تقدير موقف

جائحة كورونا.. ورقة ضغط لاإنسانية في يد ميليشيا الحوثي

في إطار الجهود الدولية المتواصلة لمواجهة جائحة كورونا (كوفيد-19)، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” يوم الاثنين الموافق 23 مارس 2020، نداءً دعا فيه أطراف الصراعات في جميع أنحاء العالم إلى “وقف إطلاق النار والتضامن ضد عدو البشرية (كوفيد-19)”.

وفي 25 مارس دعا الأمين العام إلى وقف الأعمال العسكرية في اليمن، والتركيز على التوصّل إلى تسوية سياسية عن طريق التفاوض، وإفساح المجال لبذل قُصارَى الجهد لمواجهة الانتشار المحتمل للفيروس في اليمن.

تلقّت المملكة العربية السعودية هذه النداءات والمطالبات بإيجابية، إلا أن ميليشيا الحوثي الانقلابية استغلت هذه الظروف الصعبة التي يُعاني منها العالم أجمع، وانتهزت الفرصة لاستخدام وباء كورونا الذي يَحصُد آلاف الأرواح، كأداةٍ في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية التوسعية، مُغلّبةً بذلك مصالحَها الطائفية التي تخدم المشروع الإيراني، على صِحّة وحياة اليمنيين.

الوضع الحالي في اليمن

يعيش اليمنيون في وضع معيشي وإنساني بالغ الصعوبة، حيث دَمّر صراعُ السلطة بعد انقلاب ميليشيا الحوثي عليها حياةَ الملايين منهم، وأصبح المواطن اليمني يعاني ظروفاً اقتصادية واجتماعية شديدة السوء، حيث إن 80% من سكان اليمن يعيشون في مجاعة وفقر مدقع.

ومن الناحية الصحية، ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في اليمن، فإن أكثر من 50% من المرافق الصحية اليمنية ضعيفة، وبالنسبة للمرافق الأفضل حالاً فإنها تَفتقر إلى المُتخصّصين والمُعدَّات والأدوية.

وعلى الرغم من إعلان الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن “أوكي لوتسما”، أن اليمن لم يُسجّل حالاتِ إصابة بفيروس كورونا حتى الآن – حسبما جاء في الموقع الرسمي للأمم المتحدة – إلا أنه أضاف أن اليمن يُمثّل أكبرَ حالةِ طوارئ للصحة العامة في الوقت الراهن.

بدورها أكدت منظمة الصحة العالمية عبر حسابها الرسمي بتويتر على هذا الأمر، حيث قالت في 31 مارس، إن اليمن لم يُسجّل حالات إصابة بفيروس كورونا (كوفيد-19) حتى الآن، وأن المنظمة تُكثّف جهود التأهّب والاستجابة بالتنسيق مع السلطات الصحية في اليمن، إذا تأكد وجود حالات.

من جانبه قال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن “مارتن غريفيشس” في 31 مارس، إن “ارتفاع خطر تفشّي فيروس كورونا في اليمن بجانب استمرار التصعيد العسكري، سيكون له عواقب وخيمة”.

أما رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، فقد أكد أن هذه الجائحة تُشكّل تهديداً مضاعفاً، نظراً لضعف نظامنا الصحي الناتج عن الحرب التي أشعلتها ميليشيا الحوثي الانقلابية، والتي أدت إلى انهيار شبه كامل للخدمات الصحية.

في ظلّ هذا الوضع، طالب وزيرُ الصحة اليمني ناصر باعوم في 29 مارس، رئيسَ الحكومة اليمنية معين عبد الملك، باستمرار إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية، من أجل الحيلولة دون انتقال فيروس كورونا إلى البلاد، وأضاف باعوم أن هذا الطلب جاء بعد قيام عدد من الجهات اليمنية بتسجيل المواطنين الموجودين في الخارج، للعمل على إعادتهم إلى اليمن خلال الأيام القادمة، مما يُشكّل تهديداً بانتقال الفيروس.

أوجه استغلال ميليشيا الحوثي للوباء

تَفنّنت ميليشيا الحوثي الانقلابية في استخدام العديد من الطرق لاستغلال مخاطر انتشار وباء كورونا، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والعسكرية والمادية، على حساب حياة الشعب اليمني، وتمثلت أبرز هذه الطرق فيما يلي:

التنكيل بالمسافرين

تقوم الميليشيا الحوثية باحتجاز المسافرين اليمنيين القادمين من المملكة العربية السعودية في نقاط عسكرية، بدعوى إخضاعهم للحجر الصحي لمواجهة كورونا، دون تطبيق أدنى المعايير الصحية، بالإضافة إلى فرضها رسوماً مالية عليهم.

