دراسات

السعودية رمانة ميزان السوق النفطية العالمية

مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وفرض بعض الدولالغربية عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، سادت حالة من القلق بشأن تأمين إمدادات الطاقة الدولية دفعت بالولايات المتحدة والدول الغربية إلي تكثيف تحركاتها واتصالاتها من أجل العمل على زيادة تدفقات النفط لتعويض الإمدادات الروسية، كخطوة تُجنب تلك الدول أزمة متصاعدة تتمثل في ارتفاع الأسعار وتكلفة المعيشة من جهة، وكذلك تُشدد من حدةالضغط الدبلوماسي والاقتصادي على روسيا من جهة أخرى.

وفي هذا الإطار، اتجهت الولايات المتحدة إلي فنزويلا من أجل إذابة الجليد في العلاقات بين البلدين عبر زيارة وفد أمريكي رفيع لكراكاس وإعلان واشنطن أنها تبحث تعليق العقوبات المفروضة عليها في مقابل استئناف صادراتها من النفط إلى الولايات المتحدة.

وفيما لم تسفر المحاولات الأمريكية المتكررة لاقناع الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بزيادة الإنتاج عن النتيجة المرجوة، تأتي الجولة الخليجية لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون التي شملت كل من السعودية والإمارات، لتمثل أرفع زيارة لمسؤول غربي بهدف مناقشة ذلك الملف الذى تشتد حاجة الدول الغربية لتحقيق اختراق واضح فيه بأسرع ما يمكن.

تحذيرات غربية من صدمة طاقة

تعالت الأصوات في الدوائر السياسية والاقتصادية الغربية خلال الأيام القليلة الماضية بالتحذير من مواجهة صدمة هائلةفي أسواق الطاقة، إذ اعتبر وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير أن أزمة الطاقة الحالية مع الارتفاع الكبير في الأسعار شبيهة في حدّتها بالصدمة النفطية عام 1973، في تذكير بالأزمة التي واجهها العالم الغربي حينما اتفق أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي تقودها المملكة العربية السعودية، على استخدام نفوذهم على ألية ضبط أسعار النفط في أنحاء العالم من أجل رفع أسعاره، بعد فشل المفاوضات مع شركات النفط العظمى التي أطلق عليها “الأخوات السبع“.

كما أعربت وكالة الطاقة الدولية عن مخاوفها من حدوث “صدمة” في إمدادات النفط العالمية عقب العقوبات المفروضة على روسيا بعد غزوها أوكرانيا، مخفضة في الوقت نفسه توقعاتها للطلب خلال العام الحالي 2022.

ووفقا للتقرير الشهري الصادر عن الوكالة التي تقدم المشورة للدول المتقدمة بشأن سياسة الطاقة، فإن احتمال حدوث اضطرابات واسعة في الإنتاج الروسي يهدد بإحداث صدمة عالمية في إمدادات النفط، إذ تقدر الوكالة أن ثلاثة ملايين برميل يوميًا من النفط الروسي قد لا تتوفر اعتبارًا من الشهر المقبل، مرجحة ارتفاع تلك الكمية إذا شُددت العقوبات أو زادت الإدانات العلنية لموسكو، علمًا بأن روسيا تعد أكبر مصدر في العالم بثمانية ملايين برميل يوميًا من النفط الخام والمنتجات المكررة.

اتصالات وزيارات ومناشدات لزيادة إنتاج النفط

دفع رفض منظمة أوبك، وحلفاءها في إطار تحالف أوبك+” وخصوصًا روسيا زيادة إنتاجها لتهدئة السوق وإلتزام التحالف بزيادة تدريجية قدرها 400 ألف برميل يوميًا كل شهر، دولا غربية كبري إلي تكثيف الاتصالات والزيارات بل وحتي إطلاق مناشدات علنية لزيادة الإنتاج، فكانت قضية إمدادات الطاقة حاضرة في الاتصال الهاتفي الذى تلقاه الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، من الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر الماضي، وكذلك في اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، حفظه الله، وأيضًا في زيارة منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك ومبعوث وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة، عاموس هوشستينإلى الرياض، فضلًا عن إطلاق ألمانيا نداء عاجلا” لأوبكلزيادة الضخ “لإحداث ارتياح في السوق”، على حد تعبيرها.

وفي خطوة أخرى على مسار الحوار الغربي مع الخليج بشأن زيادة إنتاج النفط، تأتي زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلي الرياض والتى استبقها بمقال نشره في صحيفة التليجراف حذر فيه من “أوقات عصيبة ينتظرها الغرب في حال الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية، والتحول السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة”. وبيان أكد على أن ثمة حاجة لتحالف دولي جديد لتعويض تأثير العقوبات المفروضة على روسيا، على المستهلكين الذين باتوا يشعرون بالفعل بضيق ناجم عن ارتفاع التضخم وزيادة تكلفة المعيشة، مؤكدا أن “السعودية والإمارات شريكان دوليان رئيسيان في هذا الجهد”، لكن وبحسب تقارير إعلامية عديدة- من بينها وكالة رويترز- فإن جونسون لم يتمكن من الحصول على تعهد بزيادة الإنتاج. وهو ما تؤكده شواهد يمكن الاستدلال عليها أولا من البيان السعودي الرسمي حول المحادثات بين سمو ولي العهد وجونسون، إذ لم يتطرق البيان إلي مسألة إنتاج النفط، وثانيا من تأكيد رئيس الوزراء البريطاني في تصريحاته عقب المباحثات أن المملكة “متفهمة الحاجة لاستقرار أسواق النفط والغاز العالمية”.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن التطورات في المشهد الدولي بتعقيداته الجيوسياسية المختلفة تُعيد التأكيد على جملة من الحقائق من أبرزها تعاظم الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسطوضرورة الانخراط الفاعل والمسؤول في قضايا المنطقة والحفاظ على استقرارها، وبحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ستبقي دول الخليج المزود الرئيسي للنفط عالميًا حتى عام 2040، بالإضافة إلي ذلك تظل المملكة العربية السعودية الدولة الرائدة عالميًا وصاحبة الكلمة الفارقة ورمانة ميزان السوق النفطية العالمية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى