سادت حالة من الترقب العالم منذ الثاني من الشهر الحالي بعد أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية الجديدة على مختلف دول العالم فيما سماه “يوم التحرير”، فالجميع من الحكومات أو المستثمرين بانتظار معرفة مدى تأثيرها على الاقتصاد العالمي.
وبدت المؤشرات الأولى خلال الأيام القليلة الماضية، إذ سجل الاقتصاد الصيني نموًا أسرع من المتوقع خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، حيث أظهرت بيانات صادرة عن المكتب الوطني للإحصاء أن الناتج المحلي الإجمالي للصين نما بنسبة 5.4% في الربع الأول على أساس سنوي، متجاوزاً التقديرات التي كانت عند 5.2%، في حين علق خبراء بأن تداعيات الرسوم الجمركية المفروضة على الصين ستبدأ في الظهور خلال الربع الثاني من العام.
وفي المقابل، أفادت دائرة الجمارك في كوريا الجنوبية بأن صادرات أول 20 يومًا من أبريل انخفضت بنسبة 5.2% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وجاء هذا الانخفاض بعد أن فرض ترامب تعريفة جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الألومنيوم والصلب والسيارات. كما خضعت جميع الواردات الكورية الجنوبية الأخرى لفترة وجيزة لتعريفة جمركية “متبادلة” بنسبة 25% قبل أن يؤجلها ترامب حتى يوليو المقبل. وبدلاً من ذلك، تخضع الواردات من هناك لتعريفة جمركية شبه عالمية بنسبة 10%.
- توقعات صندوق النقد الدولي
أما عن الوضع بالنسبة للولايات المتحدة، فقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي لهذا العام، الذي يعد الأكبر بين الاقتصادات المتقدمة، بسبب حالة عدم اليقين الناجمة عن التعريفات التجارية. ومن المتوقع الآن أن يبلغ نموه 1.8% هذا العام، وهو أقل من تقديرات الصندوق في يناير الماضي والبالغة 2.7%.
كما يتوقع الصندوق أن تؤدي الزيادة الحادة في الرسوم الجمركية وعدم اليقين إلى “تباطؤ كبير” في النمو العالمي.
وقد تضمن تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية الصادر عن صندوق النقد الدولي أيضًا ما يلي:
- خفض توقعات نمو منطقة اليورو إلى 0.8% لهذا العام من 1%. ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 1.2% في عام 2026، مدعومًا بزيادة الإنفاق الحكومي في ألمانيا.
- تعتبر إسبانيا الاقتصاد المتقدم الوحيد الذي شهد ارتفاعًا في توقعات نموه لعام 2025 من %2.3 إلى %2.5، ويعود ذلك جزئيًا إلى أنشطة إعادة الإعمار في أعقاب الفيضانات.
- خفض توقعات نمو كندا لهذا العام إلى 1.4% من 2%، مما يعكس عدم اليقين بشأن التعريفات الجمركية والتوترات الجيوسياسية.
- شهدت المكسيك أكبر تخفيض للتصنيف. إذ يُتوقع الآن أن ينكمش اقتصادها بنسبة 0.3% هذا العام، مقارنةً بتوقعات يناير بنمو قدره 1.4%.
- تم خفض توقعات النمو في بريطانيا، حيث من المتوقع الآن أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.1% هذا العام، وفي حين أن النمو الاقتصادي في بريطانيا سيكون أقوى من النمو في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، لكن التضخم في بريطانيا سيكون الأعلى بين الاقتصادات المتقدمة في العالم، بنسبة 3.1% هذا العام، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع الفواتير بما في ذلك فواتير الطاقة والمياه.
وبحسب كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير أوليفييه جورينشاس فإن الاقتصاد العالمي لا يزال يحمل ندوبا كبيرة نتيجة الصدمات الشديدة التي شهدها خلال الأعوام الأربعة الماضية، مشيرا إلى أنه يخضع الآن لاختبار قاسٍ مرة أخرى.
ومن اللافت أن تعليق ترامب للرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا لم يغير “بشكل ملموس” التوقعات العالمية، لأن معدل الرسوم الجمركية الفعلي الإجمالي للولايات المتحدة والصين لا يزال مرتفعًا، كما يستمر عدم اليقين بشأن السياسة.
- البيانات التجارية كمؤشر على حركة النمو الاقتصادي
من جهته، يرى لي برانستيتر، أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة في جامعة كارنيجي ميلون، أنه قد يكون من السابق لأوانه التوصل إلى أي استنتاجات حول تأثير التعريفات الجمركية على نمو الاقتصاد العالمي.
ويرى برانستيتر، الذي شغل سابقًا منصب كبير الاقتصاديين للتجارة والاستثمار الدوليين في مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، أنه يتوقع أن ترسم بيانات التجارة القادمة من شركاء تجاريين أمريكيين آخرين صورة مماثلة، مشيرًا إلى أن هذه التغييرات قد لا تظهر بالسرعة نفسها لأن ظهور الرسوم الجمركية الجديدة في بيانات التجارة قد يستغرق بعض الوقت.
ولذلك يمكن القول بأنه من غير المرجح أن تكون البيانات المقبلة المتعلقة بالتجارة قاطعة وواضحة، فالفوضى التي أعقبت فرض ترامب للرسوم الجمركية تجعل من الصعب بشكل متزايد استخلاص استنتاجات قاطعة من تلك البيانات.
فمن المحتمل أن تُظهر بيانات بعض الدول زيادةً في صادراتها إلى الولايات المتحدة هذا الشهر، حيث سعت الشركات إلى الاستفادة من تعليق الرسوم الجمركية “المتبادلة”. ومن العوامل الرئيسية الأخرى المؤثرة حالة عدم اليقين السائدة بشأن سياسات ترامب التجارية، تصريحاته مؤخرًا أنه يتفاوض على صفقات مع دول أخرى قد يتم الانتهاء منها في غضون أسابيع. وفي الوقت نفسه، هدد أيضًا بفرض رسوم جمركية جديدة. وقد يدفع هذا الغموض الشركات إلى تعليق طلباتها الدولية تمامًا. وهذا يعني أن صادرات بعض الدول قد تنخفض.
ولهذا يرى المحللون أن الولايات المتحدة ستتضرر أكثر بسبب رفع الرسوم الجمركية على جميع الواردات تقريبًا، بينما لا تؤثر إلا على قطاعات معينة من اقتصادات شركاء أمريكا التجاريين.
وختامًا، يبقى القول إن عصر “عدم اليقين” الراهن يهدد بإطلاق العنان للاضطرابات في الأسواق المالية العالمية، لا سيما أسواق السندات الحكومية في الدول التي ترتفع فيها مستويات الدين، مثل الأسواق الناشئة، إذ ستضطر البنوك المركزية إلى خفض أسعار الفائدة لدعم اقتصاداتها، الأمر الذي يُضعف جاذبية عملاتها، ويُؤدي إلى هروب رؤوس الأموال الدولية بحثًا عن عوائد أكثر أمانًا.