تقارير

توقعاتُ سيمبسون واحتجاجاتُ أمريكا.. فصلٌ جديدٌ بين الحقيقة والادِّعاء

قدَّم مسلسل الرسوم المتحركة الأمريكي الشهير “عائلة سيمبسون- The Simpsons”، خلال فترة عرضه العديدَ من السيناريوهات الهزْليَّة، ولمراتٍ عديدة انطبقت هذه السيناريوهات على أرض الواقع بعد عرض تلك الحلقات بسنواتٍ طويلةٍ. فمن بين الأحداث التي تنبَّأ بها المسلسلُ الكارتونيُّ، أحداث 11 سبتمبر 2001، وانهيارُ الاقتصاد اليوناني وفسادُ الفيفا وانتخابُ دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وظهورُ فيروس كورونا المستجد وانطفاءُ الأضواء فى البيت الأبيض.

وينتمي المسلسل لفئة الدراما “الأنيميشن” الكوميدي، من إنتاج شركة فوكس، ويعدُّ أطولَ وأنجحَ مسلسل كارتوني يعرض على شاشات التليفزيون الأمريكي، حيث عرض منذ أول بثٍّ له في ‎17 ديسمبر ‎‎1989 أكثر من 600 حلقةٍ على مدى 31 موسمًا.

وقام بأداء أصوات شخصيات المسلسل مجموعةٌ من نجوم الشاشة الأمريكية، من أبرزهم دان كاستلانيتا، نانسي كارت لايت، جولي كافينير.

وقد حصد العديدَ من الجوائز العالمية منها جائزة إيمي 24 مرةً، وجائزة إيني 26 مرةً، كما تحولت النِّكاتُ في المسلسل إلى “ميمات – memes” انتشرت لسنواتٍ، أكثرَ من أي عرضٍ تليفزيونيٍّ آخر.

إغلاقُ أضواءِ البيت الأبيض وكورونا والدبابيرُ القاتلةُ.. مصادفاتٌ تحولتْ إلى واقعٍ في 2020

بعد إغلاق أضواء البيت الأبيض في ظل الاحتجاجات التي وصلت على أعتابه على خلفية مقتل الأمريكي ذي الأصل الإفريقي جورج فلويد على يد شرطيٍّ أبيضَ في مدينة مينيا بوليس بولاية مينسيوتا، كاد موقع التدوينات القصيرة “تويتر” ينفجر من الميمات على تلك الأحداث، ووجد العديد من المستخدمين تشابهًا بين ما يجري على أرض الواقع

وأحداثٍ تضمَّنتْها حلقاتٌ قديمةٌ من مسلسل عائلة سيمبسون.

وانطلق سيلٌ من التغريدات حول ذلك الأمر، ومن أبرزها تغريدةٌ تتساءل: “هل توقَّع مسلسلُ عائلة سيمبسون أعمالَ شغبٍ في مينيا بوليس؟ أو هي مجردُ تواردِ أفكارٍ؟ وجاء في تغريدة أخرى: “مَن جعل عائلةَ سيمبسون يعرفون بعض الأشياء الخبيثة التي لا يخبروننا بها؟!”، بينما قال أحد المغرِّدين: “لماذا تنبأتْ عائلة سيمبسون بكلِّ شيءٍ على الإطلاق؟!”، بحسب موقع “meaww” الأمريكي.

وأبدى مغرِّدٌ آخَرُ تعجُّبَه ممَّا يحدث قائلًا: “رسومٌ متحرِّكةٌ غريبةٌ، يتنبأون بكلِّ شيءٍ”، وقال آخر “إنهم وراء كلِّ شيءٍ.”

ذهب أحدُ المعجَبين ليقول إن “عائلة سيمبسون تتبَّأ بأحداثٍ محددةٍ للغاية منذُ ظهورِهم. أخبرونا بأحداث 11 سبتمبر وتفشِّي الإيبولا…”، بل إن أحدَ المغرِّدين كتب قائلًا: “إذا قدَّم (عائلة سيمبسون) عرضًا عن انتهاء العالم، فعليك أن تعلم أن اللُّعْبةَ انتهتْ”.

