أدت الطفرة الرقمية التي تشهدها المجتمعات حول العالم، وكثافة استخدام منصات التواصل الاجتماعي إلى توافر كميات هائلة من البيانات، ساعدت على ازدهار التحليلات الكمية التي توفر معلومات قائمة على الأرقام يتم استخدامها خلال عمليات اتخاذ القرار ومن أمثلتها تحليلات الوسائط الاجتماعية، وتحليلات المواقع، وتحليلات التطبيقات.
لكن ما لا تخبرنا به هذه التحليلات هو كيف يفكر الجمهور وما الذي يشعر به، فالبيانات التي توفر إجابات لتلك الأسئلة تتسم بكونها بيانات غير منظمة، إذ إنها تستند إلى نص وليست قائمة على الأرقام، مما يصعب فك الشيفرة الخاصة بها وتحليلها، وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه فقط من خلال تحليل المشاعر.
ويقصد بتحليل المشاعر تحليل النص لفهم المشاعر الكامنة وراءه، وهي عملية آلية تستخدم التعلم الآلي والتحليل النصي لتصنيف العبارات حول المؤسسة على أنها إيجابية أو سلبية أو محايدة، ويُطلق على تلك العملية أحيانًا اسم التنقيب عن الرأي ويستخدم لالتقاط صوت بيانات العملاء وكذلك تحديد شعور المستهلكين تجاه العلامة التجارية أو المنتج أو الفرد.
كيف يعمل تحليل المشاعر؟
يعد تحليل المشاعر أداة قوية في مجموعة أدوات التسويق الخاصة بالمؤسسة، ويتم تطبيقه من خلال مجموعة من المراحل، ففي البداية يتم “جمع البيانات- Collecting Data“ سواء عبر رسائل البريد الإلكتروني أو “مواقع المراجعة- review sites” ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
وتعتبر أدوات الاستماع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واحدة من أسهل الطرق لجمع بيانات الوسائط الاجتماعية والتي يحتوي العديد منها على ميزات تحليل المشاعر الخاصة بها، ويمكن أيضًا الحصول على بيانات لتحليل المشاعر من خلال ردود الاستبيانات والتعليقات على موقع الإنترنت والمراجعات وأي شيء يمكن طلبه مباشرة من المستهلكين عبر الإنترنت.
وتتمثل المرحلة الثانية في “تنقية البيانات- Cleaning Data“، فنظرًا لأن عملية جمع البيانات تتم من خلال مصادر متعددة وبتنسيقات مختلفة، فمن المحتمل أن تكون البيانات فوضوية بعض الشيء لذلك فلا بد من تنقيحها وتنقيتها حتى يتسنى الاستفادة منها، وتشتمل عملية التنقية على إزالة كل من الكلمات الشائعة أو الكلمات المستبعدة (التي تستبعد قبل المعالجة اللغوية الآلية للبيانات) وعلامات الترقيم، وكذلك إجراء “الاشتقاق stemming”، أي العود إلى الشكل الأصلي للكلمة من حيث المبدأ، حيث سيؤدي ذلك إلى تقليل مقدار المعالجة التي تتطلبها البيانات.
أما عن المرحلة الثالثة فتتعلق بتحليل المشاعر –Sentiment Analysis“ ويتم ذلك من خلال استخدام أداة لتحليل المشاعر، والتي تتضمن خوارزميات تساعد في تحديد مشاعر الجمهور تجاه المؤسسة أو المستهلك تجاه العلامة التجارية بما يمكن من الحصول على فهم أفضل وأعمق.
ومن أبرز تلك الأدوات “Social Animal” و” Talkwalker Analytics” و”Brandwatch” و”Social Mention”.
وتتمثل المرحلة الرابعة والأخيرة في “فهم البيانات-Understanding the Data“، فبمجرد اكتمال عملية تحليل المشاعر، يصبح بالإمكان رؤية المشاعر الإيجابية والسلبية والحيادية، ومن ثم تحديد الاتجاهات وملاحظة كيف تغيرت المشاعر بمرور الوقت والاستفادة من تلك المعلومات في معالجة المشكلات وتعظيم المشاعر الإيجابية.
ما هي أساليب تحليل المشاعر؟
هناك العديد من الأساليب المختلفة لتحليل المشاعر والتي يمكن تصنيفها على أنها تقنيات “التعلم الآلي- machine learning” أو التقنيات “القائمة على القواعد- rules-based” أو “التقنيات المختلطة- hybrid techniques”، ولكل أسلوب نقاط قوة وضعف، ومن أبرز تلك الأساليب:
“تحليل المشاعر القياسية- Standard Sentiment“: يحدد تحليل المشاعر القياسي الآراء على أنها إيجابية أو سلبية أو محايدة، وهذا هو النهج الأكثر شيوعًا لتحليل المشاعر.
“تحليل المشاعر القائمة على النية- Intent-Based Sentiment“: يبحث تحليل المشاعر القائم على النية عن السلوكيات والإجراءات وراء رأي معين، مثل ما إذا كان المستهلك يتصفح فقط أم يريد شراء منتج. ويساعد هذا النهج لتحليل المشاعر على تحديد الفرص لمساعدة الجمهور أو العملاء عند وجود مشكلة وكذلك تتبعهم وإعادة توجيههم أو عدم إعادة استهدافهم اعتمادًا على نياتهم.
“تحليل المشاعر القائم على سمة- Aspect-Based Analysis“ : يركز على ميزة أو سمة معينة للمنتج أو الخدمة، وباستخدام هذا النهج يمكن تحديد ما إذا كان هناك شيء إيجابي أو سلبي أو محايد قد قيل حول أي ميزة.
“تحليل المشاعر الدقيق- Fine-grained Sentiment“: يتم إجراؤه عادةً من خلال تقييم التعليقات على مقياس من خمس درجات أو آخر من 10 درجات وهما الأكثر شيوعًا، فعلى سبيل المثال المقياس المؤلف من 5 درجات يتدرج كالتالي: آراء سلبية للغاية أو سلبية أو محايدة أو إيجابية أو إيجابية للغاية.
ماذا عن فوائد تحليل المشاعر؟
يوفر تحليل المشاعر العديد من المزايا التي تفيد المؤسسات والشركات والعلامات التجارية في عملها، ومن بين تلك الفوائد “مراقبة سلامة العلامة التجارية- Monitor Brand Health“، فتحليل المشاعر يساعد في امتلاك معرفة أساسية بنسبة الإشارات الإيجابية إلى السلبية حول العلامة التجارية مما يساعد في إجراء تحسينات، فضلاً عن تحديد جوانب العمل أو المنتجات أو الخدمات الأكثر قيمة أو التي تمثل معظم المشكلات للجمهور.
كما يساعد تحليل المشاعر في “قياس الرأي العام- Gauge Public Opinion” حول أي شيء تقريبًا، وهي ميزة تفيد بشكل خاص في حال إطلاق منتج أو خدمة جديدة أو حملة تسويقية أو توعوية جديدة، فمن خلال تتبع الإشارات إلى المؤسسة أو العلامة التجارية، يمكنك قياس كيفية استجابة الجمهور ومن ثم معرفة متطلبات تحسين الأداء.
بالإضافة إلى ذلك، يتيح تحليل المشاعر “الاطلاع على مشكلات السمعة-Stay Ahead of Reputation Issues” ، إذ يساعد في تحديد المخاوف المحتملة بشأن السمعة والإسراع في معالجتها قبل أن تتحول إلى مشاكل كبرى.
كما يساعد تحليل المشاعر في “إجراء أبحاث السوق- Conduct Market Research” قبل طرح منتج جديد، فالحصول على معلومات قيمة من خلال التحليل يساهم في توفير استثمار الكثير من المال في فكرة لا يريدها الجمهور بالفعل.
ويعد “تحسين خدمة العملاء- Improve Customer Service” من بين المزايا المهمة لاستخدام تحليل المشاعر، فالمعلومات المكتسبة من هذا التحليل يمكن أن توضح الطريقة التي يتعامل بها فريق دعم العملاء مع الاستفسارات.
