تقارير

تأثيرات غرف الصدى على مواقع التواصل الاجتماعي

غيرت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جذري الآلية التي نصل من خلالها إلى المعلومات ونكوّن آراءنا، وهو ما يجعلنا بحاجة إلى فهم كيف يسعى الأفراد للحصول على المعلومات أو يتجنبونها وكيف تؤثر هذه القرارات على سلوكهم في الواقع، لا سيما عندما تغير دورة الأخبار الطريقة التي يتم بها استهلاك المعلومات والإبلاغ عنها.
وبينما كشفت دراسة أكاديمية جديدة تقتصر على تويتر أن الأخبار المزيفة تنتقل أسرع من الأخبار الحقيقية، فإن هناك العديد من العوامل التي تؤثر على نشر المعلومات على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قد يؤدي الاستقطاب عبر الإنترنت، على سبيل المثال إلى نشر المعلومات المضللة، كما قد تحد خوارزميات الخلاصات الإخبارية من عملية الاختيار لدى المستخدمين من خلال اقتراح محتويات مشابهة لتلك التي يتعرضون لها عادة، فضلًا عن أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يظهرون ميلًا إلى تفضيل المعلومات التي تتوافق مع معتقداتهم والانضمام إلى مجموعات تتشكل حول سرد مشترك، أي غرف الصدى.
ويمكن تعريف غرف الصدى بأنها بيئات يتم فيها تعزيز الرأي أو الميول السياسية أو اعتقاد المستخدمين حول موضوع ما بسبب التفاعلات المتكررة مع أقرانهم أو المصادر التي لها نفس الميول والمواقف.
نظرية استقطاب المجموعة وغرف الصدى
ووفقًا لنظرية استقطاب المجموعة-group polarization theory”، يمكن أن تعمل غرفة الصدى كآلية لتعزيز رأي موجود داخل المجموعة، ونتيجة لذلك تتحرك المجموعة بأكملها نحو مواقف أكثر تطرفًا، وقد تم إثبات وجود غرف الصدى في أشكال مختلفة من وسائل الإعلام عبر الإنترنت مثل المدونات والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي.
وتشير بعض الدراسات إلى غرف الصدى كأثر ناشئ للميول البشرية، مثل التعرض الانتقائي، والعدوى، واستقطاب المجموعة، ومع ذلك تم التشكيك في الآونة الأخيرة في هذه الآثار، ويؤجج هذا الموضوع أيضًا ندرة الدراسات المقارنة على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة فيما يتعلق باستهلاك الأخبار، لذلك يعد النقاش حول غرف الصدى أمرًا أساسيًا لفهم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على استهلاك المعلومات وتكوين الرأي العام.
وفي هذا الإطار، سعت ورقة بحثية نشرتها دورية “Proceedings of the National Academy of Sciences” لاستكشاف الاختلافات الرئيسية بين وسائل التواصل الاجتماعي واحتمالية تأثيرها على تشكيل غرف الصدى من عدمه، إذ يمكن للدراسات التي تبحث في منصات متعددة أن تقدم رؤية جديدة حول المشكلات التي طال النقاش حولها.
وتقدم المنصات المختلفة نماذج تفاعل مختلفة للمستخدمين، بدءًا من “إعادة التغريد-retweets” و”الإشارات- mentions” على تويتر إلى الإعجابات والتعليقات في مجموعات على فيسبوك، مما يؤدي إلى ديناميكيات اجتماعية مختلفة تمامًا.
وقد طرحت الورقة البحثية تعريفًا إجرائيًا لغرف الصدى لتوفير أرضية منهجية مشتركة لاستكشاف كيفية تأثير الأنظمة الأساسية لوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة على تكوين تلك الغرف، وتحديدًا من خلال تفعيل العنصرين المشتركين اللذين يميزان غرف الصدى لتصبح عناصر قابلة للملاحظة يمكن قياسها تجريبيًا، وهما:
أ‌- استنتاج ميل المستخدم لموضوع معين (مثل السياسة واللقاحات).
ب‌- هيكل التفاعلات الاجتماعية للمستخدمين على المنصة.
ثم قام الباحثون باستخدام هذه العناصر لتقييم وجود غرف الصدى من خلال النظر إلى جانبين مختلفين الأول هو “علاقات التشابه-homophily” في شبكات التفاعل المتعلق بموضوع معين، والثاني يتمثل في التحيز في نشر المعلومات من مصادر متشابهة التفكير.
وتركز التحليل على منصات متعددة وهي: “فيسبوك- Facebook” و”تويتر-Twitter” و”ريديت-Reddit” و”جاب- Gab”، حيث تقدم هذه المنصات ميزات ووظائف متشابهة، فعلى سبيل المثال، تسمح جميعها بإجراء التعليقات الاجتماعية مثل الإعجابات أو الأصوات المؤيدة.
ويعتبر ريديت أحد أكثر مواقع الإنترنت زيارة في جميع أنحاء العالم وهو بمثابة منتدى للمناقشات لمجموعة واسعة من الموضوعات، من السياسة إلى الدعم العاطفي، ومع ذلك أدى انخفاض الاعتدال وتنظيم المحتوى إلى انتشار خطاب الكراهية.
