شأنها شأن الدولة التي ترعاها وتموّلها وتمدّها بالسلاح لتنفيذ مخططاتها العدوانية، لا تراعي ميليشيات الحوثيين الإرهابية المدعومة من إيران اتفاقاً، ولا تفي بعهد، ولا تحترم إنسانية، وتتبع أسلوب الكذب والمراوغة، والتحلّل من التزاماتها وتعهداتِها وفق ذرائع وحجج زائفة.
حلقة جديدة من حلقات المراوغة والخداع التي يجيدها الحوثيون بتوجيهات إيرانية، يُشكلون خلالها أداةً في تنفيذ مخططات طهران العدوانية
ولم تكن أحكام الإعدام الصادرة، يوم التاسع من يوليو 2019، من محكمة غير شرعية شكلتها تلك الميليشيات الإرهابية، ضد 30 مختطف يمني مشمولين ضمن اتفاق تبادل الأسرى ومشاورات ستوكهولم برعاية الأمم المتحدة، بين الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي، سوى حلقة جديدة من حلقات المراوغة والخداع التي يجيدها الحوثيون بتوجيهات إيرانية، تستخدم خلالها طهران هذه الميليشيات الإرهابية أداةً في تنفيذ مخططاتها العدوانية.
وقد سبقت هذا الحُكمَ الباطلَ والمنعدم قانونياً وشرعياً، أحكام عديدة بإعدام كثير من النشطاء اليمنيين، فسبق أن قضت المحكمة ذاتها في عام 2018، بإعدام 14 شخصاً بتهم التخابر وإعانة التحالف العربي لدعم الشرعية، بل إنها قضت بإعدام الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، وستةٍ من كبار معاونيه غيابياً، بتهمة “الخيانة” و”انتحال صفة رئيس الجمهورية”!
اتهامات زائفة
تضم قائمة الأسرى المختطفين منذ أربعة أعوام، والمحكوم عليهم بالإعدام، 30 ناشطاً يميناً بينهم أكاديميون وسياسيون ومهندسون وطلاب جامعيون.
ووجهت المحكمة الزائفة والباطلة التي شكلها الحوثيون، في صنعاء، اتهاماتٍ كاذبةً وملفقة للأسرى، من بينها: القتل العمد، وتفجير الأموال الثابتة والمنقولة العامة والخاصة، والشروع في القتل، وحيازة المفرقعات، وتشكيل خلايا لتنفيذ تفجيرات واغتيالات، ورفع إحداثيات للغارات الجوية، التي ينفذها التحالف العربي لدعم الشرعية، ضد أهداف تلك الميليشيات الإرهابية.
محاكمة باطلة
يَعتبر القانونيون والحقوقيون، أن كافة المحاكمات التي تعقدها ميليشيات الحوثي ضد الأسرى والمختطفين، محاكمات باطلة وغير شرعية، حيث سبق للحكومة الشرعية اليمنية، أن نقلت مقرّ المحكمة العليا من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، وأكدت أن كلّ ما يصدر عن محاكم صنعاء باطل ولا يُعتدّ به.
تلك الأحكام منعدمة قانونياً، لأنها صدرت عن محكمة ليس لها أي ولاية قانونية، حيث سبق أن صدر قرار ببطلان هذه المحكمة من قبل مجلس القضاء الأعلى
ومن ثم فإن تلك الأحكام منعدمة قانونياً، لأنها صدرت عن محكمة ليس لها أي ولاية قانونية، حيث سبق أن صدر قرار ببطلان هذه المحكمة من قِبل مجلس القضاء الأعلى “أعلى سلطة قضائية باليمن” في الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، الذي أصدر قراراً بنقل صلاحيات هذه المحكمة، إلى المحكمة الجزائية في محافظة مأرب، شرقي البلاد.
