تقارير

مخاطر التنافس الدولي في الفضاء.. صاروخ الصين نموذجًا

في التاسع والعشرين من الشهر الماضي، أطلقت الصين أول المكونات الثلاث لمحطتها الفضائية “سي.إس.إس” التي تأمل في إنجاز بنائها بحلول نهاية العام المقبل 2022، كخطوة طموحة ضمن برنامجها الفضائي الذى تسعي من خلاله إلى منافسة الهيمنة الحالية للمحطة الفضائية الدولية “آي.إس.إس” التي أطلقت عام 1998، ومُنعت الصين من استعمالها.

‏وتدور المحطة الفضائية الدولية على ارتفاع 390 كيلومتر تقريباً عن سطح كوكب الأرض وبسرعة 28 ألف كم في الساعة، وتضم كل من وكالة ناسا الأمريكية ووكالة الفضاء الروسية الفدرالية وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية ومنظمة استكشاف الفضاء اليابانية.
ولم تكن عملية الإطلاق هي الأولي من نوعها بالنسبة لبكين، إذ سبق أن أجرت محاولات على مدي السنوات الخمس الماضية لبناء محطة في الفضاء، أولها كان في عام 2016 إذ لم يكتب للتجربة النجاح حيث تحطمت أول محطة فضاء صينية “تيانقونغ-1″، في المحيط الهادئ بعد أن أكدت بكين أنها فقدت السيطرة عليها، وبعد مرور 3 أعوام لحقت بها المحطة الثانية “تيانقونغ-2” لكن سيطرت وكالة الفضاء الصينية أشرفت على تدميرها لدي دخولها الغلاف الجوي للأرض.
وعلى ذات المنوال، جاءت التجربة الأخيرة حاملة معها تطور مماثل بعدما رصدت تقارير غربية علمية خروج صاروخ فضائي صيني عن نطاق السيطرة خلال دورانه حول الأرض، مرجحة سقوطه على سطح الكوكب خلال الأيام القليلة القادمة، وهو ما يفتح المجال واسعا أمام تساؤلات حول الضوابط والمسؤولية الدولية في مجال استكشاف الفضاء.

برنامج صيني طموح لاستكشاف الفضاء لمنافسة روسيا والغرب
أضحي الفضاء خلال السنوات القليلة الماضية ساحة رئيسية للمنافسة بين القوى العظمي وتحديدًا الولايات المتحدة والصين، لاسيما مع إطلاق بكين برنامج طموح لاستكشاف الفضاء، حيث استثمرت مليارات الدولارات في برنامجها الفضائي بهدف اللحاق بالأوروبيين والروس والأمريكيين.
وكان من أبرز محطات ذلك البرنامج، إرسال الصين أول رائد إلى الفضاء في عام 2003، ثم إنزال مركبة على الجانب البعيد من القمر في 2019 في سابقة هى الأولي من نوعها في العالم، كما جلبت العام الماضي 2020 عينات من سطح القمر، بينما أعلنت وكالة الفضاء الصينية في مارس الماضي أنها تريد بناء قاعدة على القمر مع روسيا، وتخطط بكين حاليا لإنزال روبوت صغير بعجلات على المريخ في مايو الجاري.
وفي إطار سعيها لتأمين وجود دائم لروادها في الفضاء، قامت الصين بإطلاق وحدة “تيانهي” التي تعني التناغم السماوي في 29 أبريل الماضي بواسطة الصاروخ “لونغ مارش 5 بي” من مركز الإطلاق وينتشانغ في جزيرة هاينان الاستوائية جنوب البلاد، ضمن خطوة أولي لتأسيس المحطة الفضائية التي تحمل بالصينية اسم “تيانقونغ” أو القصر السماوي التي ستتحرك في مدار منخفض للأرض على ارتفاع يتراوح بين 340 و450 كيلومترا ، لتكون شبيهة بالمحطة الروسية السابقة “مير” التي عملت خلال الفترة بين عامي 1986 و2001.
وبوجود المحطة الصينية ومحطة الفضاء الدولية التي تقودها وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، ستتعايش محطتان في المدار حول الأرض، وسيرمز ذلك سياسيًا إلى احتدام التنافس بين الولايات المتحدة والصين.
لكن اللافت أنه بعد ساعات قليلة من إطلاق “تيانهي”، كشفت تقارير علمية غربية أن الصاروخ “لونغ مارش 5 بي” البالغ وزنه 21 طنا، بات خارج عن السيطرة خلال دورانه حول الأرض، ومن الممكن أن يسقط حطامه على سطحها خلال الأيام القليلة القادم، بحسب موقع “سبيس نيوز” المتخصص في علوم الفضاء.
ويبلغ وزن الجزء المتوقع سقوطه حوالي 21 طنا، وطوله حوال 30 مترا وعرضه 4 أمتار، ما يجعله من بين أكبر الحطام الفضائي الذي يسقط على الأرض منذ ثلاث عقود حيث يُعد أكبر حطام يسقط خارج نطاق السيطرة منذ محطة الفضاء السوفيتية السابقة “ساليوت 7” في عام 1991، وفقا لصحيفة “جارديان” البريطانية.

