على مدار الثلاثين عامًا الماضية، تغيرت الطرق التي يستهلك بها الأمريكيون المعلومات ويتبادلونها بشكل كبير، فلم يعودوا بإنتظار صحيفة الصباح أو متابعة الأخبار المسائية، بدلاً من ذلك يقضي الشخص العادي ساعات طويلة يوميا علي الإنترنت من خلال الهواتف الذكية أو الأجهزة الرقمية الأخرى، يبحث في مواقع الأخبار أو الترفيه أو يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي ويستهلك العديد من أنواع المعلومات المختلفة.
وعلى الرغم من أن بعض التغييرات في طريقة نشر الأخبار والمعلومات يمكن تحديدها كمياً ، إلا أنه لا يُعرف الكثير عن كيفية تغير عرض الأخبار – أي أسلوبها وخصائصها اللغوية – خلال هذه الفترة والتى تختلف عبر المنصات الإعلامية.
وقد سعت مؤسسة “راند -RAND” إلى سد هذه الفجوة المعرفية بتقرير جديد تحت عنوان “الأخبار في العصر الرقمي: مقارنة تقديم المعلومات الإخبارية عبر الوقت ومن خلال منصات الوسائط بالتركيز على مصادر الأخبار الأمريكية.
ويشير التقرير إلى أربعة اتجاهات وهى زيادة الخلاف حول الحقائق الموضوعية والبيانات والتحليل، وعدم وضوح الخط الفاصل بين الحقيقة والرأي وتزايد مساحة الرأي نسبيا على حساب الحقيقة، وتدهور الثقة في الحكومة ووسائل الإعلام والمؤسسات الأخرى التي اعتادت أن تكون مصادر معلومات واقعية، وقد عملت هذه العناصر مجتمعة على تدهور الخطاب وتسببت في التشكيك في معنى الأخبار والغرض منها.
قياس كمى للتغيير عبر تحليل المحتوي الاخباري للصحف والتلفزيونات والمواقع الإخبارية
بدأ فريق البحث في مؤسسة RAND دراسته للعرض الإخباري من خلال دراسة كيف تعيد التقنيات الجديدة تشكيل صناعة الإعلام والنظام البيئي في الولايات المتحدة ، وتغير ليس فقط كيفية استهلاك الناس للأخبار ولكن طريقة إنتاج المعلومات ومشاركتها ونشرها، وتضمن هذا البحث في الدراسات الحديثة حول كيفية تأثير هذه التغييرات على عرض الأخبار عبر المنصات الرقمية.
وقام فريق الدراسة بتحليل ومقارنة نص أو نصوص القصص الإخبارية التي تنتجها ثلاثة مصادر للأخبار: الصحافة المطبوعة (نيويورك تايمز ، واشنطن بوست ، وسانت لويس بوست-ديسباتش) ، التلفزيون (البث، الكبلى ) ، والصحافة على الإنترنت ( شبكة بريتبارت الإخبارية – موقع بازفييد- وموقع هاف بوست ، وموقع ديلي كولر وموقع بوليتيكو)، واختار فريق البحث هذه المصادر لأنها مستهلكة بكثرة ، وتنتج بيانات وافرة يمكن لأعضاء الفريق تحليلها.
وقام الفريق بإجراء مقارنتين لعرض الأخبار قبل وبعد عام 2000 حتى عام 2017، للصحف وأخبار البث التلفزيوني. وقارن الفريق أيضًا كيف تم تقديم الأخبار عن طريق الأخبار التلفزيونية على النقيض من برمجة الكابل في وقت الذروة من 2000 إلى 2017 وكيف تم تقديم الأخبار عن طريق الصحافة المطبوعة على النقيض من الصحافة الإلكترونية من 2012 إلى 2017.
ولإجراء هذه المقارنات، استخدم فريق البحث مجموعة من أدوات برامج الكمبيوتر المصممة من قبل مؤسسة راند تسمى RAND-Lex، والتي تجمع بين التعلم الآلي والتحليل النصي لتحديد الأنماط في استخدام الكلمات / العبارات. وهي تعمل من خلال النظر إلى تكرار بعض الكلمات أو العبارات أو الأحرف ثم إرفاق النتيجة بـ 121 مقياسًا أو خصائص لغوية. يسمح هذا للباحثين بتمشيط كميات كبيرة من النصوص (على سبيل المثال ، عشرات الملايين من الكلمات) وإجراء اختبارات إحصائية وصفية واستكشافية لتحليل تلك البيانات وجعلها ذات معنى.
وبالنسبة للصحف، استخدم فريق البحث هذه الأدوات لمراجعة أكثر من 27 ألف مقالة تحتوي على ما يصل إلى 28 مليون كلمة.
وقد مكن هذا فريق مؤسسة راند من التوصل إلي نتائج موثوقة وواسعة النطاق حول كيف أن عرض الأخبار قد تغير أو لم يتغير من حيث النغمة والمشاعر واللغة بمرور الوقت وتحديد حجم تلك التغييرات. وتعد هذه القدرة على قياس التغيرات الكمية مع مرور الوقت هي واحدة من المساهمات الأساسية لهذا التقرير.
