تقارير

الإمبراطورية الإجرامية لحزب الله اللبناني

تُشكّل جماعة حزب الله اللبنانية نموذجًا صارخًا على الدور التخريبي للميليشيات المسلحة، وإضرارها بالدولة الوطنية، وبالاستقرار والأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، ولا تتوقف خطورة حزب الله كونه إحدى أذرع تنفيذ المشروع الإيراني الطائفي التدميري فحسب، بل إنه يمارس أنشطة إجرامية تعكس الوجه الآخر لنشاطه الإرهابي، وتعتبر مصدرًا رئيسيًّا لتمويله في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب الحزب كنتاج لتقلص الدعم المالي القادم من طهران التي تشهد حالة من الانهيار الاقتصادي تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الأمريكية وضغوط داخلية بفعل الامتعاض الشعبي من إهدار الأموال على التنظيمات المسلحة في الخارج.
واستطاع حزب الله من خلال تجارته غير المشروعة أن يكون إمبراطورية إجرامية مترامية الأطراف عابرة للقارات، ومتعددة المجالات ما بين عمليات غسل الأموال والاتجار في الماس، لكن يبقى الاتجار في المخدرات النشاط الأهم والأبرز والأكثر ربحية.
سمات الممارسة الإجرامية  لعناصر حزب الله
لقد جاءت ممارسة ميليشيا حزب الله للأنشطة غير المشروعة بقدر كبير من التنظيم في هيكلها الداخلي، وفي إطار فتاوى دينية لزعماء الجماعة، وخطط محكمة للسيطرة على مؤسسات الدولة اللبنانية من أجل تسهيل تلك المهام، وتعاون مع كافة التنظيمات الإجرامية بصرف النظر عن خلفيتها العقائدية، وهو ما يتضح على النحو التالي:
تتم إدارة النشاط الإجرامي لحزب الله من قِبل فرع الشؤون التجارية (BAC)، الذي تم الكشف عنه في أوائل عام 2016 من خلال عملية مشتركة شملت إدارتي مكافحة المخدرات والجمارك وحماية الحدود الأمريكيتين ووزارة الخزانة الأمريكية، ووكالة إنفاذ القانون الأوروبية “يوروبول”، ووكالة العدل الأوروبية “يوروجست”، والسلطات الفرنسية والألمانية والإيطالية والبلجيكية، حيث شمل هذا التحقيق سبعة بلدان وأدى إلى اعتقال عدد من أعضاء “حزب الله” والمتعاونين معه بتهمة الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال وحيازة الأسلحة لاستخدامها في سوريا.
يتولى إدارة ملف الجرائم الدولية لحزب الله، عبد الله صفي الدين، وهو ابن عم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، ومبعوث الحزب إلى طهران، حيث يشرف صفي الدين ورجل الأعمال اللبناني آدهم حسين طباجة على شبكة واسعة من الشركات النشطة في مجالات السياحة والعقارات واللحوم والفحم والإلكترونيات والبناء لغسل عائدات حزب الله الإجرامية، كما أنه كثيرًا ما تستخدم المواد السائبة مثل الفحم كغطاء لتهريب الكوكايين.
توجد فتاوى لقياديين في حزب الله صدرت في تسعينيات القرن الماضي تبيح تجارة المخدرات إذا تم بيعها إلى ما وصفهم بـ”الكفار الغربيين” كجزء من الحرب ضد أعداء الإسلام! بحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
يطالب حزب الله دائمًا في أي تشكيل حكومي في لبنان بالسيطرة على حقائب المالية والصحة والنقل على وجه التحديد؛ لأن الميزانيات والسلطات التنفيذية لهذه الوزارات تضاعف فرص تحقيق مكاسب إجرامية، إذ يشكل مطار لبنان وموانئه ومعابره الحدودية نقاطًا حيوية لتهريب الأسلحة والمخدرات، وقد عوقبت مؤسسات مالية لبنانية عدة بتهمة غسل أموال لصالح إيران.
الانخراط في علاقات تعاون مع مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة، إذ يشير مسؤولون أمريكيون وآخرون من الشرق الأوسط إلى أن أحدث قضايا المخدرات تكشف عن قيام عناصر من حزب الله بدعم من ميليشيا الحرس الثوري الإيراني، بالتعاون مع شركاء يُنظر إليهم عادةً على أنهم أعداء من منظور طائفي، بما في ذلك حتى تنظيم “داعش” الإرهابي.