وقد دانت الحكومة اليمنية هذا الإجراء، الذي أسفر عن معاناة مئات اليمنيين نتيجة احتجازهم في العراء بوضع غير إنساني، ودون تجهيز أبسط المستلزمات الضرورية للحياة، ودون مراعاة للأطفال والنساء والمُسنّين، مضيفةً أن هذه الحالة المأساوية تُشكّل خطراً كبيراً على حياتهم.

تحقيق مكاسب سياسية

تسعى ميليشيا الحوثي إلى استغلال جائحة كورونا، من أجل محاولة تحقيق مجموعة من المكاسب السياسية، منها تشويه صورة المملكة العربية السعودية، حيث يزعم عبد الملك الحوثي قائدُ الميليشيا الانقلابية، أن فيروس كورونا يدخل ضمن إطار “الحرب البيولوجية” التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية، وأن انتقاله إلى اليمن سيكون عبر المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وتدخل هذه المزاعمُ في إطار السياسات الاستباقية التي تتّبعها الميليشيا، من أجل إعفاء نفسها من المسئولية عن الأزمة الإنسانية التي يشهدها اليمن، والمرشحة للتفاقم خلال الفترة القادمة، خاصة مع توقع تفشّي فيروس كورونا.

جدير بالذكر أن هذه المزاعم تتوافق مع الادعاءات الإيرانية التي أعلنتها منذ بداية انتشار الفيروس بين مواطنيها، وتبنّيها نظرية المؤامرة الأمريكية ضِدّها، وذلك للتغطية على فشلها وتهاونها في التعامل مع الوباء، لتحقيق أهداف سياسية.

كما تسعى الميليشيا الانقلابية إلى استغلال هذا الوباء، من أجل تضييق الخناق على المناطق التي لا تخضع لسيطرتها، وخاصة محافظة تعز، والتي عززت الميليشيا من حصارها الممتدّ لسنوات، بحجة الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، فضلاً عن تصفية حساباتها مع المواطنين الرافضين لمخططها الانقلابي.

التصعيد العسكري

على الرغم من استجابة الميليشيا الانقلابية لدعوة الأمم المتحدة بتخفيض التصعيد العسكري من أجل مواجهة فيروس كورونا، إلا أنها حنثت كالعادة بتعهّداتها، واستغلت انشغال العالم في مواجهة الوباء العالمي لاستهداف المملكة.

ففي الوقت الذي تسود العالمَ دعواتٌ لتجاوز الخلافات ووقف النزاعات المسلحة لمواجهة جائحة كورونا، قامت الميليشيا الإجرامية يوم السبت 28 مارس باستهداف المملكة العربية السعودية بصاروخين باليستيين، اعترضتمها قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي.

ويُعدّ هدفُ هذا التصعيد سياسياً أكثرَ منه عسكرياً، فالميليشيا المسلحة تلجأ إليه مع كلّ محاولةٍ للتهدئة وإتاحة الفرصة للحلول السياسية، وذلك من أجل إطالة أمد الأزمة، خاصة وأن هذه الميليشيا الإرهابية تتطفل على الأزمات وتتكسّب من أوضاع الدولة الهشة، كما أنها تلجأ إلى التصعيد عندما يشتدّ الخناق عليها أو على راعيتها إيران.

استغلال المعتقلين في السجون

استمراراً لممارساتها الإجرامية، واصلت ميليشيا الحوثي انتهاكاتها بحق السجناء اليمنيين داخل السجون الحوثية، واستخدمت هذه المرة الحربَ النفسية من خلال تخويفهم وترهيبهم من خطورة فيروس كورونا وانتشاره السريع وعدم وجود علاج له، وجاءت هذه الخطوة النفسية كإجراء أوّلي قبل أن يضع الحوثيون الخيارات المتاحة أمام السجين لتفادي مخاطر الإصابة بالفيروس، حيث تمثل الخيارُ الأول في الانضمام إلى الميليشيا المسلحة والتوجّه إلى جبهة القتال، أو دفع مبلغ تعويضي لدعم الميليشيا عسكرياً، أما الخيار الثالث فهو البقاء في السجن دون تحمّل الميليشيا أيَّ مسئولية عن انتشار الأوبئة والأمراض فيه.

