ما زالت أصداء حوار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، حفظه الله، مع مجلة أتلانتيك تتصدر وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، نظرًا لما تضمنته كلمات سموه من رسائل غاية في الأهمية، سوف تُلقي بظلالها على صُنّاع القرار الدوليين.
وعلى مدار الأيام الماضية، عكف الساسة والاقتصاديون والخبراء على تحليل ما قاله سمو الأمير محمد بن سلمان، ودراسة أبعاده وجوانبه المختلفة، وبدوره سعى مركز القرار إلى رصد واستكشاف أهم التكتيكات والأساليب الإقناعية التي ظهرت في حوار سمو الأمير محمد بن سلمان وعلاقتها بسماته الشخصية، وهو ما سيتم استعراضه في السطور القادمة.
الأساليب والتكتيكات الإقناعية لسمو ولي العهد
بإخضاع ما قاله سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حواره مع مجلة أتلانتيك للتدقيق والتحليل، يمكن استكشاف مجموعة من الأساليب والتكتيكات التي اعتمد عليها سموه في الرد على أسئلة المحاورين، أو كشف المغالطات، أو شرح وتوضيح بعض الرؤى، ومنها على سبيل المثال:
1- تصحيح المعاني: حيث لم يقبل سمو الأمير بتأطير المحاورين لبعض القضايا أو استخدامهم للمصطلحات في توصيف بعض الظواهر، وتعامل بفطنة وذكاء شديديْن مع الأسئلة الموحية التي حملت أحيانًا بين طياتها نوعًا من الدهاء الصحفي الذي قد يجعل الضيف يُسلّم لاشعوريًّا بما لا يعتقد به، إلا أن اليقظة والذكاء الفطري بجانب الخبرة الكبيرة التي يتسم بها سمو ولي العهد وقفت لهذه النوعية من الأسئلة بالمرصاد، فوجدنا سموه يُصحّح ويُعدّل، ويكشف الأمور بكل براعة وسلاسة واسترسال وحضور ذهني مدهش.
ومن أمثلة ذلك، عندما وجّه المحاور للأمير محمد بن سلمان هذا السؤال: “أعتقد أنك ستتفق أيضًا كون أن طريقة الترويج الحالية للإسلام المعتدل هي مختلفة جدًّا مما كنا سنراه من شخص شغل منصبك في عام 1983م”. فإنه حاول استمالة سمو ولي العهد للاتفاق مع طرحه، إلا أن سموه صوّب للصحفي خطأه – المقصود ربما – في طرحه المتعلق بالإسلام، شارحًا وموضحًا له حقيقة ديننا الإسلامي الحنيف، إذ رفض سمو الأمير مصطلح “الإسلام المعتدل” الذي سعى المحاور إلى تثبيته كأمر مُسلّم به، وأوضح سموه أن هذا المصطلح يحمل دلالة خاطئة عن الإسلام، ويساعد أصحاب الأيديولوجية المتطرفة على تنفيذ مآربهم.
2- المكاشفة والمواجهة بالحقائق التاريخية: بجانب حرص سمو ولي العهد على تصحيح بعض المفاهيم، عمل سموه أيضًا على توضيح بعض الحقائق التي يتجاهلها الغرب بشكل متعمد، مستشهدًا في ذلك بوقائع تاريخية، منها على سبيل المثال إشارته – حفظه الله – إلى أن “الحرب الأمريكية في العراق أعطت للمتطرفين فرصة سانحة”، وأيضًا تأكيده أن الأخطاء واردة الحدوث ليس فقط في المملكة، وإنما من جانب الولايات المتحدة ذاتها، كتلك التي حدثت في العراق وأفغانستان وغوانتانامو.
3- الصدمة: فعندما سعى الصحفي لاستخدام هذا التكتيك في طرح بعض أسئلته على سمو ولي العهد باعتبارها أسئلة جريئة تتناول أمورًا سياسية حساسة، فاجأه سمو ولي العهد بإجابات صادمة بسبب صراحتها الشديدة، وبالتالي استطاع الأمير محمد بن سلمان ببراعة أن يستخدم نفس تكتيك المحاور، ويُحقق الأثر العكسي، فظهرت الصدمة على الصحفي ذاته.
