تقارير

قناةُ الجزيرةِ القطريةُ.. محطةُ الشِّعار الزائف وبوقُ التَّضليل والإرهاب

تحت شعارٍ برَّاقٍ “الرأيُ والرأيُ الآخَرُ” -ولكنه زائف- عملتْ قناةُ الجزيرة القطرية على مدى سنوات -ولا تزالُ- على زرع الفتن وزعزعة الأمن والاستقرار ونشر الأكاذيب والشائعات في المنطقة العربية، وذلك خدمةً لمشاريعَ ومخططاتٍ شيطانيةٍ، لا يخطئُها إلا متغافلٌ أو متواطئٌ، وبدلًا من أن تضطلع القناة برسالةٍ إعلاميةٍ إيجابيةٍ قائمةٍ على التَّبْصِرة والتنوير وتوعية المجتمع، باتت منبرًا لقادة الإرهاب الذين أفردت لهم مساحاتٍ واسعةً لمخاطبة الرأي العام ونشر تسجيلاتهم، أو إرسال طواقمها لإجراء مقابلات معهم في مخابئهم بدروب الصحراء والكهوف، رغم أنهم مطلوبون من العدالة.

استقلاليةٌ مزعومة.. “الرأيُ والرأيُ الآخَرُ” خديعةٌ كبرى

منذ انطلاق القناة عام 1996 تم تخصيصُ ميزانيةٍ ضخمةٍ من أجل إنفاقها، حيث بدأتْ بتمويلٍ من أمير قطر السابق، حمد بن خليفة آل ثان الذي قدَّم قرضًا بقيمة 150 مليون دولار لتأسيسها، ومن خلاله تمَّ استقطابُ عددٍ كبيرٍ من المذيعين والمراسلين في كلِّ الدُّولِ العربية، وفتحُ مكاتبَ إقليميةٍ لها في مختلف الدول العربية حتى يتمَّ استخدامُها لتحقيق أغراضها الخبيثة في المنطقة.

وقد شَغَلَ عددٌ من أعضاء العائلة المالكة في قطر مناصبَ كبيرةً في الشبكة، مثلُ حمد بن ثامر آل ثان، رئيس مجلس إدارة الشبكة، وهو ما يعزز ارتباطَ الشبكة بالحكومة القطرية.

وبات من الواضح أن القناة بمثابة أداة طوَّرتها قطر في إطار سياستها الطامحة إلى لعب دورٍ مؤثرٍ على المُسْتَوَيَيْنِ الإقليميِّ والعالميِّ، لتكونَ بمثابةِ قوةٍ ناعمةٍ في إطار المشروع السياسي القطري في بعض الأحيان، وكوسيلة ضغطٍ على الخصوم في أحيان أخرى. إذ يرى مراقبون أن الهدف من وجود القناة ليس تِجَاريًّا، رغمَ سَعَة انتشارها، وتعدُّدِ قنواتها، بل سياسيٌّ من خلال السعي إلى توجيه المواطن العربي كيفما تريد قطر، كونها أداةً بيد صانعي القرار القطري.

وتنكشف خديعة شعار “الرأي والرأي الآخر”، والاستقلالية المزعومة للقناة، عبر حقيقة أنها لا تبرز أي أصوات للمعارضة القطرية، في الوقت الذي تعج فيه استوديوهاتها بمطلوبين في قضايا إرهابٍ لدى بعض الدُّول العربية، حيث تقدمهم بزعم أنهم رموز معارضة، ليقوموا ببثِّ خطابات الكراهية التي تحضُّ على العنف ورفعِ السلاح في وجه الدولة.

ولم تقترب القناة التي لا تكفُّ عن الحديث عن أوضاع السجناء في دولٍ بعينها، مطلقًا من الحديث عن معتقلي الرأي في قطر، لتعكسَ الجزيرةُ ازدواجيةً صارخةً في التناولِ الإعلاميِّ، فبينما تدَّعي أنها مِنْبَرٌ مدافعٌ عن حرية الرأي والتعبير تصمت تمامًا عن الممارساتِ القمعيةِ داخلَ قطر وتصم آذانها عن الاستماع لأي صوتٍ يقترب من ذلك الملفِّ الشائكِ والمحظورِ في أجندتها الإعلامية.

هجومٌ على دول الرباعيِّ العربيِّ.. وتلميعٌ لصورة قادة الإرهاب والاستبداد في إيران وتركيا

ويتضحُ تسييسُ عمل قناة الجزيرة القطرية في العديد من المظاهر، فعلى سبيل المثال تُبرِزُ القناةُ التقاريرَ الإعلامية الغربية التي تتعرض بالنقد والهجوم على الدول العربية، وتتجاهل تمامًا الموضوعات التي تتناول الشأنَ القطريَّ، فلم يحدثْ أنْ تناولتِ القناةُ ملفات العمالة القَسْرِيَّة في قطر وتردِّي الأوضاعِ المعيشيةِ للعمال الأجانب، وهى جوانبُ تحظى باهتمامٍ كبيرٍ من جانب الصحف والإذاعات الغربية.