وقام الحوثيون بجمع السجناء في عنابر موحّدة تفتقد إلى التهوية والإضاءة، للضغط عليهم وإجبارهم على الانضمام إلى عناصرها المقاتلة، وتعويض النقص العددي في صفوفهم.

جدير بالذكر أن فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن التابع للأمم المتحدة، أعرب في 30 مارس عن بالغ قلقه إزاء المخاطر المحتملة لتفشي كورونا بين المحتجزين والسجناء في اليمن، نتيجة ظروف الاعتقال المروّعة، مؤكداً أن النظام الصحي اليمني على شفا الانهيار.

ورغم المخاطر المحدقة باليمنيين عامة والمسجونين بشكل خاص، لم تتراجع ميليشيا الحوثي عن ممارساتها الإجرامية، بل فاقمت المخاطر لابتزاز السجناء وإجبارهم على الرضوخ لمطالبها.

الجباية

بحجة مواجهة كورونا، قامت ميليشيا الحوثي بجني أرباح ضخمة، حيث نفّذت حملاتِ جبايةٍ واسعة، طالت أصحاب الأنشطة التجارية والشركات الخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فضلاً عن لجوئها إلى الحصول على الأموال من المسافرين القادمين من المملكة العربية السعودية، التي تُخضِعُهم لاحتجاز تعسّفي.

التجنيد

في مقطع فيديو تداوله نشطاء يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي، عدّد ناشطٌ حوثي مكاسب الانضمام إلى صفوف ميليشيا الحوثي، مستغلاً خوفَ اليمنيين من إمكانية تفشّي فيروس كورونا في البلاد، ودعاهم للانضمام إلى جبهات القتال، كونها مكاناً “آمناً” من الفيروس حيث لا يوجد بها اختلاط، وأضاف مُخاطباً الشعبَ اليمني بأنه من الأفضل لهم الموت في ساحة القتال ونيل الشهادة، بدلاً من الموت كـ “البعير” وهم جالسون في بيوتهم وبين أطفالهم.

لم يكن هذا مجرّد تصريح بقدر ما هو إيديولوجيا حاكمة، تكشف العديدَ من الحقائق حول الميليشيا الطائفية الانقلابية، أهمّها:

  • حياة المواطن اليمني ليس لها أية قيمة لدى الحوثيين المرتهنين لأجندات خارجية توسّعية.
  • النهج اللاأخلاقي واللاإنساني المسيطر على ميليشيا الحوثي، التي تعمل على استغلال حالة الخوف والهلع لدى اليمنيين، بل وتعزّزها عبر التأكيد أن الموت قادم لا محالة.
  • استغلال الدِّين لتحقيق أهداف سياسية، وذلك باعتبار أن مَن يموت أثناء القتال ضمن صفوفهم فهو “شهيد”، فالميليشيا الانقلابية تسعى إلى تأكيد أن ما تقوم به هو جهاد في سبيل الله.
  • النظرة الدونية والتحقيرية للآخر، فمن ليس معهم فهو كالبعير.

هذا الخطاب العنصري يكشف أن ميليشيا الحوثي لا تمتلك أيّ إطار أخلاق أو إنساني، وأن سياساتها الإجرامية هي في حقيقة الأمر قناعات ومبادئ تحكم تصرّفاتها.

احتمالات انتشار كورونا في اليمن

في ظل الوضع الاقتصادي والصحي الراهن في اليمن، ومع استمرار ميليشيا الحوثي الانقلابية في سياساتها الإجرامية بحقّ الشعب اليمني، فإن الوضع مرشّح للانهيار، مع احتمال كبير بانتشار فيروس كورونا في البلاد، خاصة في الأماكن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والتي قد تُمثّل بؤراً للفيروس ينتقل عبرها إلى باقي أرجاء اليمن، وتُعزّز هذا الاحتمالَ مجموعةٌ من المعطيات، أهمّها:

  • استغلال ميليشيا الحوثي لوباء كورونا، واتخاذه عاملاً مساعداً في تحقيق أجنداتها الخارجية.
  • افتقار اليمن إلى الإمكانات والمستلزمات الطبية، خاصة في الأماكن التي يُسيطر عليها الحوثيون.
  • ضعف البِنية التحتية في اليمن، والنقص الحاد في المياه والمواد الغذائية.
  • استمرار العلاقات العسكرية والدينية والتجارية الوثيقة مع إيران، التي تُعدّ من أهمّ البؤر الموبوءة بفيروس كورونا.
  • وجود العديد من المُوفَدين اليمنيين الذين يتلقون مِنَحاً دراسية في إيران.

زر الذهاب إلى الأعلى