هل توجد تحديات تواجه استخدام تحليل المشاعر؟
توجد ثمة قيود في العملية بسبب تعقيد اللغة، فهناك صعوبة في تحديد النغمة من رسالة بريد إلكتروني أو رسالة نصية، ما يجعل تحليل المشاعر أمرًا صعبًا، حتى مع معالجة اللغة الطبيعية والخوارزميات التي تحاكي الطريقة التي يتحدث بها الأشخاص، ومن أبرز التحديات التي تواجه أدوات تحليل المشاعر في هذا الصدد:
“السخرية-Sarcasm“: فمثلما يكافح بعض الأشخاص لفهم السخرية، تكافح أيضًا أدوات تحليل المشاعر، وهو ما يجعل في كثير من الأحيان تحليل المشاعر قاصرًا على التعامل مع نصوص محدودة وهو يعني سياقًا محدودًا للتحليل.
“النفي- Negation“: يعكس النفي معنى الكلمات وهو ما يمكن أن يغير معنى الجملة أو التعليق بأكمله، بالإضافة إلى ذلك لا يستخدم الجميع النفي بشكل صحيح، الأمر الذي يجعل فهم المشاعر أمرًا صعبًا بعض الشيء حتى بالنسبة لأفضل الأدوات.
فعلى سبيل المثال لو أن مراجعة عن طعام في موقع إلكتروني لفندق جاء نصها كالتالي “كنت أتمنى أن يكون طعم الكاري رائعًا. لم يكن كذلك”، قد تقرأ العديد من أدوات تحليل المشاعر الجملة الأولى منفصلة تمامًا عن الجملة الثانية في حين أن الرأي الحقيقي مذكور في الجملة الثانية.
“الاقتران المتناقض- Contrastive Conjunction“: يتطلب الاقتران المتناقض تقييم وفهم المشاعر المختلفة في نفس الجملة، وقد يحدث هذا عندما يقارن المراجع علامة تجارية بأخرى، أو عندما تتضمن الجملة مشاعر إيجابية وسلبية، لا سيما حول موضوعين مختلفين على سبيل المثال العبارة التالية: “كان العشاء سيئًا، لكن النادل كان رائعًا!”.
“الغموض- Ambiguity“: هو عدو آخر لكل من البشر وأدوات تحليل المشاعر على حد سواء، فقد يكون ناجمًا عن عدم وضوح الموضوع الذي يشير إليه الوصف. عندما تدمج هذا الغموض مع الاقتران المتناقض ، يمكن أن يكون مربكًا للغاية.
“التعرف على الاسم- Name Recognition“
يمكن أن يكون التعرف على الاسم مربكًا أيضًا لأدوات تحليل المشاعر، فعلى سبيل المثال لو أطلق الجمهور على متجر اسم “National Treasure” هل يقصدون المتجر أم يشيرون إلى الفيلم الذي يحمل ذات الاسم؟ قد لا تعرف أداة تحليل المشاعر ذلك.
“المحتوى المُعبّر- Text Speak“
لقد غيرت إمكانات الإنترنت والرسائل النصية ليس فقط الطريقة التي نتواصل بها ولكن الكلمات التي نستخدمها أيضًا، فهناك رموز تعبيرية واختصارات وتهجئة سيئة ونقص في علامات الترقيم وعدم اهتمام بقواعد النحو التي يجب مراعاتها، وكل هذا يمكن أن يمثل مشاكل لبرامج تحليل المشاعر.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تحليل المشاعر يوفر رؤى عميقة وصادقة للمؤسسات والشركات من خلال تحليل كيفي للبيانات ورصد المشاعر والانطباعات والاتجاهات، مما يساعد على فهم العملاء والمنافسين بشكل أفضل، ويسهم في تقديم خدمة أفضل وتحسين المنتج والحفاظ على سمعة قوية للعلامة التجارية عبر الإنترنت.
لكن هذا الأسلوب ما زال يواجه تحديات تتعلق بإشكالية الاعتماد على الخوارزميات في التعامل مع اللغة، ويستدعي بذل المزيد من الجهود البحثية من أجل تطوير القدرات الخاصة بتحديد المعاني داخل النصوص بشكل يتغلب على الالتباس الذي قد يطرأ نتيجة لتعدد معاني الكلمة الواحدة وفقًا للسياق، أو التعامل مع العبارات الطويلة والجمل المركبة بشكل مجزأ مما يؤدي للانحراف عن المعنى الحقيقي وتقديم قراءة مغلوطة، وتحليل غير دقيق للمشاعر على منصات التواصل الاجتماعي.