وفي الوقت الذي تكرِّس فيه القناةُ القطريةُ كل أدواتها لمهاجمة قادةِ وزعماءِ دول الرباعيِّ العربيِّ لمكافحة الإرهاب (السعودية ومصر والإمارات والبحرين)، تَعْمِدُ إلى تلميع وغسيل السُّمعة السيئة لحلفاء الدوحة الرئيسيين إيران وتركيا، فهي تقدم قادة البلدين في صورةٍ دعائيةٍ تروِّج لبطولاتٍ مزعومةٍ لرموز الإرهاب الملطَّخة أيديها بدماء الأبرياء، ولعلَّ أحدثَ مثالٍ في هذا الإطار إذاعةُ منصة بودكاست الجزيرة على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو ترويجيًّا عن حلقةٍ تتناول شخصية قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوريِّ الإيرانيِّ، الذي أدارَ الميليشياتِ الإيرانيةَ الإرهابيةَ في المنطقة العربية، قبل مَقْتَلِه في غارةٍ أمريكيةٍ ببغداد مطلعَ يناير الماضي.

ووضعتِ الجزيرةُ «سليماني» في صفٍّ واحدٍ مع شخصياتٍ تاريخيةٍ مثل رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة مارغريت ثاتشر والإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت وعميد الأدب العربي طه حسين!

من جهة أخرى، تتعددُ التقاريرُ في وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الغربية التي ترصد الانهيارَ الذي تشهده تركيا على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية، والتي تهاجمُ فسادَ واستبدادَ رجب طيب أردوغان وعائلته وحزبه، العدالة والتنمية، وسياساته الداخلية والخارجية، إلا أن الجزيرةَ لم تكتفِ بغضِّ الطرفِ عن تلك التقارير -وما أكثرَها!- بل تلجأ إلى تزييفِ الواقعِ والترويجِ للنموذجِ التركيِّ وتلميع صورة خليفة الإرهاب أردوغان، حتى وإن كان ذلك على حساب الأمن القومي العربي، فعلى سبيل المثال بررتِ العدوانَ التركيَّ السافرَ على الأراضي السورية بأنه خطوةٌ للحفاظ على الأمن القوميِّ التركيِّ من التهديد الذي يمثله الأكراد!

ولعلَّ تلك الأمورَ دليلٌ واضحٌ على اختيار الدوحة المضيَّ قدمًا في دعم أنقرة وطهران حتى وإن خالفتا القانونَ الدوليَّ، مغردةً بذلك خارجَ سربِ جيرانها ومحيطها العربيِّ الذي يحتكمُ في قضايا المنطقة إلى منطق احترام سيادة الدول وحقوق الشعوب وأمنها.

شفرة سرِّيَّة للتواصل بين الإرهابيين.. وتَلاعبٌ بالصورة لخداع المشاهد

دائمًا ما كانتْ قناةُ الجزيرة سببًا في الأزمات العربية وتأجيجها بتخلِّيها عن كلِّ قواعدِ الاحتراف والمهنية واللجوءِ إلى التحريف والتزييف، وهو منهجٌ ازدادَ بزوغًا في السنوات التي تلتْ موجةَ الاضطرابات التي شهدتْها المنطقةُ العربيةُ في عام 2011، فأصبحت في وضعٍ يصعب عليها أن تعودَ منه، خاصةً بعد أنْ سقط قناعُها، وتحولتِ القناةُ إلى شفرةٍ سريةٍ للتواصل بين الإرهابيين وتمرير رسائلِ الحقدِ والكراهية والعنف.

ولطالما اعتمدتِ الجزيرةُ على الأكاذيبِ وفبركةِ الأخبارِ بحقِّ الدولِ العربية، وهو أمرٌ أقرَّ به العديدُ من العاملين السابقين في القناة الذين كشفوا مثلا عن تلاعبها بالصورة لفبركة التظاهرات في الدول العربية وتصديرِ صورةٍ زائفةٍ مخالفةٍ للحقيقة.

وقبل تلك المرحلة بسنوات، ارتبطت القناةُ ارتباطًا وثيقًا بالتنظیمات والكتائبِ المسلحةِ الموازیة لمؤسسات الدولة في المنطقة العربية، وهو ما ظهر في مساعيها الدائمة لإبراز دور تلك المیلیشیات وتضخيمِه على حساب مؤسسات الدول الوطنیة، فمثلا عظَّمت من دَوْرِ جماعةِ حزب الله اللبنانية على حساب الدولة اللبنانية، والأمر ذاتُه تكرَّرَ في حالة حركة حماس في مواجهة السلطة الوطنية الفلسطينية.

كما فتحت قناةُ الجزيرةِ شاشتَها لاستضافةِ قادةِ الجماعاتِ الإرهابيةِ مثل القاعدة وجبهة النصرة في سوريا، وغيرها من الجماعات والميليشيات المسلحة.

وأخيرًا، لقدِ اعتمدتْ سياسةُ قناةِ الجزيرةِ القطريَّة على الكَيْلِ بمِكْيَالَيْن في تناول قضايا المنطقة وغيابِ الشفافية، والترويجِ للتطرُّف والعنفِ ودعمِ الإرهابِ مع بثِّ محتوًى يهدِّدُ الأمنَ القوميَّ العربيَّ مع استهداف استقرار الشعوب العربية وتنفيذ مخطَّطِ التَّضليلِ المُمَنْهَج للمُشاهِدِ العربيِّ، والتدخُّلِ في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما قابلتْه دولُ الرباعيِّ العربيِّ (السعودية ومصر والإمارات والبحرين ومصر) بكلِّ حسمٍ في 5 يونيو 2017 بإعلانِ مقاطعةِ قطر بعدَ سلسلة من التحذيرات للحدِّ من ممارساتِها التخريبيةِ والكفِّ عن بثِّ السُّموم ونشرِ الفتنِ والترويجِ للأكاذيبِ لخدمةِ أغراضٍ ومخططاتٍ خارجيةٍ وأطماعِ أطرافٍ إقليميةٍ تتربَّصُ بأمنِ واستقرارِ المنطقةِ العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى