تقارير

الاعترافات بالدولة الفلسطينية في مؤتمر نيويورك برئاسة السعودية وفرنسا

أسبوع تاريخي في مسار القضية الفلسطينية تشهده أروقة الأمم المتحدة بالتزامن مع فعاليات الحدث السنوي الأبرز للمنظمة حيث أعمال الشق رفيع المستوى لاجتماعات الجمعية العامة الذي يشهد مشاركة نحو 150 رئيس دولة وحكومة، إذ تعتزم العديد من دول العالم من بينها دولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن هما بريطانيا وفرنسا، إعلان الاعتراف رسميًا بالدولة الفلسطينية.

وقد شكلت الجهود التي تقودها المملكة العربية السعودية وفرنسا أساس هذا الزخم العالمي، فقبل نحو أسبوع اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة “إعلان نيويورك” المؤيد لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، كثمرة مؤتمر دولي انعقد برئاسة سعودية فرنسية مشتركة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك خلال شهر يوليو الماضي.

  • ترؤس سمو ولي العهد وماكرون لمؤتمر حل الدولتين

ارتكزت التحركات الدبلوماسية السعودية في قيادتها للحرك الدولي بشأن فلسطين، إلى دعم سيادة القانون الدولي وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وصون الشرعية الدولية عبر اتخاذ خطوات عملية نحو تحقيق سلام عادل ودائم في منطقة الشرق الأوسط.

وقد حظي هذا الملف باهتمام بالغ من القيادة الرشيدة للمملكة، إذ يترأس سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعمال مؤتمر حل الدولتين الذي سينعقد في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث اعتمدت الجمعية العامة بالإجماع مشروع قرار شفهي قدمته المملكة بالموافقة على مشاركة سمو ولي العهد عبر دائرة اتصال عن بعد أو رسالة مسجلة مسبقًا في المؤتمر رفيع المستوى حول تسوية قضية فلسطين وحل الدولتين المقرر يوم الاثنين.

وتقدمت المملكة بمشروع القرار حتى يتاح لسمو ولي العهد إلقاء خطابه السنوي أمام الأمم المتحدة وفي مؤتمر حل الدولتين عن بعد، لأن قواعد الجمعية العامة تشترط الحضور الشخصي للقادة خلال إلقاء كلماتهم. فيما يترأس وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان وفد المملكة المشارك في أعمال الأسبوع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين.

  • وضع فلسطين في الأمم المتحدة

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم3210  في أكتوبر 1974 الذي اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”، وبعد أيام، منحت الجمعية العامة منظمة التحرير صفة مراقب، مما سمح لها بالمشاركة في أعمال الجمعية وغيرها من هيئات الأمم المتحدة.

وفي العام التالي 1975، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف – المكونة من 25 عضوًا و24 مراقبًا – لتعزيز حق الفلسطينيين في تقرير المصير والسيادة والاستقلال الوطني، بحسب مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.

وفي عام 1988، تغيرت تسميتها بعثة منظمة التحرير إلى “بعثة المراقبة الدائمة لفلسطين” وذلك بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأحرزت فلسطين تقدمًا في مساعيها للحصول على العضوية عام 2012 بحصولها على صفة مراقب دائم غير عضو، وهو وضع كانت تحظى به الفاتيكان فقط.

وسمح هذا الوضع لفلسطين بالمشاركة في جميع أنشطة الأمم المتحدة وتمثيلها بعثة في المنظمة بنيويورك، لكنها لا تزال غير قادرة على التصويت. كما انضمت فلسطين إلى العديد من معاهدات الأمم المتحدة الأساسية لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنها طرف في مؤسسات رئيسية مثل المحكمة الجنائية الدولية. ولكن على الرغم من الدعم الساحق للدولة الفلسطينية في الجمعية العامة، فلا تزال العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بعيدة المنال بسبب الفيتو الأمريكي داخل مجلس الأمن.

  • حجم الاعتراف بالدولة الفلسطينية

تحظى فلسطين حاليًا باعتراف حوالي 75% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، البالغ عددها 193 دولة، فهنالك 149 على الأقل تعترف بالدولة الفلسطينية التي أعلنتها القيادة الفلسطينية في المنفى عام 1988. وتتمتع فلسطين بصفة “دولة مراقبة دائمة” في الأمم المتحدة، ما يسمح لها بالمشاركة دون حق التصويت.

ومن العاصمة البرتغالية لشبونة ينطلق قطار الاعترافات الدولية حيث أعلنت وزارة الخارجية البرتغالية عن إعلان قرار الاعتراف بدولة فلسطين يوم الأحد، وفي اليوم التالي ستشهد نيويورك إعلان كل من فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا وبلجيكا ولوكسمبورج ومالطا وأندورا وسان مارينو، ويعني هذا أن فلسطين ستحظى باعتراف أربعة من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، حيث اعترفت كل من الصين وروسيا بفلسطين عام 1988.

وجاء الاعتراف الصيني والروسي بعدما أصدرت الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في الجزائر في 15 نوفمبر 1988، “إعلان الاستقلال”، الذي أعلن “قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، وقد تضمن هذا الإعلان موافقة منظمة التحرير الفلسطينية، لأول مرة منذ نشوئها، على القرار الدولي لتقسيم فلسطين، حيث أكد قبول المنظمة لقراري مجلس الأمن رقم 242 و338 كأساس لانعقاد المؤتمر الدولي للسلام بمشاركة منظمة التحرير على قدم المساواة مع الأطراف الأخرى.

  • دلالات الاعترافات بالدولة الفلسطينية

مما لا شك فيه أن الاعترافات المرتقبة بالدولة الفلسطينية تعبر عن أعلى درجات التضامن السياسي مع الفلسطينيين وتعزز من موقف فلسطين في مختلف المحافل الدولية، كما أنها تعني إقرارًا رسميًا بأن الدولة تستوفي بشكل عام شروط قيامها – وفقا لمبادئ القانون الدولي- (شعب وأرض وحكومة)، ويمكن أن يحدث هذا الاعتراف حتى لو كان أحد هذه العناصر محل نزاع بما في ذلك الحدود.

وتعني هذه الاعترافات إقرارًا بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وهي رسالة عملية برفض كافة الأفعال الإسرائيلية التي تُقوّض هذا الحق ومنها التوسع الاستيطاني ومحاولات تهجير الفلسطينيين.

وفي الوقت ذاته تمثل هذه الاعترافات أداة دبلوماسية للضغط على الحكومة الإسرائيلية، فهذه الاعترافات إلى جانب ما يشهده الاتحاد الأوروبي من نقاشات حول فرض عقوبات تجارية على تل أبيب ووزراء في حكومتها اليمينية المتطرفة، مؤشر على تنامي عزلة إسرائيل، وهي حقيقة اعترف بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريحات له مؤخرًا أثارت جدلًا واسعًا في إسرائيل.

وبحسب أردي إيمسيس، الأستاذ المشارك في كلية الحقوق بجامعة كوينز في أونتاريو بكندا، يوفر الاعتراف بالدولة الفلسطينية أساسًا لمراجعة شاملة للعلاقات مع إسرائيل، حيث يتعين على الدولة التي تعترف بفلسطين مراجعة الاتفاقيات مع تل أبيب للتأكد من أنها لا تُخالف التزاماتها تجاه الدولة الفلسطينية، وهي مسألة تشمل السلامة السياسية والإقليمية، بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والمدنية. فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد جوانب التجارة يُساعد أو يساعد إسرائيل في انتهاك حقوق الدولة الفلسطينية، فسيتعين على الدولة المُعترفة وقف هذا التبادل.

كما يوفر الاعتراف أساسًا لمزيد من الضغط من قبل المجتمع المدني والمُشرعين في الدولة المُعترفة لتغيير السياسات ومواءمتها مع متطلبات هذا الاعتراف.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن المملكة العربية السعودية بما تتمتع به من ثقل ونفوذ على الساحة العالمية نجحت في حشد تلك الاعترافات الدولية التي مثلت سلسلة صفعات سياسية قوية لإسرائيل، ورسخت لمسار موثوق واضح المعالم لتسوية القضية الفلسطينية، وكسرت حالة الجمود السياسي المستمر منذ توقف محادثات السلام في عام 2014.

زر الذهاب إلى الأعلى