في المقابل رأى مغرِّدون آخَرون أن مسلسل عائلة سيمبسون لا يسافر عبر الزمن أو يتنبَّأ بالمستقبل، ولكنَّ عالمَنا أصبح مضطربًا للغاية لدرجة أن الأحداث الساخرة المصوَّرةَ في الرسوم المتحركة بدأت تعكس ما يحدث في حياتنا الحقيقية. وخَلُصَ مغردون إلى أن أحداث عام 2020 على وشك أن تستند إلى عائلة سيمبسون، لا سيما أن البعض أشار إلى تَنَبُّوئه بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” وظهور الدبور الياباني العملاق.

ويشير متابعو المسلسل إلى أن ما تنبَّأ به بشأن الوباء العالمى جاء في الحلقة 21 من الموسم الرابع عام 1993، فتُظهر انتشار فيروس جديد يُدعَى “أوسكا فلو” في إحدى الولايات الأمريكية بعدما انتقل إليها من القارة الآسيوية.

ويظهر في الحلقة موظفٌ بمصنعٍ في اليابان يَسعلُ داخلَ بضائعَ معبأةٍ في صناديقَ قبيلَ إرسالها إلى الولايات المتحدة ممَّا تسبب في إصابة العديد من الأمريكيين بأعراض الفيروس التي تشبه أعراض فيروس كورونا .ومع انتشار الإنفلونزا في جميع أنحاء المدينة، يبحث السكان المحليون بشدةٍ عن أيِّ نوعٍ من العلاج، حيث يقومون باقتحام المستشفيات بحثًا عن علاجٍ دونَ نتيجةٍ، ويظن البعض أن عقارًا لعلاج المرض داخل شاحنةٍ قريبةٍ، وعند فتْحِ أحدِ الصناديق يتسرَّب منها “نَحلٌ قاتلٌ”.

وقد أعرب بيل أوكلي، الكاتب المشارك في تلك الحلقة مع جوش واينشتاين، عبر موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، أنهما ربما توقَّعا أحداث عام 2020 بشكلٍ جيدٍ جدًّا حتى الآن.

صُوَرٌ تعبيريَّةٌ لاعتقال فلويد تستغل شهرةَ المسلسل لمخاطبة وجدانِ الجماهير

لكن الواقع يشير إلى قدرٍ من المبالغة في إظهار قدرة المسلسل على التنبُّوء وخلطٍ بين أحداث المسلسل واستغلال شهرته وشخصياته في التأثير على وجدان الجماهير، وقد استخدم الفنان والناشط الإيطالي أليكساندرو بالومبو المقيم في ميلانو رسومَ الكاريكاتير الساخرة كأداةٍ لخلق الوعي والتفكير في القضايا الاجتماعية والثقافية المهمة، وفي إطار ذلك الجهد لجأ للاستعانة بشخصياتٍ من مسلسل عائلة سيمبسون في صور كاريكاتير تجسد واقعة مقتل جورج فلويد علمًا بأن الواقعة لم تَرِد ضمن أحداث المسلسل، حيث قام برسم صورةٍ تجسِّد شرطيًّا أمريكيًّا وهو جاثم على عنق مواطن من أصلٍ إفريقيٍّ، وفقًا لموقع “إنفوباي- infobae” الإخباري.

ولم تكن تلك الصورة الأولى من نوعها التى تجسِّد اهتمامَ الناشط الإيطالي بمكافحة عنف ووحشية الشرطة ضدَّ ذوي البشرة السمراء، فقد قدَّم رسوماتٍ عام 2014 لشخصياتٍ من سيمبسون لإلقاء الضوء على زيادة التوتر العرقيِّ في الولايات المتحدة في أعقاب مقتل الشاب مايكل براون في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري وإريك غارنر في نيويورك.

وقد فعل مصمِّمٌ إيطاليٌّ يُدْعَى يوري بوميو الأمرَ ذاتَه حيث استخدم شخصياتٍ من المسلسل لتجسيد عملية اعتقال جورج فلويد، وتضمَّنتِ الصورةُ الكارتونيةُ المنتشرةُ عبرَ منصات التواصل الاجتماعي فتاةً ترفعُ لافتةً مكتوبًا عليها “العدالة من أجل جورج”.

أمَّا عن صور احتراق مبنى الشرطة في المسلسل والتي تداولها العديد من المغردين مع صورةٍ لاحتراق قسم الشرطة في مدينة مينيا بوليس، فهي بالفعل جاءت ضمنَ أحداث المسلسل، لكن مسارَ الأحداث لم يتعلَّقْ من قريبٍ أو بعيدٍ بموجةِ احتجاجاتٍ شعبيةٍ ولكنه في سياقٍ دراميٍّ هَزْلِيٍّ مختلفٍ تمامًا.

