على وقع تعرُّض العراق في الخامس من شهر مايو الجاري لعاصفة ترابية، ضربت مناطق وسط وجنوب البلاد، وأدت إلى وفاة شخص وإصابة 5 آلاف آخرين بالاختناق، انتشر على موقع التدوينات القصيرة “تويتر” هاشتاق بعنوان (#غبار_السعودية_يلوثنا) حيث يروج هذا الهاشتاق الذي انطلق على يد بعض المستخدمين بالعراق –يظهر تتبع حساباتهم التعريفية والمحتوى الذي يتداولونه ولاءهم التام لإيران- لرواية مسمومة مزعومة بأن السعودية اصطنعت تلك العاصفة، بل يستندون إلى مقطع فيديو يدَّعون أنه من حدود المملكة مع العراق.
- السياق المحيط بتلك المزاعم والروايات المضللة
وتأتي تلك المساعي الضالة والمحاولات الخبيثة من جانب تلك الشرذمة لاستهداف قوة الترابط الشعبي والعلاقات الآخذة في التنامي بين البلدين الشقيقين، والتي تجلت ملامحها في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2015، وكذلك توقيع عدد من اتفاقيات التعاون وتأسيس مجلس التعاون التنسيقي المشترك عام 2017، وفتح منفذ عرعر البري بين العراق والسعودية في نوفمبر 2020 للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود، مما أوجد نافذة جديدة لتجارة العراق، وأبعدته عن الفلك الإيراني الذي ظل يدور فيه منذ الغزو الأمريكي عام 2003، واستغلال نظام الملالي الفوضى في البلاد من أجل فرض هيمنة إيران ونفوذها عبر أذرع مسلحة وقوى سياسية تُغلّب الولاء المذهبي على ولائها للوطن.
وتعكس تلك المحاولات أيضًا طبيعة الاستراتيجية التي يتبعها نظام الملالي لبث روح الفُرقة بين الشعوب العربية، وإثارة حالة من العداء، وتكدير صفو العلاقات من أجل تحقيق مصالحه، وذلك عبر وكلاء وأدوات متعددة لا تقتصر فقط على الأذرع المسلحة والميليشيات؛ كالحشد الشعبي العراقي، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، بل تستخدم طهران أيضًا الفضاء الرقمي من أجل نشر شائعات مُغْرضة عبر بعض الحسابات الحاقدة على المملكة- سواء لشخوص طبيعيين أو حتى حسابات وهمية- تطلق الهاشتاقات الخبيثة التي تزرع بذور الفتن.
- نهج متكرر لاستخدام أدلة زائفة
لم يكن ذلك الهاشتاق المُغرض (#غبار_السعودية_يلوثنا) المحاولة الأولى لنشر مزاعم تحمل المملكة مسؤولية ظواهر جوية تحدث بالعراق، فعلى سبيل المثال في 26 مارس الماضي تناقلت صفحات عراقية على موقع فيسبوك خبرًا يشير إلى أن عاصفة ترابية قادمة من السعودية تضرب كُلًّا من الأنبار ونينوى وكركوك وستصل إلى بغداد، وترافق الخبر مع مقطع فيديو قصير مدته دقيقة وإحدى وعشرون ثانية، وهو قديم يعود تاريخ نشره لأول مرة إلى الثالث عشر من مارس 2020 على يوتيوب، ويحمل عنوان “عاصفة التنين تصل إلى العراق سترك يا رب”، بحسب فريق “التحقق من صحة الأخبار” التابع لوكالة رويترز للأنباء.
واللافت أن الدليل المزعوم – مقطع الفيديو- الذي تستند عليه الرواية الخبيثة حول افتعال المملكة عاصفة رملية على الحدود لاستهداف العراق ليس بجديد أيضًا، إذ إن هذا المقطع سبق وأن تداوله مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي في مارس الماضي، وأظهرت خدمة وكالة “فرانس برس”، لكشف الأخبار الزائفة أن الفيديو لا علاقة له بالسعوديّة، وهو يصوّر في الحقيقة أسلوبًا معتمدًا في موسم الحصاد الزراعي في البرازيل.
وفيما يلي أمثلة لتغريدات خبيثة مروجة للشائعة تم رصدها من بعض الحسابات العراقية الموالية لإيران، كما يظهر من مسمياتها ذات الدلالة الطائفية أو صورة الحساب التي يظهر بها أبو مهدي المهندس القائد السابق لميليشيا الحشد الشعبي العراقي أو قاسم سليماني قائد فيلق القدس بميليشيا الحرس الثوري الإيراني، وهما اللذان قُتلا في غارة أمريكية قرب مطار بغداد في 3 يناير عام 2020:
- تجاهل سطو إيران على الحقوق المائية العراقية
وفي الوقت الذي تروج فيه تلك الحسابات المغرضة والوهمية لروايات مفتعلة ذات صلة بالأضرار التي تلحق بالشعب العراقي من ظواهر متصلة بالطقس والمناخ تُلقي فيها باللائمة بشكل زائف على المملكة، فإنها تتجاهل أضرار تأثر بها العراقيون من أفعال حقيقية – ليست مزاعم- قامت بها دولة جوار أخرى ألا وهي إيران، وتحديدًا الأزمة المائية التي يعاني منها العراق، بعد شح كبير في مياه دجلة والفرات، وموقف طهران التي لم تبادر لتقاسم الضرر المائي مع بغداد، بل إنها قامت بحسب تصريحات وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد الحمداني بتحويل مجرى الأنهار داخل أراضيها وحرمت مجتمعات عراقية كاملة من الحصول على المياه، في انتهاك صارخ للاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة باﻻﻨﺘﻔﺎع اﻟﻤﺸﺘرك ﻤن ﻤﺠﺎري اﻷﻨﻬﺎر اﻟدوﻟﻴﺔ.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن عودة العراق إلى الحاضنة العربية وانخراطه في علاقات تعاون وشراكة مع المملكة العربية السعودية في مختلف المجالات يُشكّل هاجسًا بالنسبة لنظام الملالي الذي يسعى لنشر الفتن من أجل إفساح المجال لمشروعه التخريبي في المنطقة وبسط سيطرته ونفوذه.
ومن المفارقات اللافتة فيما يخص هاشتاق (#غبار_السعودية_يلوثنا) أن المملكة تلعب دورًا رياديًّا وقياديًّا في مجال مكافحة التغير المناخي عبر تبني سياسة نشطة في هذا المجال عبر إطلاقها مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر اللتين تهدفان إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من 10% من الإسهامات العالمية، وزراعة 50 مليار شجرة في المنطقة.