ورصد الفريق البحثي تفاعلات أكثر من مليون مستخدم نشط على المنصات الأربع بما في ذلك المنشورات والتفاعلات الاجتماعية بالتركيز على الموضوعات المثيرة للجدل، على سبيل المثال (التحكم في السلاح، والتلقيح، والإجهاض)، وأظهر التحليل أن المنصات المنظمة حول الشبكات الاجتماعية وخوارزميات “الخلاصة الإخبارية -news feed” مثل فيسبوك وتويتر، تمنح أفضلية لظهور غرف الصدى.
وخلصت الدراسة إلى أن منصات التواصل الاجتماعي توفر وصولًا مباشرًا إلى كمية غير مسبوقة من المحتوى، فهذه المنصات المصممة أصلًا لتسلية المستخدم غيرت طريقة انتشار المعلومات، فخوارزميات الخلاصة الإخبارية تؤثر في ترويج المحتوى الملائم لتفضيلات المستخدمين ومواقفهم، وقد أثر هذا التحول في تلك المنصات على بناء التصورات الاجتماعية وتأطير الروايات. الأمر الذي قد يؤثر أيضًا على صنع السياسات، والاتصال السياسي، وتطور النقاش العام خاصة في الموضوعات محل الاستقطاب.
ففي الواقع، يميل المستخدمون عبر الإنترنت إلى تفضيل المعلومات التي تلتزم بآرائهم تجاه العالم، ويتجاهلون المعلومات المخالفة، مما يؤدي إلى تشكيل مجموعات تتسم بالاستقطاب حول الروايات المشتركة، وعندما يكون الاستقطاب مرتفعًا، تنتشر المعلومات المضللة بسرعة.
التأثيرات على نشر المعلومات
يمكن للنماذج البسيطة لنشر المعلومات أن تقيس وجود غرف الصدى، حيث من المتوقع أن يكون المستخدمون أكثر عرضة لتبادل المعلومات مع أقرانهم الذين يتشاركون في ميول مماثلة، وقد تم استخدام النماذج الوبائية الكلاسيكية مثل نموذج (SIR)”the susceptible–infected–recovered” لدراسة انتشار المعلومات مثل الشائعات أو الأخبار. ويمكن أن يكون كل وسيط في هذا النموذج في أي من الحالات الثلاث: سريع التأثر (غير مدرك للمعلومات المتداولة)، ناقل للعدوى (مدرك وراغب في نشرها أكثر)، أو المتعافي (على دراية ولكن ليس جاهزًا لنقلها بعد الآن). وقد يصبح المستخدمون المعرضون (غير المدركين) معديين (أي مدركين للمعلومات المتداولة وراغبين في نشرها) عند الاتصال بالجيران المصابين.
ولقياس آثار ميول المستخدمين على نشر المعلومات، يتم تطبيق ديناميكيات نموذج (SIR) على شبكات التفاعل عن طريق بدء الوباء مع عقدة واحدة فقط مصابة، وإيقافها لعدم ترك المزيد من العقد المعدية.
ووجد الباحثون أنه يمكن للمرء أن يلاحظ تمييزًا واضحًا بين منصتي فيسبوك وتويتر من جهة، ومنصتي ريديت وجاب من جهة أخرى. فبالنسبة لموضوعات اللقاحات والإجهاض على فيسبوك وتويتر من المرجح أن يتم الوصول إلى المستخدمين الذين لديهم ميول معينة من خلال المعلومات التي ينشرها المستخدمون ذوو الميول المماثلة.
وتشير هذه النتائج إلى أن نشر المعلومات منحاز تجاه الأفراد الذين يتشاركون في ميول مماثلة في بعض وسائل التواصل الاجتماعي وبالتحديد تويتر وفيسبوك، وفي المقابل في حالات أخرى مثل منصتي جاب وريديت غاب هذا التأثير، لأنهما لا يفجران تأثيرات غرفة الصدى.
استهلاك الأخبار على فيسبوك وريديت
ووجدت الدراسة أن الاختلافات اللافتة للنظر التي لوحظت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من حيث التشابه في شبكات التفاعل ونشر المعلومات تعود إلى الموضوعات المختلفة محل الفحص، ولهذا السبب عقدت مقارنة بين فيسبوك وريديت على شيء مشترك وهو استهلاك الأخبار، موضحة أن المنصتين مناسبتان بشكل خاص للمقارنة التبادلية لأنهما يشتركان في تعريف الميول الفردية والأساس المنطقي في إنشاء الاتصالات بين المستخدمين.
ولاحظت الدراسة أنه في فيسبوك يوجد فصل واضح بين المستخدمين اعتمادًا على ميولهم، بينما في ريديت تكون ميول المستخدمين أكثر تجانسًا، مشيرة إلى أن ميل المستخدم الأساسي بفيسبوك يؤثر على المتلقين النهائيين للمعلومات، مما يشير إلى وجود غرف صدى، لكن على ريديت هذا التأثير غائب.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن غرف الصدى وجدت في مواقع التواصل الاجتماعي بيئة ملائمة للنمو والتوسع، وهي ظاهرة تشكل خطورة كبيرة على المجتمعات كونها تفسح المجال أمام نمو تأثير الأصوات المتطرفة وترويج الشائعات، الأمر الذي يستلزم وضع تدابير مضادة بواسطة الأكاديميين وصانعي السياسات والشركات المسؤولة عن تشغيل تلك المنصات واستكشاف برامج وآليات لمكافحة غرف الصدى ومنعها في الفضاء الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى