ماذا بعد رحيل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي؟

شكل مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، وعدد من مرافقيهم في حادث تحطم طائرة مروحية بعد زيارتهم الحدود الإيرانية مع أذربيجان لافتتاح سد، مفاجأة غير متوقعة، وأثار المزيد من التساؤلات حول الانتخابات المقبلة لاختيار رئيس جديد لإيران والخلافة المحتملة للمرشد الأعلى، التي كان كثير من المراقبين الغربيين يرجحون أن يكون رئيسي من أبرز المنافسين عليها.

وفي بيان صدر بعد ساعات من إعلان الحادث وبدء فرق الإنقاذ البحث عن طائرة رئيسي، أكد المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، أن إدارة البلاد ستبقى مستقرة، مما يشير إلى أنه من غير المرجح حدوث تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية والداخلية الإيرانية، وربما يكون التأثير الأكثر وضوحًا هو تأخير المفاوضات النووية غير المباشرة الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، حيث من المرجح أن يعطي القادة الإيرانيون الأولوية للانتخابات المقبلة التي يجب أن تتم في غضون خمسين يومًا، بحسب تقدير موقف أعده المجلس الأطلسي (مركز بحثي مقره واشنطن) استطلع فيه آراء خبراء نستعرض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:

• الانتخابات الرئاسية المقبلة

في الوقت الذي ربما يكون فيه مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر يوم الأحد قد صدمت الشرق الأوسط والعالم الأوسع، لكن من غير المرجح أن يغير الاتجاه الاستراتيجي لإيران سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية. وبينما كان رئيسي يحمل لقب الرئيس، كانت سلطته مقيدة من قبل المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، الذي يتولى السلطة فعليا في إيران، لكن رغم ذلك، فإن مصرع رئيسي يترك فراغًا في السلطة بإيران.

وبموجب نص المادة 131 من الدستور الإيراني يتولى النائب الأول للرئيس محمد مخبر الرئاسة مؤقتا، لكن من غير المرجح أن يكون لمخبر أي تأثير ملموس أو يسعى لخلافة رئيسي. وبحسب الدستور يتم إجراء انتخابات خلال خمسين يومًا.

بالنسبة للنظام الإيراني، فإن إجراء جولة أخرى من الانتخابات الرئاسية يشكل صداعًا من المؤكد أنه كان يفضل تجنبه، إذ اعتقد مجلس صيانة الدستور– الهيئة التي تحدد المرشحين للرئاسة – أن رئيسي سينقل إيران إلى الجيل التالي “جيل ما بعد خامنئي”.

ومع تحطم هذه الخطة الآن، فمن المرجح أن يكون مجلس صيانة الدستور أكثر صرامة بشأن من يسمح لهم بخوض الانتخابات الرئاسية، عازمًا على ضمان قدرة الرئيس القادم على الدفاع عن النظام وحمايته في ظل الاضطرابات المحلية والإقليمية.

ولكن استبعاد المزيد من المرشحين الإصلاحيين من المرجح أن يؤدي إلى قمع الحماس، وأن ينظر كثير من الإيرانيين إلى الانتخابات على أنها ليست حرة ونزيهة. وهناك سبب وجيه للشك في تسجيل نسبة مشاركة عالية من الناخبين، لا سيما في ضوء حجم المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مارس الماضي، إذ أفاد المسؤولون بنسبة إقبال منخفضة تاريخية بلغت أقل من 41%، ويزعم بعض خبراء استطلاعات الرأي أن نسبة المشاركة الحقيقية كانت أقل بكثير وأقرب إلى 15 أو 16%.

• خلافة خامنئي ودور الحرس الثوري

وفي الوقت نفسه، لم يكن من المتوقع فقط على نطاق واسع أن يتولى رئيسي قيادة عملية خلافة المرشد الأعلى من خلال مجلس الخبراء، بل كان هو نفسه أيضًا أحد أبرز المنافسين لخلافة خامنئي. وفي الأيام المقبلة، سيكون هناك الكثير من التوقعات بأنه بعد رحيل رئيسي، من المرجح أن يتولى مجتبى، نجل خامنئي منصب المرشد الأعلى.

وثمة انتقادات موجهة منذ فترة طويلة لمجتبى بأنه يفتقر إلى المؤهلات الدينية الكافية لتولي منصب المرشد الأعلى، بجانب أن وصوله لهذا المنصب سيؤدي إلى مسألة الخلافة العائلية وهو ما من شأنه أن يتعارض مع الثورة الإيرانية لعام 1979 التي أطيح فيها بشاه إيران محمد رضا بهلوي لصالح زعيم يتمتع بمؤهلات دينية.

ومع ذلك، قد يجد مجتبى دعمًا كافيًا إذا كان الحرس الثوري الإيراني مصممًا على لعب دور أكثر بروزًا وتأثيرًا في ظل المرشد الأعلى المقبل. وإذا كان الأمر على هذا النحو، فسيكون من المستبعد جدًا أن يتم ترقية أي شخص إلى منصب المرشد دون موافقته. وقد يعمل هذا الوضع لصالح مجتبى نظرًا لارتباطه الوثيق على مدى سنوات طويلة بالحرس الثوري وقربه من جهاز الأمن الإيراني بشكل عام.

وختامًا، من المؤكد أن غياب رئيسي عن المشهد فجأة لم يكن متوقعًا، ولكن من غير المرجح أن يكون له تأثير لأن التغيير الحقيقي في الاتجاه الاستراتيجي لإيران لا يمكن أن يأتي إلا من المرشد الأعلى، ومنصبه ليس شاغرًا بعد.

لكن مصرع رئيسي يجلب معضلات لكبار قادة النظام منها ما مدى انفتاح المجال الذي سيسمحون به لإجراء الانتخابات الآن؟ هل يفضلون رجل دين قد يُنظر إليه على أنه منافس محتمل لخلافة المرشد الأعلى أم شخصية تكنوقراط؟ وكيف يمكن العمل على زيادة نسبة  المشاركة حتى لا تكون أقل من الانتخابات السابقة؟ هل يفضلون في الواقع أن يكون الرئيس المقبل من المعسكر المتشدد أم الإصلاحي ليصبح كبش فداء لحالة الاقتصاد الإيراني؟