مصير غامض لموقع سقوط حطام الصاروخ
تتباين التوقعات بشأن مكان وتوقيت سقوط الصاروخي علي الأرض، فبينما تشير تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” إلي أن السقوط سيتم يوم السبت الموافق 8 مايو الجاري، إلا أنه ذكرت أن موقع السقوط لا يمكن تحديده إلا في غضون ساعات من دخول الصاروخ مرة أخرى للغلاف الجوي للأرض.
في المقابل، أفادت وكالة الفضاء الأوروبية بأن أحدث البيانات الواردة من محطة ليزر الفضائية النمساوية التي تقوم بتتبع سقوط الصاروخ تشير إلي أنه في مدار يتراوح من 165 كيلومترًا إلى 292 كيلومترا من الأرض، لافته إلي أن التقديرات الحالية تظهر أنه سيسقط خلال الفترة ما بين 8 و10 مايو الجاري.
ويظهر من خلال رصد مسار الصاروخ أن أي أجزاء ستبقى سليمة عند دخوله الغلاف الجوي ستهبط بين 41 درجة شمالًا و41 درجة جنوبًا، وهو شريط من الأرض يمتد من المناطق الجنوبية من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وصولًا إلى أستراليا.
وكانت تقارير إعلامية عربية قد أفادت نقلا عن علماء ومراصد فلكية بأن الصاروخ مر فوق أجواء دول عربية من بينها المملكة العربية السعودية ومصر والعراق والأردن وسوريا، بينما توقعت منظمة “أيروسبيس كوربوريشن” الفضائية الأمريكية، أن يسقط حطام الصاروخ الفضائي الصيني فوق السودان، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
ووفقا لموقع “ذا فيرج” الأمريكي، فقد هلك جسم الصاروخ الآن ، ولا يمكن المناورة به أو التحكم فيه، والحطام يدور حول الأرض بميل 41.5 درجة من خط الاستواء ما يعني أنه يمر فوق مساحة كبيرة من الأرض في أي مكان أقصى الجنوب مثل تشيلي والنصف الشمالي من نيوزيلندا، وغالبية هذا النطاق المداري يغطي المياه الدولية ، مما يشير إلى أن فرص سقوطه فوق منطقة مأهولة بالسكان ضئيلة.
وفي حين التزمت الصين رسميًا الصمت حيال تلك المسألة دون أن تؤكد أو تنفي خروج الصاروخ عن السيطرة، إلا أنها سعت من خلال إعلامها للتخفيف من حدة الهجوم والانتقادات التى تتعرض لها بالتهوين من الأمر، حيث ذكرت صحيفة “جلوبال تايمز” الصينية الناطقة باللغة الإنجليزية، التي تنشرها صحيفة الشعب اليومية الرسمية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني الحاكم أن السطح الخارجي للصاروخ المصنوع من سبائك الألومنيوم سوف يحترق بسهولة في الغلاف الجوي، مما يشكل خطر ضئيل للغاية على البشر، واصفة التحذيرات بأنها “ضجيج غربي” يستهدف تقدم الصين في مجال تكنولوجيا الفضاء.
وتجدر الإشارة هنا إلي أن حوالي 150 طنًا من المعدات الفضائية تعود إلى الأرض كل عام – وحتى الآن لم تقع إصابات- لأن الغالبية العظمى تسقط في المحيط الهادئ، الذى تشكل مساحته أكثر من ثلث مساحة سطح الكرة الأرضية، لكن في المرة الأخيرة التي أطلقت الصين مثل هذا الصاروخ في مايو 2020 سقطت أجزاء منه على مبان عدة في كوت ديفوار بغرب أفريقيا.
تزايد مخاطر الحطام المداري والحاجة لسلوك مسؤول في الفضاء
ويسلط السقوط المرتقب لحطام الصاروخ الصيني العملاق الضوء على مخاطر الحطام المداري، إذ يوجد 2033 جسمًا صاروخيًا خارج عن السيطرة في مدار الأرض -على الأقل تلك المتوفر بيانات مدارية عنها- من بينهم 546 جسما يخص الولايات المتحدة مقابل 169 فقط للصين، لكن الولايات المتحدة ليست أسوأ مذنب فيما يتعلق بدوران الحطام الفضائي، فروسيا لديها 1035 جسمًا صاروخيًا خارج السيطرة، الأمر الذى يتطلب التحلي بقدر أكبر من المسؤولية بعدم ترك أجسامًا صاروخية غير خاضعة للرقابة في مدار الأرض، وفقا لموقع ” scientific american ” المتخصص في الشؤون العلمية.
وبحسب موقع “CelesTrak”، المعني بمراقبة الأجسام التي تدور حول الأرض، فإنه من بين الصواريخ التي أطلقت في عام 2020 فقط، لا يزال هناك 32 جسمًا صاروخيًا في المدار، نصيب الصين منها 15 قطعة.
وفي هذا السياق، جاء تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية على أهمية التحلي بسلوك مسؤول في الفضاء، حيث قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي إن الولايات المتحدة ملتزمة بمعالجة مخاطر الازدحام المتزايد بسبب الحطام الفضائي والنشاط المتزايد في الفضاء، مؤكدة أن واشنطن تريد العمل مع المجتمع الدولي لتعزيز القيادة والسلوكيات المسؤولة في الفضاء.
كما وجه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن انتقادًا مبطنًا إلى بكين لفقدانها السيطرة على الصاروخ، بتلميحه إلى أن الصاروخ تم إطلاقه من دون أن يتم التخطيط له بعناية كافية، مشددا علي وجوب الالتزام بالعمل في الفضاء بطريقة آمنة ومدروسة وأن يؤخذ كل هذا في الاعتبار عند التخطيط للعمليات، معلنا أن البنتاجون لا يعتزم حتى الساعة تدميره.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن المجتمع الدولي بحاجة إلي تعزيز الإلتزام بالضوابط القانونية الدولية المنظمة للتجارب في الفضاء حيث توجد ترسانة من التشريعات من أهمها معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 والتى تتضمن المبادئ القانونية الأساسية والمبادئ التي تحكم استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر وغيره من الأجرام السماوية الأخرى، واتفاقية المسؤولية التي تعود لعام 1972 والمعنية بالمسؤولية الدولية عن الأضرار التي تنجم عن الأجسام الفضائية، وكذلك اتفاقية التسجيل لعام 1975 بشأن تسجيل الأجسام التي أطلقت إلى الفضاء الخارجي.
بالإضافة إلي العمل على التوصل إلي صيغ تعاون في إطار المنظمات الدولية تضم كافة القوى الطامحة لاستكشاف الفضاء بما يشمل تبادل الخبرات والمعلومات والبيانات من أجل ضمان السيطرة على أي أضرار محتملة لتلك التجارب، وتجنيب البشرية دفع أثمان فادحة للتنافس الراهن بين القوى العظمي سواء على الأرض أو في فرض سطوتها خارج الكوكب.

زر الذهاب إلى الأعلى