تقارير

العقوبات ومكافحة كورونا في إيران حقائق تدحض زيف ادعاءات طهران

في ظلّ تصاعد حدّة انتشار فيروس كورونا المستجدّ (كوفيد-19) في إيران، والتي احتلت المركز السادس عالمياً من حيث عدد الإصابات بكورونا، بأكثر من 70 ألف إصابة، فضلاً عن تسجيل أكثر من 4500 وفاة، طالبت طهران برفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، بدعوى أنها تمثّل عائقاً أمام شراء سلع ومعدّات ضرورية لمكافحة الوباء، ورافقت ذلك دعواتٌ غربية لتخفيف العقوبات عن طهران، لتعكس نظرةً غير منصفة لواقع العقوبات، التي لا تُقيّد مطلقاً الإمدادات الطبية والأشكال الأخرى من المساعدة الإنسانية.

حملة إيرانية لرفع العقوبات.. بذريعة مكافحة الوباء

يحاول قادة إيران التذرّع بتلك الأزمة الإنسانية، من أجل التسويق السياسي لمطلب رفع العقوبات، في مفارقة عجيبة، حيث إن سِجلّ إيران في مجال حقوق الإنسان هو واحد من أسوأ السجلات على مستوى العالم.

ففي الماضي القريب، وتحديداً في الخريف الماضي، قَتل النظامُ الإيراني 1500 شخص احتجّوا سلمياً على سوء إدارة النظام للاقتصاد، وبعد فترة وجيزة أسقطت إيران طائرةَ رُكّاب، ما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها. وقبل أسابيع قليلة، قتلت ميليشيات عراقية مدعومةٌ من إيران جنديين أمريكيين وجندياً بريطانياً في العراق.

واستغلت إيران منابرَ مختلفة لترويج مسألة رفع العقوبات، سواء عبر قنوات رسمية، حيث طالب إسماعيل بقائي، مبعوثُ إيران الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، برفع العقوبات الأمريكية عن بلاده في ظلّ جائحة كورونا، عبر خطاب أرسله إلى مدير منظمة الصحة العالمية، أو عبر حشد الرأي العام الغربي خلف تلك الدعوة، وهو ما بدا في أشكال متعددة، أبرزها في مقال نشره عمدة طهران بيروز حناتشي، في صحيفة “جارديان” البريطانية، تحت عنوان “العقوبات تشلّ حرب إيران ضد كورونا”، قائلاً إن “أرواح الكثير من الإيرانيين تُزهَق يومياً بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية”.

واكتسبت الدعوة لرفع العقوبات تفاعلاً على الساحة الدولية، وهو ما تجلّى في طلب مفوّضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان، ميشال باشليه، “تخفيف أو تعليق” العقوبات لمواجهة الوباء، وهو ما لاقى تأييداً من جانب الصين، بالإضافة إلى سياسيين أوروبيين، بل وحتى من مسئولين سابقين في إدارة باراك أوباما.

ويرى السفير الأمريكي السابق فريدريك هوف، في مقال نشره بموقع المجلس الأطلنطي (مركز أبحاث مقرّه العاصمة واشنطن)، أن بإمكان الولايات المتحدة توجيه رسالتين فيما يخصّ تلك المسألة، الأولى للشعب الإيراني، عبر تعليق العقوبات لتسهيل قدرة الأطباء الإيرانيين على التعامل مع الوباء.

أما الرسالة الثانية فهي رسالة تحذير للطبقة الإجرامية التي تحكم إيران، بتحمّل العواقب العسكرية لقتل الأمريكيين، فإذا استمروا في توجيه أذرعهم لشنّ الهجمات على الأمريكيين في العراق، فسوف يلقون انتقاماً عسكرياً، ولن يكون القتال في العراق ساحةَ المعركة التي تفضّلها إيران، بل ستتلقى الضربةَ في المواضع الأكثر إيلاماً.

العقوبات الأمريكية تَستثني المساعدات الإنسانية

تَتمتّع إيران بإمكانية النفاذ إلى الأموال لدفع تكاليف الإمدادات الطبية والإنسانية، فهي لا تحتاج إلى قروض طوارئ أو إعفاءات من العقوبات، لتمويل المشتريات الإنسانية من الخارج.

ولطالما كانت العقوبات الأمريكية على إيران تَستثني المساعدات الإنسانية، وقد أظهر تحليلٌ حديث لتجارة الأدوية بين أوروبا وإيران، تَغيّراً طفيفاً خلال الفترة الممتدة بين 2011 – 2019، على الرغم من فترات فرض وتعليق وعودة العقوبات.

