غيَّرت وسائل التواصل الاجتماعي من ممارسات تبادل المعلومات وبناء العلاقات عبر الإنترنت، حيث فتحت المجال أمام الشركات للوصول إلى الجمهور، وأوجدت حالة من التفاعل الحيوي المتبادل بين الطرفين.
ولا يقتصر استغلال الشركات لمنصات التواصل الاجتماعي على الأهداف التسويقية فقط، إذ يعد نشر الوعي بأنشطة المسؤولية الاجتماعية أيضًا من بين الأهداف التي تسعى الشركات لتحقيقها عبر حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي، التي توفر فرصة غير مسبوقة للشركات لتقديم أجندة المسؤولية الاجتماعية دون تعديلها بواسطة وسائل الإعلام التقليدية أو حراس البوابة.
أبعاد المسؤولية الاجتماعية للشركات
غالبًا ما يتم استخدام المسؤولية الاجتماعية للشركات بالتبادل مع مصطلح “مواطنة الشركات- corporate citizenship” والتي تشير إلى الالتزامات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للشركات.
وتشير بعض الأدبيات إلى أن أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات تتضمن أربعة أبعاد: بيئية واجتماعية واقتصادية وتطوعية، بينما تقترح أخرى ست فئات من المسؤولية الاجتماعية للشركات وهي الإشراف البيئي والمساهمة الخيرية والالتزامات التعليمية، ومشاركة المجتمع والتزامات الصحة العامة، ورعاية الأنشطة الثقافية والرياضية.
وتعمل الشركات في الوقت الراهن على تطوير استراتيجيات لإيصال أنشطة المسؤولية الاجتماعية بشكل فعال إلى الجمهور، علمًا بأن عملية إيصال تلك الأنشطة تُشكل تحديًا فريدًا لما قد يصاحبها من شكوك في نوايا الشركة، ويحدث هذا عندما ينظر الجمهور إلى المسؤولية الاجتماعية للشركات كأداة لتلميع صورتها.
وتختلف رسائل المسؤولية الاجتماعية للشركات باختلاف الصناعة، فالشركات في صناعات التعدين والصناعات الكيماوية تركز على المسؤولية تجاه الموظفين والبيئة، بينما تميل بعض القطاعات مثل البيع بالتجزئة إلى التأكيد على الأعمال الخيرية والمتعلقة بالتعليم.
طرق الترويج لأنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات على مواقع التواصل
من جهة أخرى، يعقد الجمهور المزيد من التوقعات على الشركات فيما يخص بالأدوار الاجتماعية، وهو ما تشير إليه دراسة لشركة “Aflac” الأمريكية للتأمين، ذكرت أن 70% من المستهلكين يعتقدون بأن الشركات الكبيرة تتحمل مسؤولية خاصة لجعل العالم مكانا أفضل.
ومع هذا الاتفاق الواسع النطاق على الحاجة إلى المسؤولية الاجتماعية للشركات، فإن السؤال الرئيسي لأخصائيي ومديري التواصل الاجتماعي بالشركات ليس ما إذا كان ينبغي الترويج لمبادراتها على وسائل التواصل الاجتماعي ولكن كيف؟ والحقيقة توجد العديد من الطرق من بينها تكرار النشر، وإشراك الجمهور، وقياس التأثير المرتبط بالحملات الأخرى.
وفي هذا الإطار، تستعرض مجلة “فوربس” الأمريكية بعض الإرشادات حول كيفية قيام مديري الشبكات الاجتماعية بتوصيل جهود المسؤولية الاجتماعية الخاصة بعلامتهم التجارية.
إشراك المتابعين في أنشطة المسؤولية الاجتماعية
يعد إخبار الجمهور بأن الشركة تُكرّس جهودها لتغيير وضع ما شيء، أما تمكين الجمهور للمساعدة في تنفيذ ذلك التغيير بأنفسهم فشيء آخر، حيث يمكن أن يبدو الأول دعاية ذاتية، لكن التمكين ينشئ حسًّا مجتمعيًّا ويولد المشاركة.
وعلى هذا الأساس، يعتبر تمكين الأشخاص من المشاركة في جهود المسؤولية الاجتماعية للشركات أمرًا ضروريًّا للغاية، فبالإضافة إلى قدرتهم على نشر الوعي العام بمبادرات الشركة، يمكن لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي دفع المشاركة وتعزيز التأثير، وتشكيل الخطاب العام ليكون أكثر تحفيزًا للمستهلكين، مما يضفي المصداقية.
فعلى سبيل المثال، إذا كانت الشركة قد أطلقت منحا دراسية سنوية بالجامعات، فلا يكفي أن توصي المتابعين بالتقدم للحصول على المنحة، بل من الضروري إجراء حملة تسويقية قوية عبر القنوات الرقمية لجذب المتقدمين، وأيضًا لضمان ثقة الجمهور بأن الشركة تُكرّس جهودها لإيجاد المرشحين المناسبين لدعم تعليمهم بما يعود بالفائدة على المجتمع.
تخصيص حساب لإبراز جهود المسؤولية الاجتماعية
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك توازن دقيق لعرض المنشورات أو أي محتوى ذي صلة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تؤدي وفرة المحتوى إلى إعاقة تلك الجهود، بينما سيفشل الترويج غير الكافي لتلك الجهود في إحداث تأثير.