وفي هذا الإطار، يقول جون فرنانديز، الوكيل الخاص المساعد لإدارة مكافحة المخدرات التابعة لوزارة العدل الأمريكية إنه عندما يتعلق الأمر بجني الأموال، فإن حزب الله لا يهتم بالاختلافات الطائفية أو الدينية، بما في ذلك عصابات يهودية”، وفقًا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
رحلة حزب الله مع التصنيع والاتجار في المواد المخدرة
يرجع انخراط ميليشيا حزب الله في تجارة المخدرات إلى تسعينيات القرن الماضي على الأقل، وذلك بعد سنوات قليلة من اندماج مجموعة من الفصائل الشيعية اللبنانية المسلحة تحت راية “حزب الله” لمحاربة إسرائيل، حيث كان لبعض هذه الجماعات روابط تاريخية بتجارة المخدرات غير المشروعة في منطقة سهل البقاع، وأصبحت عائدات الاتجار في المخدرات مساهمًا مهمًا بتمويل الميليشيا.
وبحسب مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، فبعد تكبد حزب الله خسائر فادحة في حربه مع إسرائيل عام 2006، زودت إيران الحزب بالمعدات الصيدلانية اللازمة لتصنيع الكبتاجون المزيف (مزيج من الأمفيتامينات دون فينثيلين) وهو نسخة مقلدة من المنشطات التي كانت تستخدم في السابق بشكل قانوني لعلاج الاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى.
ويتم إنتاج الكبتاجون المزيف في مصانع مرتبطة بحزب الله في سهل البقاع اللبناني، ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية، انتقلت بعض منشآت التصنيع إلى سوريا، حيث تعمل دون تهديد بتدخل وكالات إنفاذ القانون اللبنانية أو الدولية، وتقع المصانع الجديدة في محافظات ساحلية خاضعة لسيطرة النظام السوري، حيث يحتفظ حزب الله بوجود مكثف، وفقًا لدوائر أمنية واستخباراتية غربية وبمنطقة الشرق الأوسط.
ويقوم حزب الله بتصدير أطنان من عقار الكبتاجون إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا، واكتسب مكانة بارزة كمصدر للأرباح مع توسع الالتزامات العسكرية والمالية للجماعة، فضلاً عن كونه يعوض جزئيًا الخسائر المالية الضخمة التي تكبدها الحزب الذي كان يعتمد تقليديًا على الإعانات الإيرانية ومزيج من الأعمال المشروعة وغير المشروعة لتمويل عملياته في لبنان وخارجه. وقد استنزفت خزائن حزب الله بسبب سنوات من الحملات العسكرية المفتوحة في سوريا واليمن، وتلقى الحزب ضربة هائلة في عام 2020 عندما أعلنت طهران عن تخفيضات حادة في الدعم المالي لحزب الله كنتيجة للضغوط المالية والاقتصادية التي تمر بها.
شبكات عابرة للقارات لتهريب المخدرات
لقد عززت وكالات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية تعاونها من أجل التصدي لتلك الشبكة الإجرامية لحزب الله، ففي عام 2011 سلط تحقيق أجرته إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية الضوء على دور عنصر حزب الله أيمن جمعة في شحن ما يقدر بنحو 85 طنًا من الكوكايين إلى الولايات المتحدة وغسل أكثر من 850 مليون دولار من أموال المخدرات من خلال شركات واجهة مختلفة، بما في ذلك البنك اللبناني الكندي، وقد امتدت شبكة التهريب من بنما وكولومبيا مرورًا بغرب إفريقيا وصولاً إلى لبنان.
وعلى الرغم من أن شبكة حزب الله في أمريكا اللاتينية التي كان العقل المدبر لها القيادي الراحل عماد مغنية، تتمركز في البداية في منطقة الحدود الثلاثية بين الأرجنتين وباراغواي والبرازيل، فإن هذه العمليات تزايدت وتيرتها في فنزويلا.
وقد كشفت عمليتا “كاساندرا- Cassandra” الأمريكية و”سيدار- Cedar” الفرنسية، عن جناح الأعمال الإجرامية لحزب الله، حيث تم القبض على عناصر الحزب المتورطين في تهريب المخدرات في الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وعدة دول أوروبية بما في ذلك فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا.