ومن أبرز الاستشهادات على ذلك، عندما سأل المحاور سمو ولي العهد “هل تُريد أن يعرف عنك جو بايدن شيئًا قد لا يعرفه عنك؟”، فجاء رد سمو الأمير صادمًا مزلزلًا وغير معتاد، قائلًا له: “إن هذا لا يهمني”.
4- الاستمالات العقلية: تُعد من أبرز الأساليب الإقناعية التي اعتمد عليها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث لجأ إلى مخاطبة العقل بالأدلة والأسانيد المنطقية المعززة بالأرقام والاستشهادات من أرض الواقع، ولذلك اتسمت إجابات سمو الأمير بقوة الطرح الذي عجز أمامه المحاورون عن المناقشة أو الجدال بشأنه.
وفي هذا الصدد، يجب الاعتراف بالقدرات الخاصة التي يمتلكها سمو ولي العهد في الاسترسال، وذكر الأرقام والإحصاءات بثقة وثبات، والتي توضح تمكن وإلمام سموه بكافة التفاصيل عن المملكة، وأيضًا القدرة على التحليل والتوصيف الدقيق للتطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي، الأمر الذي أجبر المحاورين على الإنصات أكثر من المجادلة، لأنهم فوجئوا بضيف واسع العلم والثقافة والمعرفة والاطلاع، والقدرة على الربط والتفنيد وكشف المغالطات. وكلها سمات تُساهم بقوة في عملية الإقناع والتأثير.
5- استخدام لغة الآخر: والانطلاق منها لتفنيد ادعاءاتهم بالحُجة والاستدلال وبنفس المنطق الذي يعتمدون عليه، وهو ما ظهر جليًّا عندما أشار سموه ضمنيًّا إلى أن الغرب يستخدم مبادئ حقوق الإنسان بشكل انتقائي، وليس كموقف مبدئي.
6- الواقعية والصراحة: إذ اتسمت ردود ومواقف سمو الأمير محمد بن سلمان بالواقعية الشديدة في توصيف الوضع الراهن، مثلما حدث خلال تناوله لمستقبل العلاقة مع إيران، أو العملية التنموية في المملكة، أو التطرف الفكري، وغير ذلك من الملفات.
ولذلك، فمن العوامل التي جعلت لغة خطاب سمو ولي العهد مقنعة أن كلماته وعباراته وتوصيفاته جاءت دقيقة جدًّا، وفي محلها تمامًا دون تهويل أو تهوين.
7- الاستدراك: من خلال إتاحة سمو ولي العهد الحرية الكاملة للمحاورين في إلقاء ما يشاؤون من أسئلة؛ وفي الوقت الذي اعتقد فيه المحاورون أنها فرصة سانحة لهم لإلقاء أسئلة بدت لهم صعبة الإجابة، فوجئوا بأن ردود سمو الأمير جاءت بسيطة ومُعبّرة وموضّحة.
8- المهارة الفائقة في التعامل مع الأسئلة المفخخة: واستغلالها لكشف المغالطات والادعاءات التي تزعمها بعض الأطراف والجهات لتحقيق مكاسب خاصة، أو محاولة تشويه المملكة وقيادتها الرشيدة، معتمدًا سموه على الصراحة والوضوح والمكاشفة، والتفنيد والاستدلال المنطقي.
