي بشعر “مجعد-curls” من خلال هاشتاق “love your curls”.
وتوجد 3 أنواع من الرموز يمكن استخدامها في صناعة الأفكار التسويقية، وهي كالتالي:
“الرموز الخاصة باتحاد يونيكود- Unicode“: منظمة غير ربحية لديها مجموعة من الرموز الموحدة متاحة في جميع البرامج.
الرموز التعبيرية المخصصة- custom emojis“: التي يتم تطويرها عادة بواسطة العلامات التجارية، والتي تكون متاحة للمستخدمين كملصقات.
“الملصقات- Stickers“: تعمل كصور يتم إرسالها في رسالة تسويقية عادة لا تتضمن أي حروف أبجدية.
وفي هذا الإطار، هناك شروط يجب وضعها في الاعتبار عند التفكير في استخدام الرموز التعبيرية في أي حملة إعلانية وهي:
استخدام الرموز التعبيرية في الوقت المناسب مع المحتوى الصحيح.
ابتكار قصة للمحتوى الإعلاني وعدم الاقتصار على الإيموجي في الإعلان.
استخدام الرموز التعبيرية في الإعلان في حال كانت مفيدة وذات صلة بموضوع الحملة
سلبيات ومخاطر استخدام الإيموجي
في حين تتعدد المزايا والوظائف التي تقوم بها الرموز التعبيرية إلا أن بعض الدراسات أشارت إلى أن استخدام هذه الرموز قد تكون له جوانب سلبية منها:
صعوبة تحديد مشاعر أو انفعالات الشخص: فعلى الرغم من أن الصورة تغني عن ألف كلمة، فإن هذا يختلف عند استخدام الرموز التعبيرية، فالرمز قد يكون سببًا لاستنتاج ألف معنى! وقد يكون أيضًا عاملًا في وصول معلومة غير صحيحة، حيث يتوقف استيعاب وفهم الرسالة الرمزية على مجموعة من العوامل منها استخدام نفس المنصة التقنية، إضافة إلى الكلمات المصاحبة التي تعزز المعنى الحقيقي لهذا الرمز.
اختلاف معنى الرمز وتصميمه من منصة إلى منصة أخرى: تعتبر من ضمن السلبيات البرمجية، فكل منصة تقوم بتصميم رموز تعبيرية متقاربة في التصميم العام، لكنها مختلفة في المعنى، مما يؤدي إلى اختلاف شكل الأيقونة بين المستخدمين، وقد بينت إحدى الدراسات أن لكل رمز تعبيري “إيموجي” 10 تصاميم مختلفة يختلف شكلها وطريقة ظهورها باختلاف المنصة أو اللغة البرمجية المستخدمة في الهاتف أو التطبيق مما يجعل فهمها معقدًا.
ضياع اللغة: على الرغم من ميزة الرموز التعبيرية المتمثلة في قدرة الجميع على فهمها، فإنها أصبحت بديلًا للرسائل النصية لدى الكثيرين، مما قد يضر بالنشء ويُهدد معرفة الأطفال باللغة. وفي هذا الصدد، خلصت دراسة أجرتها شركة جوجل إلى أن الوجوه التعبيرية ستمحو محتوى اللغة الإنجليزية لدى المراهقين في بريطانيا بسبب استخدامهم الكامل لها في التعبير عن حالاتهم. وأوضحت الدراسة أن الرموز التعبيرية قد تكون شكلاً ممتعًا من أشكال التواصل لكنها تدمر اللغة الإنجليزية، إذ يعتقد أكثر من ثلث البالغين البريطانيين أن الرموز التعبيرية هي سبب التدهور في استخدام اللغة المناسبة، وفقًا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
تؤثر على الحوار وتفسد العلاقات الاجتماعية في معظم الوقت: حيث أصبحت وسيلة للهروب السريع من المحادثة أثناء إجرائها مع الأهل والأصدقاء.
استخدام الرموز بمعان مغايرة: فعلى الرغم من تفضيل المستخدمين لهذه الرموز وتفاعلهم الإيجابي معها، فإنها يمكن أن تلعب دورًا سلبيًّا في حياتهم الاجتماعية، وذلك عند اختيارهم للرمز الخاطئ في التعبير عن حالة معينة خلال تواصلهم مع الآخرين.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الرموز التعبيرية شكّلت قفزة نوعية في مجال اللغة والاتصال، ووجدت مجالًا وانتشارًا واسعًا من حيث الاستخدام في العالم الرقمي بشكل أسهم في تكملة المعنى الناقص في الكلام المكتوب، بوصف تلك الرموز هي الوجه الآخر للاتصال غير اللفظي، أي أنها تعادل لغة الجسد من إيماءات وحركات وايحاءات.
كما أضفت بُعد العاطفة والمشاعر الإنسانية على لغة التواصل الإلكتروني التي تتسم بالجفاء، لكنّ استخدام تلك الرموز يجب أن يكون بقدر معتدل دون إفراط في الاعتماد عليها بشكل يلغي التواصل اللغوي، ويهدد اللغة لا سيما في المجتمعات العربية، حيث تواجه اللغة خطرًا يتمثل في استخدام الشباب لغة تعرف باسم “الفرانكو آراب” للتواصل خلال الدردشات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، كما أن بعض الإيموجي تتضمن إيحاءات غير لائقة، لذا لا بد من مراعاة استخدام الرموز التعبيرية التي تتوافق مع منظومة القيم وفي سياقات تلائم استخدامها، فمن غير المناسب تمامًا استخدامها على سبيل المثال في مراسلات عبر البريد الإلكتروني تخص العمل.