واللافت أنه منذ أكتوبر 2018، حين صنفت وزارة الخارجية الأمريكية حزب الله كواحد من أكبر خمس منظمات إجرامية عالمية، زادت عملياته الإجرامية بشكل كبير، في ظل مساعيه لجني الأموال بأي طريقة ممكنة لتعويض تأثير عودة العقوبات الأمريكية على إيران، والتي أفقدت نظام الملالي قدرته على توفير دعم مالي لأذرعه العسكرية في المنطقة وعلى رأسها حزب الله، بعدما كان يقدم دعمًا سخيًا عقب التوصل للاتفاق النووي الإيراني في عام 2015 والذي أعطى طهران موارد مالية ضخمة وظفتها في خدمة مشروعها التخريبي في المنطقة.
فعلى سبيل المثال، تمكنت السلطات الإيطالية في ديسمبر الماضي من كشف شحنة من مخدرات الأمفيتامين، تبلغ 14 طنًا، وتقدر قيمتها بنحو مليار دولار، حاول حزب الله اللبناني تهريبها.
وبحسب التحقيق الذي أشرفت عليه نيابة مدينة نابولي، كانت الحبوب التي قاربت 84 مليونًا، موجودة في 3 حاويات مشبوهة، تتضمن لفائف أوراق معدة للاستخدام الصناعي وعجلات حديدية.
وخلص مسؤولون استخباراتيون غربيون إلى أن المخدرات منشؤها سوريا، لكن في مصانع تقع في مناطق تسيطر عليها الحكومة السورية، حيث تم نقل الأمفيتامينات من مدينة اللاذقية الساحلية التي صارت مركزًا معروفًا لعمليات التهريب لحزب الله.
وفي يونيو 2020، حذر تقرير صادر عن وكالة إنفاذ القانون الأوروبية “يوروبول” من أن عناصر حزب الله يُعتقد أنهم “يتاجرون بالماس والمخدرات” ويغسلون الأموال الناتجة عن عائدات تلك الأنشطة غير المشروعة، مستخدمين دولًا أوروبية كقاعدة.
وفي 23 أبريل الجاري، تصدر ملف تهريب الكبتاجون واجهة المشهد اللبناني والإقليمي، بعدما أعلنت السلطات في المملكة العربية السعودية ضبط شحنة حبوب كبتاجون تم تهريبها داخل ثمار الرمان من لبنان، وإثر ذلك أصدرت السلطات السعودية قراراً بمنع دخول الخضار والفاكهة من لبنان، علما بأن المعدل السنوي للصادرات اللبنانية إلى المملكة يبلغ حوالي 250 مليون دولار، أكثر من 24 مليوناً منها من الفواكه والخضار المبردة.
وقد اتهم العديد من الساسة اللبنانيين حزب الله بالوقوف وراء عملية التهريب الفاشلة، فيما نفى رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع إبراهيم الترشيشي ضلوع القطاع الزراعي في لبنان بتلك القضية، موضحًا أن لبنان لا يملك رمانا ليصدره، بل يستورده منذ سنتين وأن هذه الشحنات قادمة من سوريا بشكل ترانزيت وتصل الى مرفأ بيروت وتحمل بالبواخر.
ويسيطر حزب الله اللبناني على المناطق الحدودية مع سوريا، ومعابر التهريب بين البلدين، فضلاً على أن عناصر الحزب يسيطرون كذلك على مناطق سورية محاذية للحدود اللبنانية.
وتأسيسًا على ما سبق، يتضح أن النشاط الإجرامي لميليشيا حزب الله اللبنانية لا يقل خطورة عن النشاط الإرهابي، وهو ما يتطلب مزيدًا من التعاون الدولي في مكافحة تلك الجرائم، وتفكيك الشبكات الإجرامية المرتبطة بالحزب، والتي توفر مصدرًا لتمويل الجماعة يعزز جهودها لتنفيذ أجندتها التخريبية بالمنطقة.
في المقابل، فإن الانخراط في مثل تلك الأنشطة يكشف زيف ادعاءات المقاومة التي تروج لها قيادة حزب الله، فلا توجد جماعة مقاومة تسعى وراء قضية وطن عادلة تلوث يدها في تجارة غير مشروعة كتجارة المخدرات، وتُعرض مؤسسات البلد للضرر.

زر الذهاب إلى الأعلى