وفي حلقة أخرى من نفس المسلسل عام 1997، تظهر الأمُّ مارج بصددِ تقديمِ كِتابٍ لابْنِها المريض مدوَّنٍ على غلافه عبارة “فيروس إيبولاEBOLA VIRUS” ويُظهر قِردًا نائمًا في سريرٍ، علمًا بأن بعض البحوث تشير إلى أن القرود حاملةٌ الفيروسَ وأنها مصدرُ انتشارِه.

ولا يعدُّ ذلك تنبُّوءًا بوباءِ الإيبولا الذى اشتدت موجته في 2014، بالنظر إلى أن فيروسًا ظهر لأول مرة عام 1976 في إطار فاشيتين اثنتين اندلعتا في آنٍ معًا، إحداهما في نزارا بالسودان والأخرى في يامبوكو بجمهورية الكونغو الديموقراطية، التي اندلعت في قريةٍ تقع على مقرُبةٍ من نهر إيبولا الذي اكتسب المرضُ اسمَه منه، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

فوزُ ترامب بالرئاسة وتطورُ تقنيات الاتصال.. سيناريوهاتٌ تحققت بحذافيرها

في المقابل تحققت توقعات المسلسل في العديد من الأمور لعل أبرزها فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وجاء ذلك في حلقة عُرضت قبل 16 عامًا من فوزه في انتخابات عام 2016 على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون في مفاجأةٍ لكلِّ المراقبين وخلافًا لكلِّ التوقعات وتقديراتِ استطلاعاتِ الرأي.

ففي حلقةٍ تمَّ بثُّها في مارس عام 2000، أظهرت تسلُّمَ شخصيةِ المسلسل “ليزا” مقاليدَ الحكمِ في البيت الأبيض، خلفًا لدونالد ترامب.​

ويقول كاتب الحلقة دان غريني في تصريحٍ لموقع هوليوود ريبورتر:” كنا نريد إظهار حجم المشكلات التي سترثها الشخصية ليزا، أولُ سيدةٍ تُنتخَبُ رئيسةً للولايات المتحدة، وفكَّرنا في دونالد ترامب، ليكونَ الرئيسَ الأمريكيَّ المنتهيةَ ولايتُه”.

وقد تمكَّن المسلسل في المقابل من توقُّع أحداثٍ فعليةٍ قبل سنواتٍ طويلةٍ، فعلى سبيل المثال تضمنتْ حلقةٌ عُرضتْ عام 2001 مشاهِدَ حربٍ في إحدى دول الشرق الأوسط والتي لم يُذكَر اسمُها تحديدًا، حيث ظهر عَلَمُ المعارضة السورية الذي لم يكن له وجود في تلك الحقبة ولم يظهر إلا بعد 10 سنوات بعد اندلاع موجة الاحتجاج التى عُرفت باسم الربيع العربي.

وتوقَّع المسلسلُ ظهورَ الهواتفِ الذكيَّةِ في حلقةٍ عُرضت عام 1994، حيث طلبتْ إحدى الشخصيات من أخرى كتابةَ ملحوظةٍ على جهازٍ يعملُ باللَّمس وعليه رَسْمَةُ التفاحة، اللوجو الخاص بشركة أبل العالمية، علمًا بأن أول هاتفٍ يعمل باللمس تمَّ إصدارُه عام 2000.

وفي حلقةٍ عُرضت في عام 1996 توقع المسلسل تصميمًا للآي بود – iPod، جاء متوافقًا مع التصميم الذى طرحتْه شركة أبل عام 2001.

وأخيرًا، يرى البعضُ مسلسلَ “عائلة سيمبسون-  The Simpsons” نموذجًا لقدرة العمل الفنيِّ على تقديمِ رؤيةٍ استشرافيَّةٍ لشكلِ المستقبل، من خلال قراءةٍ دقيقةٍ للمعطياتِ ومساحةٍ من الخَيالِ الخصْبِ، إلا أن آخرين يرون في انطباق بعض السيناريوهات بحذافيرها على أرض الواقع مثارًا لرواج نظرية المؤامرة وتساؤلًا حول ما إذا كانت هناك يَدٌ خفيةٌ تحرِّك الأحداث وأن المسلسل بمثابة بروفة وبالون اختبارٍ لخطواتٍ ومخططاتٍ مدروسةٍ بعنايةٍ.

زر الذهاب إلى الأعلى