وقد وجدت دراسة أجرتها شركة “آي بي إم-IBM” أن الشركات التي تروج لمبادرات المسؤولية الاجتماعية عبر حسابات مخصصة لذلك الجانب على وسائل التواصل الاجتماعي تكسب ولاءً أكبر من متابعيها، وهو ما يؤكد الحاجة إلى جهود منسقة للترويج لتلك المبادرات.
لذلك لا بد من النظر في إنشاء حسابات مخصصة لجهود المسؤولية الاجتماعية للشركات مع مراعاة الاعتبارات التالية:
– تركيز حسابات المسؤولية الاجتماعية للشركات على نوعية المحتوى وليس كثافة النشر لتجنب إرهاق الجمهور.
– تضمين محتوى المسؤولية الاجتماعية للشركات حقائق ومعلومات غير شائعة أو اقتباسات مثيرة للاهتمام أو أخبار عاجلة تتعلق بالموضوع.
– إجراء عمليات المراقبة لتقييم تأثير توقيت النشر ثم القيام بتعديلات بناء على ذلك.
المقارنة بالمحتوى الآخر للشركات
استعرضت دراسة نشرتها جامعة براغ للاقتصاد، أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي لعشر شركات عالمية لديها أفضل سجلات المسؤولية الاجتماعية للشركات من بينها مايكروسوفت عملاق التكنولوجيا وفولكس فاجن لتصنيع السيارات، حيث وجدت أن المحتوى المتعلق بالمسؤولية الاجتماعية للشركات تلقى حوالي ثلث الإعجابات مقارنة بالمنشورات التجارية، بينما حصل على نسبة أفضل من التعليقات الإيجابية.
ويشير إيسان أندرسين، الخبير في التسويق والاتصالات المؤسسية إلى وجود اتجاه واضح وراسخ لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لإيلاء اهتمام أقل لمشاركات المسؤولية الاجتماعية التي تنشرها العلامات التجارية الكبرى.
ووفقًا لأندرسين، يلعب سرد القصص دورًا مهمًّا في استراتيجية الاتصالات الخاصة بكل مؤسسة، وتزداد أهمية ذلك العنصر في إطار حملات المسؤولية الاجتماعية للشركات.
ويمكن سرد هذه القصص بشكل فعّال من خلال دمج الصور ومقاطع الفيديو بشكل كبير، ومشاركة الشهادات من أولئك الذين ساعدتهم المبادرات، أو تطوير دعوات للعمل باستخدام أصوات المتطوعين، أو تسليط الضوء على التحديات الكامنة وكيف تتغلب الشركات عليها.
التركيز على المبادرات المجتمعية
يحرص مسؤولو التواصل الاجتماعي بالشركات على ربط مبادرات المسؤولية الاجتماعية على منصات التواصل بالقيمة المؤسسية للشركة، عبر الاهتمام بإبراز التزام الشركة بالمسؤولية الاجتماعية وإخطار الجمهور بالمبلغ الذي يتم إنفاقه أو الموارد المخصصة لهذه المبادرات، وهي نقاط مهمة، لكن الأجدى أن يكون التركيز الأساسي للمحتوى الخاص بالمسؤولية الاجتماعية للشركات على المبادرات نفسها وليس الشركة، لأن عدم لفت الانتباه إلى العمل يؤدي إلى إضعاف الرسالة، مما قد يُقلل من وصول المنشورات وتأثيرها.
ولجذب انتباه المتابعين إلى مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات مع الاستمرار في تسليط الضوء على الشركة نفسها، يمكن لمديري وسائل التواصل الاجتماعي القيام بالآتي:
– تخصيص المنشور للحديث عن المبادرة مع ربطه بصفحة على موقع الشركة تحتوي على مزيد من المعلومات حول الشركة ونشاطها.
– إنشاء سلسلة تغريدات “a tweet thread ” بحيث تركز غالبية المنشورات على حملة المسؤولية الاجتماعية للشركات، على أن تتناول تغريدة أو تغريدتين نشاط الشركة وقيمها.
– تخصيص الجملة الأولى من المنشور للمبادرة المطروحة والجملة الثانية لنشاط الشركة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن القصص التي تسرد بشكل جيد حول المسؤولية الاجتماعية تكون جذّابة، ويرغب الكثير من الأشخاص في سماعها.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تطوير الشركات لاستراتيجية خاصة للتوعية بأنشطة المسؤولية الاجتماعية لا يقل أهمية عن الاستراتيجية التسويقية للسلع التي تنتجها أو الخدمات التي تقدمها.
كما أن وجود مثل هذه الاستراتيجية يُسهم في تلبية توقعات الجمهور بشأن طبيعة الدور الذي يرغبون في أن تؤديه الشركة أو العلامة التجارية تجاه المجتمع، فضلًا عن أنه يعزز من مصداقية الشركة ويكسبها ولاء الجمهور، ويعزز من مكانتها وأفضليتها بين المنافسين.
ويعد أسلوب سرد القصص لعرض جهود المسؤولية الاجتماعية ركنًا أساسيًّا لا غنى عنه في أي استراتيجية اتصالية للشركات في فضاء التواصل الاجتماعي.
4 دقائق