تصف منظمة الصحة العالمية كورونا بأنها فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تصيب الحيوان والإنسان، مضيفةً أن عدداً من هذه الفيروسات تُسبب حالات عدوى الجهاز التنفسي للبشر، وتتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشدّ وخامة، مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة “سارس”.
مؤخراً تم اكتشاف فيروس كورونا كوفيد-19، وهو فيروس معدٍ ظهر في مدينة “يوهان الصينية” في ديسمبر 2019، وسرعان ما انتشر في عدد كبير من الدول حول العالم بسبب العدوى.
وتُعدّ إيران من بين الدول التي انتقل إليها هذا الفيروس، إلا أنه انتشر بشكل سريع بين المواطنين الإيرانيين، فحسب الخريطة التفاعلية التي أعدتها جامعة “جون هوبكنز” الأمريكية، والخاصة بأماكن وعدد الإصابات بفيروس كورونا المستجدّ، عبر تتّبع وتسجيل الحالات التي يتم الإبلاغ عنها بشكل يومي، جاءت إيران في مركز متقدّم بين دول العالم التي تُعاني من هذا الفيروس.
اللافت للنظر.. أن عدداً كبيراً من حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس كانت بين كبار المسئولين الحكوميين، ومن أبرزهم نائب وزير الصحة الإيراني إيراج حريرجي، ونائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة معصومة ابتكار، فضلاً عن 23 نائباً بمجلس الشورى الإيراني (البرلمان)، بحسب تصريحات لنائب رئيس البرلمان الإيراني، عبدالرضا مصري.
ولم يقف الأمر عند حَدّ الإصابات، بل سُجّلت وفيات في صفوف النخبة الإيرانية، من بينهم النائب بالبرلمان محمد علي رمضاني، وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، محمد مير محمدي، وفقاً لما أعلنته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.
الحسابات السياسية .. تتقدّم على سلامة المواطنين
على الرغم من تسجيل إيران 77 حالة وفاة بالفيروس، وهو أكبر عدد وفيات بكورونا خارج الصين، واحتلالها المركز الثالث عالمياً على صعيد الإصابات بواقع (2336 حالة)، بعد الصين التي سجّلت (80152 حالة)، وكوريا الجنوبية (5186 حالة)، إلا أن النظام الإيراني تعامل مع الأزمة بشكل لاأخلاقي ولاإنساني ويفتقد إلى المسئولية، حيث تعمّد التعتيم وإخفاء حقيقة انتشار الوباء في البلاد.
ورجح العديد من المراقبين أن سبب ذلك يكمن في رغبة نظام الملالي إرجاء الإعلان عن الفيروس حتى الانتهاء من الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لضمان كثافة الإقبال، الأمر الذي أدى إلى تفشّيه على نطاق واسع بين المواطنين، وبذلك قدّم النظام الإيراني مصالحه السياسية على سلامة مواطنيه، والتي تُعدّ من أهمّ مقومات الأمن القومي لدى الأنظمة السياسية الطبيعية.
مثال آخر يُظهِر اهتمام النظام الإيراني بأجنداته السياسية في المقام الأول، عندما رفض عرضاً أمريكياً قدّمه وزير الخارجية مايك بومبيو لمساعدة طهران في مواجهة فيروس كورونا، حيث اعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي هذا العرضَ مجرّد مزاعم وحركة دعائية مثيرة للسخرية، وأنها تأتي لدوافع سياسية بهدف خداع الرأي العام العالمي.
تداعيات اجتماعية وسياسية واسعة
انعكست أزمة “كورونا” على كافة مظاهر الحياة داخل إيران، وأصابتها بحالة أقرب إلى الشلل والجمود، حيث أغلقت السلطات الإيرانية المدارس والجامعات، فضلاً عن إلغاء جميع الفعاليات الرياضية والتجمّعات.
وجاءت تلك الإجراءات الحكومية الإيرانية الأخيرة، بعد قرار بتعليق صلاة الجمعة في نحو 23 مدينة إيرانية، في مقدمتها طهران وقم ومشهد وتبريز وأصفهان.
كما أعلن علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني تعليق جلسات البرلمان حتى إشعار آخر، على خلفية تفشي فيروس كورونا.
ويرجّح عباس عبدي، السياسي الإصلاحي الإيراني، أن تؤدي التدابير التي فرضتها الحكومة الإيرانية لاحتواء الفيروس إلى صعوبات إضافية للأسر الإيرانية التي تتعرّض لضغوط بالفعل.
ومما يَزيد من حجم خطورة انتشار الفيروس في إيران، طريقة تعامل النظام مع الأزمة، والتي تتّسم بالصلف أحياناً والغموض دائماً، ما يضع النظام الإيراني أمام احتمالين للتعامل مع الأزمة:
الأول: يتمثل في قدرته على محاصرة الوباء بشكل سريع، وهو أمر مستبعد في المدى المنظور، ويُعزّز ذلك الغموض وانعدام المصداقية والشفافية التي يتعامل بها نظام الملالي مع الأزمة، فضلاً عن عدم اكتشاف عقار فعّال للفيروس حتى الآن.
الثاني: تفاقم الوضع وزيادة انتشار فيروس كورونا كوفيد-19، وهذا الاحتمال هو الأقرب حسب المعطيات والمؤشرات الراهنة.
انعكاسات انتشار الفيروس على الوضع الاقتصادي الإيراني
يُعاني الاقتصاد الإيراني من حالة تراجع خلال العامين الماضيين، خاصة بعد سلسلة العقوبات الأمريكية التي فُرضت على طهران في مايو 2018 وأدت إلى تراجع مبيعاتها النفطية، ما انعكس سلباً على مؤشرات الاقتصاد المتراجعة أساساً.
وأكد تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي، أن العقوبات الأمريكية أدت إلى ارتفاع معدلات التضخّم إلى نحو 50%، كما تسببت في خروج الاستثمارات الأجنبية من البلاد، مضيفاً أن التقديرات تُشير إلى أن الاقتصاد الإيراني قد انكمش بنحو 4.6% في العام المالي 2018/2019، متوقعاً أن ترتفع هذه النسبة إلى 7.2% في العام المالي 2019/2020، مضيفاً أن معدلات البطالة في البلاد قد ارتفعت إلى 30%.
وأمام هذا التدهور في المؤشرات الاقتصادية، توقّع التقرير أن تشهد البلاد موجةً من الغضب الشعبي، وسوف تَتعزّز فرص هذه الفرضية إذا استمر النظام الحاكم في نهجه الداعي إلى رفع الدعم أو تقليل دعم الطاقة.
وتسيطر المخاوف حالياً على أسواق العملات الأجنبية في إيران، إذ فقد الريال الإيراني نحو 7% من قيمته، منذ أن أعلن المسئولون عن أول إصابتين بفيروس كورونا في 19 فبراير الماضي.
وستؤدي المخاوف من انتشار الفيروس وتأثيره في الاقتصاد الإيراني، إلى مزيد من التقلبات في أسواق العملات الأجنبية، وبالتالي إلى زيادة التضخم.
هذا الوضع المتردّي الذي يُعاني منه الاقتصاد الإيراني مرشحٌ للانهيار بنسبة أكبر، نتيجة انتشار فيروس كورونا، وذلك للأسباب التالية:
إغلاق الحدود وتوقف حركة التنقل
تسبّب الوضع الخطير في إيران بعد ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا كوفيد-19، باتخاذ العديد من الدول، خاصة دور الجوار، إجراءاتٍ احترازيةً للحيلولة دون انتقال الفيروس إليها، كإغلاق الحدود، وإيقاف حركة النقل الجوية والبرية والبحرية مع طهران، إلى درجة أن قطر التي تعتمد على إيران في الحصول على معظم وارداتها من المواد الغذائية بعد مقاطعة الدول العربية الأربع لها، اتخذت هي الأخرى إجراءات احترازية، وفرضت قيوداً على السفن القادمة من دول تُعاني من انتشار الفيروس ومنها إيران، الأمر الذي عرّض إيران لعُزلةٍ مزدوجة، إحداها بسبب العقوبات الأمريكية، والأخرى بسبب تفشّي فيروس كورونا، ما من شأنه التأثير الكبير على حركة التجارة الإيرانية.
مستقبل غامض للأذرع العسكرية الإيرانية في المنطقة
يُظهر العرض السابق أن الاقتصاد الإيراني مرشّح للتراجع بشكل أكبر بسبب انتشار فيروس كورونا، وهو ما سيكون له انعكاسات كبيرة على دعم الأذرع العسكرية لإيران في المنطقة، كحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وجماعة الحوثي في اليمن، وعناصر فيلق القدس والميليشيات الشيعية التي تُحارب بجانب قوات الأسد في سوريا، فضلاً عن العديد من الفصائل والجماعات المسلحة الأخرى.
وقد استغل الشعب الإيراني خروج المظاهرات والحركات الاحتجاجية ضد النظام الحاكم، ليُعبّر خلالها عن غضبه ورفضه لصرف أمواله على عناصر وجماعات خارجية، تُساعد نظام الملالي في تنفيذ مشروعه الطائفي، على حساب معيشة المواطن الإيراني.
لذلك فإن انتشار فيروس كورونا وانعكاساته المتوقعة على الاقتصاد المتدهور، ستُفاقم الضغط الشعبي على النظام الحاكم، وتُقيّد حركة دعمه وإنفاقه على الميليشيات المسلحة خارج الحدود.
ومن الانعكاسات التي سيُخلّفها كورونا كوفيد-19 على علاقة ملالي طهران بأذرعها المسلحة، تقييد حرية حركة العناصر الإيرانية العسكرية والاستخباراتية القادمة من طهران إلى الدول التي تشهد نفوذاً عسكرياً إيرانياً، خاصة مع إغلاق العديد من الدول للحدود مع طهران مثل العراق، والتخوف من الاختلاط مع العناصر الإيرانية، الأمر الذي سيؤدي إلى تشديد الإجراءات التفتيشية على الإيرانيين في المنافذ الحدودية، ومن شأن ذلك تقليل التواصل بين القادة العسكريين الإيرانيين وأتباعهم في المنطقة، خاصة وأن العدوى طالت بعض أركان النظام.
يُذكر أن المتحدّث الرسمي باسم وزارة الداخلية الإيراني سبق وأعلن في 6 أغسطس 2019 بدء تنفيذ قرار الرئيس حسن روحاني الخاصّ بعدم ختم جوازات سفر الأجانب الذين يزورون إيران عند دخولهم أو خروجهم منها، سواءً جواً أو براً أو بحراً، وهو الأمر الذي استغلته إيران استخباراتياً للمساعدة على تنفيذ أجندتها التخريبية في دول المنطقة، فأصبح بمقدور بعض الأفراد الذهاب إلى إيران والعودة منها دون علم دولتهم الأم، وهو ما شكّل تهديداً لبعض الدول، وفي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال اكتُشِف أن جوازات بعض المواطنين السعوديين الذين زاروا إيران، لم تُختَم من قبل السلطات الإيرانية سواءً في الدخول أو الخروج، ما يثير الكثير من الشكوك حول أهداف هذه الزيارات، ومدى ارتباطها بالتجنيد الطائفي الذي تمارسه حكومة الملالي الإيرانية، لاستهداف دول المنطقة وعلى رأسها المملكة.
ختاماً.. سيُخلّف انتشار فيروس كورونا في إيران انعكاساتٍ لن تقتصر على المستوى الصحي فحسب، وإنما سيمتدّ التأثير ليشمل الوضع الاقتصادي، والذي بدوره سيُشكل عاملَ ضغطٍ بشأن دعم وتمويل إيران لميليشياتها الطائفية المسلحة في المنطقة.
ولا شك في أن إيران تواجه الآن واحدةً من أكثر اللحظات صعوبةً منذ عام 1988، حين وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها، بعدما استنزفت إيران اقتصادياً وكُبِّدت خسائر بشرية اقتربت من نحو 500 ألف قتيل.
لتحليلات أكثر يمكنكم الضغط على هذه الصورة