فعلى سبيل المثال سأل المحاور سمو الأمير “هل يمكنكم تحديث البلاد إلى درجةٍ تُصبح فيها هوية السعودية الإسلامية أكثر ضعفًا؟”، وهنا سعى الصحفي إلى الإيحاء ضمنيًّا بوجود علاقة عكسية بين العملية التحديثية التي يقودها سمو ولي العهد في المملكة وبين هوية السعودية الإسلامية، أو بمعنى آخر الزعم بأن الإسلام يتعارض مع التحديث والحداثة. إلا أن جواب الأمير محمد بن سلمان جاء مؤكدًا على اعتزاز وتمسك المملكة قيادةً وشعبًا بمرجعيتها الإسلامية وثقافتها القبلية وهويتها العربية، وفي الوقت ذاته ماضية في عملية التحديث والتنمية الشاملة التي لا تتعارض بأي حال من الأحوال مع هذه المبادئ والقيم وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
ختامًا.. يتضح من العرض السابق أن الحوار الذي أجراه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع مجلة أتلانتيك عكس السمات الشخصية لسموه، والتي يستطيع أي مواطن سعودي أو غير سعودي تلمسها، مثل الحضور الطاغي بشخصيته الكاريزمية المُلهِمة، وقوة الشخصية، وثقته في قدرة ومقدرات المملكة وشعبها العظيم، والتي مكنتها من التعامل بندية مع جميع دول العالم، وانعكست في الاعتزاز والفخر بالهوية السعودية.
ومن السمات الشخصية التي ظهرت في الحوار بشكل واضح الصراحة والشفافية التي لطالما خاطب بهما سمو ولي العهد الشعب السعودي، وكانت من أهم أسباب النجاح والإنجاز في المملكة، وذلك وفقًا لمبدأ أن أول طريق النجاح هو الاعتراف بالمشكلة.
كما أظهر خطاب سمو الأمير انفتاحه “المشروط” على الجميع، وأن المُحدِّد الذي يحكم تلك المسألة هو مصلحة السعودية دولةً وشعبًا.
ومن السمات الشخصية الواضحة أيضًا في حوار سمو ولي العهد الإصرار على المُضي قدمًا لتطوير المملكة، وهنا يجب الإشارة إلى ما قاله سمو الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، خلال حديثه عن تفضيله للعب كرة السلة وليس كرة القدم الأكثر شعبية، معللًا ذلك بأن الأخيرة قد تتسبب بشكل أكبر في الإصابة التي قد تحرم الشخص من مواصلة التمارين لأشهر، وهذا السبب الذي لم ينتبه له أحد يعكس جانبًا مهمًّا جدًّا في شخصية سمو ولي العهد، ألا وهو عدم السماح لأي عائق بأن يُهدّد المسيرة والاستمرارية، وهو ما يُطبقه سموه على كل شيء. ويمكن ربط هذه السمة – على سبيل المثال – بما قاله الأمير محمد بن سلمان “هناك العديد من الناس الذين يريدون أن يتأكدوا من أن مشروعي، مشروع السعودية اليوم رؤية 2030 سيفشل، ولكنهم لن يستطيعوا المساس به، ولن يفشل أبدًا، ولا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشاله، يمكن إبطاؤه بنسبة 5%، هذا أكثر ما يستطيعون فعله، ولكن أكثر من ذلك لا يستطيع أحد فعل شيء”.
إضافة إلى ما سبق، فإن شخصية سمو الأمير محمد بن سلمان الطموحة التي لا يوجد سقف لتطلعاتها، كان لها أكبر الأثر فيما تُحققه المملكة من إنجازات فاقت كل التوقعات، سواء من حيث نوعية الإنجاز أو حجمه، أو الوقت المُستغرق في تحقيقه.
ومما لا شك فيه أن كل ذلك لم يكن ليتحقق دون قائد مُلهِم لديه القدرة على الابتكار والإبداع والتفكير خارج حدود الصندوق، مثل سمو ولي العهد – حفظه الله – الذي أوضح في حواره أنه يُفضل مشاهدة الأعمال التي تتسم بالخيال والأبطال الخارقين، فكان سموه بطلًا سعوديًّا خارقًا تحدى كل الظروف، وتمكن من تحويل الأحلام والطموحات إلى واقع ملموس على أرض المملكة، يشهد على عظمة الدولة والقيادة الرشيدة والشعب السعودي.