تحولات في لغة الصحف الأمريكية المطبوعة.. وتغليب الرأي على الحقائق في المحتوى المرئى
وجد فريق راند أن الكثير من لغة ونبرة إعداد التقارير في نيويورك تايمز وواشنطن بوست وسانت لويس بوست-ديسباتش ظلت ثابتة على مدار الثلاثين عامًا الماضية ، لكن الفريق وجد أيضًا تغييرات قابلة للقياس الكمي في بعض المجالات اللغوية بين فترات ما قبل عام 2000 وما بعد عام 2000. على سبيل المثال ، استخدمت تقارير الصحف الثلاث قبل عام 2000 لغة كانت تعتمد على الأحداث والسياقات بشكل أكبر مما كانت عليه في القصص المكتوبة بعد عام 2000، كما تضمنت قصص ما قبل عام 2000 استخدام لغة وصفية وتفصيلية لتقديم تفاصيل القصة.
في المقابل ، وجد الفريق أن تقارير ما بعد عام 2000 انخرطت الصحف في المزيد من سرد القصص وشددت على التفاعلات والمنظور الشخصي والعاطفة بشكل أكبر عن القصص في فترة ما قبل عام 2000.
وأظهرت الصحافة التلفزيونية والإذاعية اختلافات مماثلة في عينات ما قبل عام 2000 وما بعد عام 2000. وجد تحليل النص الذى أجراه فريق مؤسسة راند تحولًا تدريجيًا في التغطية التلفزيونية والإذاعية من التقارير الأكثر تقليدية في فترة ما قبل عام 2000 ، حيث تميل القصص الإخبارية إلى استخدام لغة دقيقة وملموسة وغالبًا ما تتحول إلى مصادر السلطة العامة، إلى تغطية أكثر ذاتية بعد عام 2000 عندما اعتمدت القصص الإخبارية بشكل أقل على اللغة الملموسة وأكثر على الكلام غير المخطط له، والتعبير عن الآراء ، والمقابلات ، والحجج.
كما رصد فريق راند تباينًا صارخًا بين الأخبار الإذاعية وعرض الكبلات في وقت الذروة بعد عام 2000. وبالمقارنة مع العرض الإخباري عبر البث الإذاعي ، أظهر “التلفزيون الكبلى- cable television” تحولًا مثيرًا وقابلًا للقياس نحو لغة ذاتية وتجريدية وتوجيهية ولغة جدلية، مع محتوى يعتمد على التعبير عن الرأي أكثر من تقديم الحقائق.
وقد صاحب ذلك زيادة في وقت البث المخصص للدعوة لتلك الآراء على النقيض من الأوصاف المتوازنة للسياق أو الأحداث. ومع ذلك ، تجدر الإشارة إلى أن بعضًا من هذا متوقعًا استنادًا إلى الأهداف ونماذج الأعمال المختلفة للمنصتين، حيث تميل البرمجة الكبلية، لا سيما خلال فترة الذروة إلى عرض برامج قائمة على الرأي يقودها النقاد موجهة نحو جمهور أضيق وتستخدم الآراء والمواد الاستفزازية لجذب الانتباه، بينما يهدف البث التلفزيوني إلى جمهور أوسع ويلتزم بالأشكال التقليدية لإعداد التقارير.
ووجد فريق الدراسة أن أسلوب عرض الأخبار في الصحف التي تم أخذ عينات منها لا يزال مرتكزًا إلى حد كبير في ما يمكن اعتباره التقارير التقليدية عن أسلوب عرض الأخبار في وسائل الإعلام على الإنترنت التي تم أخذ عينات منها.
وتميل العروض الإخبارية في الصحف إلى أن تتميز بشكل أكبر باستخدام الشخصيات والوقت واللغة الوصفية في مناقشة الأحداث أو القضايا، وتضع الصحف القصص في سياقات السرد وغالبا ما تستخدم الأشياء الملموسة والأرقام والمراجع.
في المقابل، تميل اللغة في عينات الصحافة عبر الإنترنت إلى أن تكون أكثر حوارية ، مع التركيز بشكل أكبر على التفاعلات الشخصية ووجهات النظر والآراء الشخصية، مع التركيز على إقناع القراء.
التحول التدريجي نحو شكل أكثر موضوعية للصحافة يستند إلى منظور شخصي
توفر الاتجاهات العامة التي لوحظت في تحليل فريق راند دليلاً مبدئيًا على التحول التدريجي بمرور الوقت بين وسائل الإعلام التقليدية والجديدة نحو شكل أكثر موضوعية للصحافة يستند إلى منظور شخصي، حيث التحول من أسلوب صحفي قائم على استخدام اللغة العامة والسجل الأكاديمي والإشارات إلى السلطة والتقارير القائمة على الأحداث إلى واحد يعتمد بشكل أكبر على المنظور الشخصي والسرد والذاتية، وهذا الاتجاه بدا واضحا في بث الأخبار وبدرجة أقل في الصحف.
عند مقارنة خصائص وسائل الإعلام الجديدة والتقليدية، وجد فريق البحث أن برمجة الكابلات اليوم تفاعلية وذاتية للغاية وتعتمد على الحجج والآراء للإقناع والنقاش، وهو تباين صارخ عن الأسلوب الأكاديمي واللغة الدقيقة المستخدمة في البث التلفزيوني في فترة ما قبل عام 2000.
وبالمثل، اتسمت عينة الصحافة عبر الإنترنت خلال فترة الدراسة بأسلوب شخصي وذاتي أكد في كثير من الحالات على الجدل وكان مختلفًا تمامًا عن عينة الصحافة المطبوعة قبل عام 2000 ، والتي اعتمدت بشكل أكبر على التقارير القائمة على الأحداث التي غالبًا ما أشارت إلى مؤسسات أو مصادر موثوقة.
وعلى الرغم من أن فريق راند وجد أدلة على استخدام أوسع نطاقًا للرأي والذاتية في عرض الأخبار مما كان عليه في الماضي، إلا أن هذا التغيير كان غير ملحوظا.