تُثبت الأحداث يوماً بعد يوم أن المملكة العربية السعودية عَزّزت مكانتها كقوة دولية فاعلة، وصانعةِ قرارٍ على مستوى العالم، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
مؤخراً.. غدا انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) مصدرَ خطر داهم يُهدّد العالم أجمع، بعدما حصد آلاف الأرواح وأصاب مئات الآلاف من سكان الكوكب، وامتدت آثاره الكارثية لتشمل مختلف مناحي حياة الإنسان.
ولم يكن قطاع الطاقة بمعزل عن التأثيرات السلبية الناتجة عن هذه الجائحة العالمية، حيث شهدت أسعار النفط هبوطاً حاداً، لتصل إلى أقلّ من 30 دولاراً أمريكياً للبرميل، نتيجة قلة الطلب مقابل الكمية المنتجة عالمياً، ما استوجب اتخاذَ إجراءاتٍ كفيلة بالمحافظة على سعره وموازنة السوق.
في ظلّ هذه الظروف، برزت قوة ومكانة المملكة العربية السعودية – أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك – حيث تقود الجهودَ الدولية من أجل استعادة التوازن إلى سوق النفط، تلك الجهود التي تأتي في إطار حرص المملكة على دعم الاقتصاد العالمي، الذي يُعاني كثيراً جراء انتشار فيروس كورونا.
وفي سبيل ذلك، سعت المملكة إلى تقريب وجهات النظر المختلفة، خاصة فيما يخصّ الرؤية الروسية، التي عبّر عنها وزير طاقتها يوم 6 مارس خلال اجتماع تحالف “أوبك+”، بأنه يَحقّ لكلّ الدول بدءاً من الأول من أبريل 2020 إنتاج الكمية التي تريد من النفط.
وعلى خلفية الجهود التي تقوم بها المملكة، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2 أبريل، بالتغريد على حسابه الشخصي بموقع تويتر – الذي يُتابعه أكثرُ من 75 مليون شخص حول العالم – قائلاً:
“تحدثت للتوّ مع صديقي محمد بن سلمان وليّ عهد المملكة العربية السعودية، الذي تحدث مع الرئيس الروسي بوتين، وأتوقع وآمل أن يخفضوا ما يقرب من 10 ملايين برميل، وربما أكثر من ذلك بكثير، إذا حدث ذلك، سيكون رائعاً لصناعة النفط والغاز”.
وتُدلّل لغة هذه التغريدة على مجموعة من المؤشرات، أهمّها:
- قوة العلاقة التي تربط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسموّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي وصفه بـ “صديقي”.
- ترتيب الأحداث الواردة في التغريدة يُظهِر أن دور المملكة هو المحوري، فسموّ وليّ العهد هو الحلقة المشتركة في الاتصالات الدولية، سواء مع الرئيس ترامب، أو نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
- استعمل الرئيس الأمريكي تعبيري “أتوقع وآمل”، فالأول منهما “أتوقع” يُشير إلى الثقة في قدرة المملكة والأمير محمد بن سلمان على حَلّ الأزمة وإنقاذ سوق النفط العالمي، وتُوضح صورة ومكانة وقدرات سموّ وليّ العهد من منظور الرئيس ترامب.
- أما التعبير الثاني “آمل” فيعكس حالة التمنّي، والتمنّي – حسب التحليل النقدي للخطاب – أسلوب “تأدّب” في الحديث، ويُعبّر عن الطلب الذي قد يُقابل بالقبول أو الرفض، وهو ما يُدلّل على استقلالية القرار السعودي، وعدم ارتهانه لأيّ قوى أخرى خارجية، حتى ولو كانت عظمى كالولايات المتحدة.
- ما يُؤكد النقطة السابقة ما جاء في ختام تغريدة الرئيس الأمريكي، حيث قال “إذا حدث ذلك”، وهو ما يُبرهن على أن طلبه ليس “فرضاً”، وإنما تَمَنٍّ ورجاء، ولذلك سبق فعل الحدوث بكلمة “إذا” التي تَعني الاحتمالية، والتي تتوقف على مدى القبول بأمنيته.
تُذكرنا هذه المناسبة، بما شهدته قمة العشرين التي عُقِدَت في اليابان يونيو 2019، والحضور المميز واللافت لسموّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، وخاصة تلك المشاهد التي التقطتها عدسات كاميرات وسائل الإعلام العالمية، وأظهرت العلاقات الودية التي تجمع سموّ وليّ العهد بقادة العالم، وخاصة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتأتي تغريدة الرئيس الأمريكي بلغة التأدّب في مخاطبة سموّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، لتعكس قَدَرَ وقُدرةَ المملكة على الصعيد الدولي، فضلاً عن قيمة وقامة سموّ وليّ العهد، وتُوَجِّهَ رسالةً جديدة للمتربّصين بالمملكة وقياداتها، بأن المملكة ماضية في تعزيز دورها السياسي والأخلاقي تجاه العالم أجمع، دون التفاتٍ إلى المحاولات البائسة والفاشلة لتحجيم هذا الدور، أو تشويه الصورة.