كما أنه قد تم اعتقال هؤلاء الأشخاص عام 2015، وتم إخفاؤهم قسراً لمدة عامٍ ونصفِ العام، تعرّضوا خلال هذه الفترة للتعذيب والتنكيل، دون أن يحظوا بحق الدفاع الكامل.
ولم تتوفر في هذه المحاكمات أدنى وأبسط قواعد المحاكمة العادلة، فما جرى، برأي حقوقيين، هو عبارة عن محاكمة سياسية لأكاديميين وناشطين سياسيين ودعاةٍ وطلاب، اختُطفوا من منازلهم ومن الأسواق ومن مساجدهم في صنعاء.
وهو ما أوضحه أحد أعضاء هيئة الدفاع عن المعتقلين، الذين أصدرت المحكمة الحوثية قراراً بإعدامهم، حيث أكد في تصريحات صحفية، أن الحكم لا يتمتع بأي وجاهة قانونية، وأن القضية سياسية، والقضاء مختطف من قبل الحوثيين.
كما رصدت منظمة “سام” الحقوقية ومقرّها جنيف، مخالفاتٍ جسيمةً أثناء جلسات المحاكمة المزعومة، تمثلت في “انتهاك أبسط القواعد القضائية الضامنة لنزاهة المحاكمة، وحقّ المتهمين في الدفاع عن أنفسهم، وتهديد واعتقال محاميهم داخل جلسات المحكمة، ورفض تسجيل طلباتهم، فضلاً عن الاستجابة لها، وتعذيب المتهمين خلال فترة المحاكمة، بل وفي القاعات المجاورة لقاعة المحكمة وأثناء انعقاد الجلسات”.
واعتبرت “سام” أن الأحكام الصادرة عن محاكم ميليشيا الحوثي هي “أحكام لا قيمة لها، بل أنها تشكل جنايات في سجلّ أصحابها من منتحلي الصفات الرسمية للقضاة وأعضاء ورؤساء النيابة وغيرهم من الجناة”.
انتهاك لاتفاق الأسرى
اتهمت لجنة الأسرى، الجماعة الحوثية المسلحة، بأنها مارست بحق المختطفين أبشع أصناف التعذيب الجسدي الممنهج، كما انتزعت اعترافات منهم تحت التعذيب
وفق مصدر في لجنة الأسرى المنبثقة عن مشاورات ستوكهولم، فإن الأشخاص الصادرة بحقهم أحكام بالإعدام، مدرجون ضمن قائمة الأسرى والمختطفين، الذين أقرت ميليشيات الحوثي بوجودهم.
وقد اتهمت لجنة الأسرى، الجماعة الحوثية المسلحة، بأنها مارست بحق المختطفين أبشع أصناف التعذيب الجسدي الممنهج، كما انتزعت اعترافاتٍ منهم تحت التعذيب، مضيفة أنه “عند إحالتهم للتحقيق كانت على أجساد بعضهم آثار التعذيب”، كما قامت الميليشيات بالتشهير بهم.
ولم يكن هذا أولَ انتهاك من قبل الحوثيين لاتفاق تبادل الأسرى، ففي يناير عام 2019، أعلنت ميليشيات الحوثي الحُكمَ على معتقل لديها بالإعدام، بتهمة التخابر مع قوات الشرعية، وذلك غداة انتهاء مشاوراتٍ رعتها الأمم المتحدة في الأردن، لتنفيذ اتفاق ستوكهولم الذي ينصّ على تبادل كافة الأسرى والمعتقلين.
وكانت الحكومة اليمينة قد تبادلت مع ميليشيا الحوثي، ضمن اجتماع عقد بالعاصمة الاردنية عمّان فبراير 2019، كشوفاً بأسماء نحو 2000 معتقل وأسير، بينهم 600 أسير حوثي لدى الحكومة الشرعية تم تأكيد وجودهم، إضافة إلى 1200 معتقل وأسير لدى ميليشيا الحوثي، وذلك تمهيداً للإفراج عنهم خلال أيام، فيما قرّروا إحالة بقية الأسماء التي لم يتم التأكد منها إلى لجنتي تبادل الجثامين والبحث عن المفقودين، وذلك بعد جولة أولى عُقدت بتاريخ 16 يناير في الأردن أيضاً.
