تقاريرقراءات

السعودية.. حصن الخليج المنيع في مواجهة التحديات

تعد الدائرة الخليجية أحد المنطلقات الأساسية لحركة السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، حيث تحمل المملكة على عاتقها مسؤولية تعزيز اللحمة الخليجية عبر دعم كل خطوات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في رسم السياسات والاستراتيجيات الفاعلة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية وحلحلة ما قد ينشب من أزمات داخل البيت الخليجي.
وانطلاقًا من رابط الأخوة والدين والمصير المشترك، وعلى مدى 41 عامًا من عمر المنظومة الخليجية، تسعى المملكة وقيادتها الرشيدة، ممثلةً في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسموّ ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، في كل تحركاتها نحو هدف واضح هو تحقيق وحدة الصف الخليجي ونبذ الخلافات، وتوظيف كل إمكاناتها في الدفاع عن منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودرء المخاطر التي تستهدف دُوَلَه من قِبَل بعض القوى الإقليمية التي تستهدف إيجاد مواقع لها في منطقة الخليج لتهديد أمنه وسيادته.

قمة العلا دفعة جديدة لتماسُك المنظومة الخليجية
وفي هذا الإطار، تستضيف المملكة اجتماعات المجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الحادية والأربعين في مدينة العلا غدًا الثلاثاء 5 يناير 2021 والتي تأتي في توقيت بالغ الأهمية، إذ يؤكد انعقادها – على الرغم من الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم- حِرْصَ دول المجلس، وفي مقدمتها السعودية، على الحفاظ على مجلس التعاون كمنظومة متماسكة قادرة على تجاوز الصعوبات والتحديات.
إضافة إلى أنها تنعقد وسط أجواء أخوية وإيجابية بين قادة دول مجلس التعاون، مما يعكس روح المسؤولية والإيمان الصادق بأهمية تعزيز التضامن الخليجي في مواجهة التحديات المشتركة وإحلال السلام والاستقرار لصالح دول وشعوب المنطقة.