وإذا كانت إيران تُواجِه تحدياتٍ في إقناع البنوك بتسيير المعاملات مع شركائها التجاريين، فربما يكون ذلك بسبب أن إيران مُصمِّمة على استخدام قطاعها المالي لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي مخاوف قادت مجموعة العمل المالي (هيئة مكوّنة من 39 دولة لمكافحة غسيل الأموال حول العالم)، إلى إعادة إيران إلى اللائحة السوداء، وأن توصي المجتمع المالي العالمي باتخاذ إجراءات صارمة للدفاع عن نفسِه ضد الممارسات الإيرانية غير المشروعة.

كما أن سِجلّ طهران في تحويل الأموال الخاصة باستيراد السلع الإنسانية لتمويل عملياتها الإرهابية مُوثَّق بشكل جيّد، وقد أفادت وزارة الخارجية الأمريكية في يوليو الماضي، باختفاء مليار يورو مخصّص للإمدادات الطبية، و170 مليون دولار أخرى مخصّصة للسلع الطبية، تم إنفاقها على التبغ.

وفي السنوات التي سبقت الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، ساعد بنكُ “خلق” التركي في تسهيل المعاملات غير المشروعة والتي تُقدّر بمليارات الدولارات، نيابةً عن طهران، باستخدام فواتير وهمية لسلع إنسانية وهمية.

ورغم تلك الممارسات الإيرانية، التزمت الولايات المتحدة بتمكين تدفّق السلع الإنسانية، فحتى في الوقت الذي تمارس فيه واشنطن أقصى ضغطٍ على طهران، سمحت لعدة بنوك إيرانية بالبقاء في شبكة التراسل المالي الدولية “سويفت” “SWIFT” لتسهيل تجارة السلع ذات الأغراض الإنسانية.

وأنشأت وزارة الخزانة الأمريكية والحكومة السويسرية، قناةً مصرفية إنسانية مدعومة بإشراف صارم، لمنع النظام الإيراني من تحويل الأموال والبضائع بعيداً عن الشعب الإيراني، كما أن عشرات المليارات من الدولارات من عائدات النفط الإيراني الموجودة في حسابات الضمان الأجنبية، متاحة لتمويل استيراد السلع الإنسانية، وبتلك الطريقة استوردت إيران سِلَعاً وأدويةً أساسية في العام الماضي بقيمة 15 مليار دولار، وفقاً لمحافظ البنك المركزي الإيراني.

وفي 23 مارس الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية، أنها تدرس سُبلَ تقديم الإغاثة الإنسانية لإيران، ويُمكن أن يشمل ذلك إنشاء آليةٍ مثل القناة السويسرية.

استخدام الأموال في قمع الشعب ودعم الإرهاب بالمنطقة

يُسيطر المرشد الإيراني، علي خامنئي، على أكثر من 200 مليار دولار من الأصول غير المُسجَّلة في الشركات والمؤسسات القابضة، و91 مليار دولار أخرى في صندوق الثروة السيادية في إيران، منها 20 مليار دولار نقداً أو ما يُعادلها.

ويُستخدم هذا المال، الذي تَمَّت مصادرةُ الكثير منه بشكل غير قانوني من الشعب الإيراني، لتمويل أجندة النظام الثورية في القمع المحلي والتدمير الإقليمي، بحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.

ووافق المرشدُ الإيراني على تحويل مليارات الدولارات من صندوق الثروة السيادية على مدى العامين الماضيين، لتمويل الإرهاب وتوسيع الأنشطة النووية، ومع ذلك عندما يتعلق الأمر بمكافحة جائحةٍ لإنقاذ أرواح الشعب الإيراني، يُزعَم أنه لا توجد أموال متوفرة.

ويَستمرّ برنامج إيران النووي دون توقف حتى أثناء الوباء، فأجهزة الطرد المركزي الإيرانية مستمرة في الدوران، وتُنتِج يورانيوم أكثرَ تخصيباً للاستخدام المحتمل في سلاح نووي مستقبلي، كما يَمنع النظام المفتشين النوويين من الوصول إلى بعض المواقع المشبوهة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.

وتُشير دراسةٌ لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إلى أن تخفيف العقوبات لا يُعتبر العلاجَ الشافي لصراع إيران مع فيروس كورونا، فالفسادُ الممنهج للقادة الإيرانيين، وضعف قدرة الحكومة الإيرانية، يُلقيانِ شكوكاً حول ما إذا كان رفعُ العقوبات قد يُتَرجَم إلى ردّ فعل قوي يَحتاجه الشعب الإيراني ويَستحقّه.

بعبارةٍ أخرى، إن وضع الأموال في أيدي هذا النظام لن يَحلّ الوباء في إيران، ولن يُحسِّن الأمنَ العالمي.

ومن هذا المنطلق، يَتعيّن على قادة العالم طلبُ قائمةِ توريدِ وشراء السِّلع ومراقبة توزيعها، والإصرار على تنفيذ تدابير الصحة العامة لإنقاذ الشعب الإيراني، وتسهيل عمل المنظمات غير الحكومية الدولية، فيما يتعلق بتوفير الإغاثة والرعاية الطبية في إيران.

زر الذهاب إلى الأعلى