وقد نص اتفاق تبادل الأسرى الذي تم التوصل إليه بين وفد الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في العاصمة السويدية ستوكهولم، في ديسمبر عام 2018، على إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفياً والمخفيين قسرياً والموضوعين تحت الإقامة الجبرية، وحدّد آليات التنفيذ.
تنديد حقوقي
طالبت منظمة العفو الدولية، الحوثيين بإلغاء أحكام الإعدام الصادرة على المختطفين الثلاثين، وإطلاق سراحهم فوراً
قوبلت الأحكام الباطلة، التي أصدرتها محكمة الحوثي غير الشرعية، بإعدام 30 مختطفٍ يمني، شملهم اتفاق تبادل الأسرى، بتنديدٍ حقوقي واسع من قبل المنظمات المحلية والإقليمية والدولية.
فقد أعربت وزارة حقوق الإنسان في الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، عن إدانتها بأشد العبارات، الأحكامَ التي أصدرتها ميليشيات الحوثي الانقلابية بحق المختطفين الثلاثين بالإعدام.
وقالت الوزارة، إن “هذه الأحكام صدرت بعد أن مارست الجماعة الحوثية ضدهم خلال فترة اعتقالهم أساليب تعذيب وحشية نفسياً وجسدياً، لتنهي ذلك بهذه المحاكمة الصورية الهزلية من قبل محكمةٍ منعدمةِ الولاية، بحسب قرار مجلس القضاء الأعلى”.
وطالبت وزارة حقوق الإنسان المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والمبعوث الأممي إلى اليمن بسرعة التحرّك لإنقاذهم.
من جهتها، أدانت رابطة أمهات المختطفين، هذه الأحكام، ووصفتها بأنها “منعدمة الولاية”، محمّلة “المجتمع الدولي -وعلى رأسه الأمم المتحدة ومبعوثها الأممي- مسئولية ما آلت إليه قضية أبنائهن المختطفين، كما حمّلت الرابطة جماعة الحوثي المسئولية عن حياة وسلامة جميع المختطفين والمخفيين قسراً.
وطالبت منظمة العفو الدولية، الحوثيين، بإلغاء أحكام الإعدام الصادرة بحق المختطفين الثلاثين، وإطلاق سراحهم فوراً، ووصفت المنظمة الحقوقية الدولية الأحكام الصادرة بالجائرة.
وكانت منظمات حقوقية دولية، حذرت في وقت سابق من مغبة استمرار المحاكم التابعة لميليشيا الحوثي، بإصدار أحكام إعدام بحق معارضين سياسيين، دون أدنى اعتبار لشروط المحاكمة العادلة.
واتهم بيان مشترك للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ومنظمة “سام” للحقوق والحريات، ومنظمة “إفدي” الدولية، جماعة الحوثي بتحويل المنظومة القضائية في المناطق التي تسيطر عليها إلى أداة سياسية، لتصفية الحسابات مع خصومها السياسيين، مؤكداً إصدار المحاكم التابعة للحوثي -منذ مارس 2015م- 55 حكماً بالإعدام على مدنيين، لم تُراعِ فيهم المحاكمُ شروطَ المحاكمة العادلة، ما يشير إلى فقدان الثقة بكامل المنظومة القضائية في اليمن.
أهداف الحوثيين من هذا الأحكام
يسعى الحوثيون من وراء تلك المحاكمات الصورية الباطلة، لإظهار مدى سيطرتهم على مؤسسات الدولة وخضوعها لهم
برأي كثير من الخبراء والمراقبين، فإن ميليشيات الحوثي تسعى من خلال الأحكام القضائية الجائرة أن تظهر نفسها كدولة، غير أن الأسلوب الهمجي الذي تدير به المحاكمات، واعتقال المحامين داخل الجلسات، وتعرّض المعتقلين للاعتداءات، ومحاكمة بعضهم غيابياً، يظهر حقيقتها كعصابات إرهابية مسلحة.