كما يؤكد انعقاد تلك القمة في المملكة والدعوات التي تم توجيهها إلى كل قادة دول المجلس، أن السعودية ستظل بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على الوعد لخدمة المواطن الخليجي وتعزيز روابط الأخوة والدفاع عن مصالحها، والنأي بها عن الصراعات وكل ما يهدد أمنها واستقرارها وازدهارها، حيث تستهدف هذه الجهود تعزيز وحدة الصف الخليجي، ومواجهة التحديات الإقليمية وقطْع الطريق على الأعداء، مع العمل على دعم مسيرة التعاون المشترك والمحافظة على المكتسبات الكبيرة لتعزيز التضامن والتكامل الخليجي لمواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة.
كما تحمل القمة رسائل عديدة لشعوب المنطقة، ومن أبرزها الحرص على رفاهية ورخاء وأمن المواطن الخليجي، والتأكيد على أهمية الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، من منطلق المكانة الاستراتيجية المهمة التي تتمتع بها منطقة الخليج بالنسبة لأمن واستقرار العالم.
أدوار مشرِّفة للمملكة في الدفاع عن وحدة وسلامة دول الخليج العربي
وهذا النهج هو استمرارية لمسيرة طويلة من الدعم السعودي لمسيرة العمل الخليجي المشترك منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1982، حيث عملت المملكة كشقيقة كبرى لدول المجلس على تجاوز مختلف العقبات والتوصل لتسويات وحلول جذرية للخلافات الخليجية.
ولعبت المملكة أدوارًا مشرفة في الدفاع عن وحدة وسيادة بعض دول المجلس ضد الأخطار التي تستهدفها، وهو ما تجلَّى في مواقف تاريخية حكيمة لقادة المملكة على مر السنين، ومنها تلبية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- لنداء الكويت بعد الغزو العراقي لأراضيها، فكان تحرُّك المملكة سياسيًّا وعسكريًّا وإنسانيًّا لنصرة الحق وإعادة الأمور إلى نصابها حتى تم تحرير الكويت.
وفي الماضي القريب، اتخذت السعودية موقفًا حاسمًا وسريعًا يعكس إدراكًا للتهديدات التي تحدق بالمنطقة والجهات التي تقف وراء الستار لإثارة الفتن من أجل تدمير الأوطان وتحقيق مراميها الخبيثة، فعقب الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين في فبراير 2011، كانت السعودية حائط الصد لتلك الأخطار، حيث أرسلت لواء قوات درع الجزيرة (قوات مشتركة تابعة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية) والتي لعبت دورًا بارزًا في حماية البحرين والحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقرارها.
ولم يتوقف الدور الرائد الذي تقوم به السعودية عند التصدي للتهديدات، فالرسالة التي تحملها المملكة تهدف إلى تعزيز المكتسبات الخليجية والمضيِّ قُدُمًا بمنظومة مجلس التعاون نحو آفاقٍ أرحب فكان طرحها خلال قمة مجلس التعاون في الرياض في ديسمبر 2011 فكرة تحول مجلس التعاون إلى اتحاد خليجي من أجل زيادة قدرة المنظومة على التأثير في التحولات التي يشهدها العالم وتمر بها المنطقة، مع احتفاظ كل دولة بخصوصيتها.
وعلى هذا تؤمن المملكة بأن تعزيز اللحمة الخليجية وحفظ كيان دول المجلس يتطلبان مواصلة العمل على إحلال الأمن والسلام فيها، خاصة في ظل ما تشهده الأوضاع الإقليمية من مهددات وتدخلات خارجية تحاول بشتى الطرق فرضَ النفوذ والهيمنة وإثارة الفتنة والفوضى في الإقليم، ولذلك توظِّف المملكة صاحبة الثقل والمكانة الإقليمية والدولية الرفيعة كل طاقاتها من أجل تحصين وحماية وحدة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كافة، غايتها في ذلك حماية أمن هذه الدول، وجعلها سدًّا منيعًا أمام أي محاولات للنَّيْل من استقرارها، بما يضمن بالجهد المشترك المضيَّ قُدُمًا لتحقيق الأهداف التي لأجلها تأسَّس مجلس التعاون، وفي مقدمتها رفاهية شعوب دوله وتحقيق تطلعاتها وطموحاتها.
ويُشهَد للمملكة العربية السعودية أيضًا بنهجها المتوازن الذي يحرص دائمًا على تذليل العقبات التي تعترض طريق العمل الخليجي المشترك، والوقوف في وجه أي تحديات قد تتهدده، وتوفير الظروف والعوامل التي تُعلي بنيانه وترسِّخ قواعده وأسسه، والمحافظة على وحدة الصف الخليجي، وفق سياسات ومواقف ناجعة.
إن المملكة حريصة على قوة وتماسك ومنعة مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة أساسها العقيدة الإسلامية والثقافة العربية، والمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، وترغب في تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين من خلال المسيرة الخيِّرة لمجلس التعاون، بما يحقق تطلعات مواطني دول المجلس من خلال تنسيق السياسات الخارجية الخليجية تُجاه قضايا المنطقة والإقليم.
وأخيرًا.. يبقى التأكيد على أن رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وضعت الأسس اللازمة لاستكمال منظومة التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي في جميع المجالات، وتعزيز التماسك بين دول المجلس.
ولذلك يرجِّح المراقبون أنْ تخرج عن قمة العلا قرارات مهمة تعمل على تعزيز العمل المشترك، وتوسيع التعاون والتكامل بين الدول الخليجية، واستكمال مسيرة إنجازات المجلس الذي تمكَّن من إقرار وإنجاز العديد من المشروعات التكاملية على مدى العقود الأربعة الماضية، منها السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد الجمركي، والربط الكهربائي، وحرية تنقُّل رؤوس الأموال.
كما يتطلع أبناء الخليج إلى أنْ تحقق تلك القمة رَأْبَ الصدع الخليجي والتوصل إلى مصالحة خليجية تقوم على قاعدة حسن الجوار والالتزام بتعزيز التضامن بين دول مجلس التعاون وتنسيق تحركات السياسات الخارجية للدول الست الأعضاء في المجلس، بغيةَ العمل على حماية المنطقة من التحديات الخارجية التي تُجَابِهُ الأمن الإقليمي، وفي مقدمتها المشاريع التوسعية الإيرانية والتركية، التي تهدف لتوسيع النفوذ والسيطرة على مقدَّرَات الشعوب ونهب ثرواتها.

زر الذهاب إلى الأعلى