تقارير

السعودية ومصر.. شراكة راسخة تعزز الأمن القومي العربي

تنسيق متواصل وأطر متعددة للتعاون والشراكة الاستراتيجية تربط بين المملكة العربية السعودية ومصر، تجسدها اللقاءات والزيارات على مستوى القيادة السياسية وكبار المسؤولين في البلدين الشقيقين، والتعاون بين الأجهزة المعنية بالدبلوماسية والأمن القومي بما يصب في مصلحة أمن واستقرار البلدين، ويؤدي للحفاظ على الأمن القومي العربي، الذي يواجه تحديات جسامًا تطال العديد من الأقطار العربية.
وفي هذا الإطار، جاءت زيارة وزير الخارجية السعودي سمو الأمير فيصل بن فرحان إلى القاهرة في 16 ديسمبر الجاري، لترؤس اجتماعات لجنة المتابعة والتشاور السياسي مع نظيره المصري سامح شكري، والتي شهدت تبادلًا للرؤى بشأن عدد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، حيث بحث الجانبان خلال الاجتماع أهمية تعزيز العمل المشترك من أجل إرساء دعائم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، والعمل على تطوير التنسيق الثنائي ونقله نحو آفاق أرحب بما يخدم مصالح البلدين الشقيقين.
وتأتي هذه الزيارة الهامة بعد أيام قليلة من استضافة الرياض لوزير الخارجية المصري لتدشين آلية التشاور السياسي بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، التي اعتبرها مراقبون أنها تمهيد لترتيبات تتعلق بالتعامل مع قضايا وشواغل مرتبطة بسياسات عدد من الأطراف الإقليمية، وذلك بشكل يحقق ويحافظ على مصالح أطراف آلية التشاور مجتمعة.
رسائل سياسية وأمنية واستراتيجية
تضمّن البيان الصادر عن لجنة المتابعة والتشاور السياسي بين المملكة العربية السعودية ومصر سلسلة من الرسائل السياسية الهامة التي تعالج قضايا على قدر كبير من الأهمية من منظور استراتيجي وأمني وقومي عروبي، وهو ما يمكن استعراضه في النقاط التالية:
– الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها كحصن لحماية شعوب المنطقة واستقرارها.
– محورية العمل العربي المشترك، ودور جامعة الدول العربية في إطار تدعيم آليات العمل العربي المشترك.
– الاحتكام الدائم إلى القانوني الدولي واحترام الشرعية والقرارات الدولية، بالتأكيد على حل أزمات المنطقة وفقًا لتلك المرجعيات.
– التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية للأمة العربية، وأن الحل العادل والشامل لها يتطلب إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، استنادًا لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
– تبني منظور شامل للأمن القومي العربي، بوصفه كُلًّا لا يتجزأ، مع التشديد على أهمية التضامن الكامل للحفاظ على الأمن القومي العربي، وتوظيف القدرات والإمكانات العربية لخدمة هذا الهدف السامي.
– مباركة ودعم والانخراط في كل جهد تنسيقي للمواقف والسياسات العربية، وهو ما تجلى في الإشادة بالاجتماع الأخير بين وزراء خارجية مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، الذي وضع إطارًا مؤسسيًّا للعلاقات المصرية – الخليجية.
– التصدي لمساعي الأطراف الإقليمية التي تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية أو تهدد استقرارها عبر أدوات التحريض العرقي والمذهبي، أو الجماعات الإرهابية، أو تصورات توسعية لا تحترم سيادة الدول وضرورات احترام حسن الجوار. وهو ما يمثل رسالة ردع واضحة لكل من إيران وأذرعها المسلحة من التنظيمات الإرهابية الطائفية كحزب الله في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن وأدوارها التخريبية، وأيضا لتركيا بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان الداعم لتيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين ضمن مخطط لإحياء الإمبراطورية العثمانية، وركضه وراء حلم إقامة خلافة إسلامية يُنصب نفسه فيها خليفة للمسلمين.
سد النهضة والأزمة الليبية ومحاربة الإرهاب
احتلت مجموعة من القضايا والتطورات الإقليمية مكانة بارزة على طاولة لجنة المتابعة والتشاور السياسي بين مصر والسعودية، جاء في صدارتها محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة بكافة أشكالها، وهذه الحرب تشمل أبعادًا متعددة لا تقتصر على المقاربة الأمنية، بل تشمل تجفيف منابع تمويل الإرهاب ومواجهة التطرف الفكري، والتصدي للخطابات المتشددة.
بالإضافة إلى رفض محاولات المساس بأمن وسلامة الملاحة في الخليج العربي ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، التي تمثل تهديدًا للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، نظرًا للأهمية الجيوسياسية للمنطقة كونها مسارًا رئيسيًا لحركة التجارة الدولية ومصدرًا لإنتاج وتصدير النفط. ويؤكد ذلك التطابق في الرؤى رفض الممارسات الإيرانية غير المسؤولة في مياه الخليج العربي، والتهديدات الحوثية للملاحة في البحر الأحمر.
كما أظهرت المباحثات أيضًا تضامنًا كاملاً بين البلدين في مواجهة التهديدات التي تمس الأمن القومي، إذ أكد الجانب المصري تضامنه مع السعودية في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها الوطني، ورفضه أي اعتداءات على أراضي المملكة، مشددًا على أن أمن المملكة ومنطقة الخليج العربي يُعد جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وهي قاعدة أساسية تحكم السياسة الخارجية المصرية ودوائر تحركها وتفاعلها مع كل القضايا التي تمس أمن الخليج.
في المقابل، جددت المملكة التأكيد على دعمها الكامل للأمن المائي المصري باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الأمن المائي العربي، داعية إلى التوصل في أقرب فرصة إلى اتفاق قانوني ملزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، تنفيذًا للبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر 2021، بما يدرأ الأضرار الناجمة عن هذا المشروع على دولتي المصب مصر والسودان، ويُعزز التعاون بين شعوب مصر والسودان وإثيوبيا.
كما حازت الأزمة الليبية على اهتمام كبير خلال المباحثات لا سيما في ظل ما تكتنفه الأوضاع في ليبيا من غموض مع اقتراب الموعد المقرر للانتخابات في 24 ديسمبر الجاري، وعدم إعلان القوائم النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية حتى الآن، حيث أكد الجانبان المصري والسعودي على ضرورة الحفاظ على استقرار ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها، وضرورة عقد الانتخابات في موعدها وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب في مدى زمني محدد؛ تنفيذًا لقرار مجلس الأمن رقم 2570 والمخرجات الصادرة عن قمة باريس ومؤتمر “برلين 2″، وآلية دول جوار ليبيا وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التنسيق السياسي والدبلوماسي بين السعودية ومصر إزاء القضايا الإقليمية يعزز من جهود إرساء الأمن والاستقرار والدفاع عن الأمة العربية، فالمملكة ومصر تشكلان جناحي الأمة العربية القادرين على تطوير العلاقات العربية – العربية، وحماية الأمن القومي العربي من أي خروقات في ظل أطماع أطراف إقليمية تستهدف السيطرة على ثروات ومقدرات الشعوب العربية من خلال تقسيم الدول وضرب مؤسساتها الوطنية.
وأخيرًا، تبقى العلاقات السعودية المصرية ركيزة للاستقرار ودفع مسيرة العمل العربي المشترك الذي لا تقوم له قائمة إلا بالتنسيق والتعاون والتشاور بين الرياض والقاهرة، فالأمة العربية لا تستطيع مواجهة أي تحديات خاصة في المجال الأمني، إلا من خلال تضافر الجهود السعودية المصرية.

زر الذهاب إلى الأعلى