كما يسعى الحوثيون من وراء تلك المحاكمات الصورية الباطلة، لإظهار مدى سيطرتهم على مؤسسات الدولة وخضوعها لهم، والإيحاء باستقرار أوضاعهم وتمكّنهم من الحُكم والسلطة في العاصمة اليمنية صنعاء.
ويريد الحوثيون كذلك تحقيق مكاسب سياسية من خلال هذه المحاكمات، وإصدار أحكام إعدام لعدد كبير من المعتقلين، حتى يتمكنوا من المقايضة في أي مفاوضات سياسية.
كما تعتبر أحكام الإعدام ، ورقة بيد الحوثيين، إن لم تكن بيد طهران، في مواجهة الضغوط الدولية، وممارسة سياسة الابتزاز التي تجيدها إيران وأذرعها الإرهابية في المنطقة، وتذهب بعض التحليلات إلى أن طهران التي تواجه عقوبات أمريكية مشددة، وتسعى بكافة السبل إلى التخفيف منها، لا تستنكف أن تدفع الحوثيين نحو التهديد بحصد أرواح الأبرياء اليمنيين، باسم محاكمة زائفة.
كما تتخذ الميليشيات الانقلابية من أحكام الإعدام وسيلة لإرهاب خصومها، من أجل تشديد قبضتها الأمنية على صنعاء وباقي المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وضمان عدم حدوث انتفاضات شعبية.
وتهدف ميليشيات الحوثي، وفق آراء بعض المحللين، من وراء تلك المحاكمات الباطلة والأحكام الجائرة، إلى إضفاء صورة قانونية وصفة قضائية حتى ولو زائفة، على تنكيلها بخصومها وبمؤيدي الحكومة الشرعية، وبكافة الرافضين لسيطرة تلك الميليشيات الإرهابية على البلاد.
ووفق بعض المؤشرات، فإن أحكام الإعدام، فضلاً عن أنها تمثل استمراراً للانتهاكات الحوثية لاتفاق ستكهولم، ومواصلةً لاختراق كافة الاتفاقات التي سبق وتعهدت الميليشيات الحوثية بالالتزام بها، مثل اتفاق الحُديدة، فإنها تسعى إلى تكريس سياسة الحوثيين العدوانية الغادرة، في التحلّل من كافة الالتزامات والتعهدات، والتنصّل من جميع الاتفاقات، حتى تلك المتعلقة بالأوضاع الإنسانية، في رسالة واضحة لتلك الميليشيات، لا تنسف بها اتفاق ستكهولم فحسب، بل تحطم بها كافة الآمال المعقودة على إمكانية تراجع الحوثيين عن غيهم وإرهابهم وعدوانهم، وإعلاء مصالح اليمن ومراعاة حقوق اليمنيين، على حساب مصالح قياداتهم الموالية والخاضعة لإيران.
كما تمثل تلك الأحكام، تصعيداً جديداً من قبل الحوثيين بدافع وتخطيط إيراني، يستهدف تكريس الفوضى المسلحة في اليمن، وإدخال البلاد في نفق دموي مظلم، وهدم مؤسسات الدولة واختطافها، وانتهاك القانون، وإغلاق كافة سبل الحلّ السياسي في اليمن، ونشر أجواء الخوف والإرهاب والقتل والتنكيل والتعذيب، تلك الأجواء التي يمكن لميليشيات الحوثي أن تنتعش وتزدهر فيها، بينما تشكل عودة الشرعية ومؤسسات الدولة وسيادة القانون واحترام الاتفاقات والمعاهدات، شهادةَ وفاةٍ لكلّ ميليشيا مسلحة خارجة على الدولة والدستور والقانون.