واجه تطبيق “تيك توك” مجموعة من التحديات التي كادت في بعض الأحيان تهدد وجوده، إلا أنه استمر في النمو خلال العام الماضي واكتسب زخما متزايدا في معدلات الاستخدام تصاعد مع ظروف العزل العام التي مر بها العالم في ظل انتشار وباء كورونا المستجد، وتشير بعض التقديرات إلي أنه سيصبح منصة أكثر أهمية وتأثيرًا خلال العام الحالي 2021، إذ تتوقع شركة App Annie الرائدة في مجال تحليلات تطبيقات المتجر أن عدد مستخدمي تيك توك سيتجاوز مليار مستخدم.
وبينما يبدو أن تيك توك تجنب الحظر في الولايات المتحدة حاليا، إلا أن التطبيق لا يزال قيد التدقيق والفحص نتيجة المخاوف بشأن تأثيره على المستخدمين من فئة الشباب والمراهقين، واعتبارات أمن البيانات الدولية نظرًا لملكيته من قبل الصين.
أزمات “تيك توك” تصل إلي ساحات المحاكم في بريطانيا
ووفقا لشبكة سكاي نيوز البريطانية، يخضع تطبيق تيك توك للفحص في بريطانيا على خلفية تتبعه بيانات المستخدمين دون السن القانونية، حيث رفعت فتاة من لندن تبلغ من العمر 12 عامًا دعوى تتهم فيها الطبيق بإساءة استخدام المعلومات الخاصة بها في انتهاك لقوانين حماية البيانات في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
وتدعم مفوضة شؤون الأطفال في إنجلترا، آن لونغفيلد، الطفلة صاحبة الدعوى حيث تأمل أن تؤدي القضية المنظورة أمام القضاء حاليا إلى اتخاذ تدابير وقائية أكبر لمن هم دون سن 16 عامًا، والذين يستخدمون التطبيق في البلاد، منوهة إلي أن الشركة تجمع بيانات الأطفال وتعالجها لتشغيل خوارزمية ترشيح الفيديوهات لجذب انتباه المشاهدين وتوليد إيرادات إعلانية.
في المقابل، تؤكد تيك توك أنها تمتلك سياسات مشددة تهدف لحماية الأطفال ولا تسمح للأطفال دون سن 13 عاما بالانضمام إلي التطبيق.
وتعد هذه القضية هي الأحدث من بين العديد من القضايا التي رفعت ضد التطبيق بسبب نفس المخاوف ومن أبرزها:
حظر هيئة الاتصالات الباكستانية مؤقتًا استخدام تطبيق تيك توك في أكتوبر الماضي بسبب “محتوى غير أخلاقي وغير لائق” في التطبيق، ما دفع تيك توك إلي تنفيذ تغييرات وتم رفع الحظر بعد فترة وجيزة.
إعلان مسؤولون فرنسيون فتح تحقيق جديد في ممارسات تيك توك المتعلقة بجمع البيانات في أغسطس الماضي، ويرجع ذلك أساسًا إلى مخاوف بشأن تدابيرها لحماية المستخدمين الأصغر سنًا.
إطلاق مفوض المعلومات في بريطانيا في يوليو 2019 تحقيقًا في كيفية تعامل تيك توك مع البيانات الشخصية لمستخدميه الصغار، وما إذا كان يعطي الأولوية لسلامة الأطفال على المنصة.
تغريم لجنة التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة تطبيق تيك توك 5.7 مليون دولار في فبراير 2019، لجمعه بشكل غير قانوني الأسماء وعناوين البريد الإلكتروني والصور والمواقع الخاصة بالأطفال دون سن 13 عامًا.
وتشير بيانات داخلية للتطبيق حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إلي أن أكثر من ثلث مستخدمي التطبيق يوميًا في الولايات المتحدة تقل أعمارهم عن 14 عامًا، وهذا على الرغم من إتاحة تجربة تيك توك كاملة فقط للمستخدمين الذين تزيد أعمارهم عن 13 عامًا، فيما يتيح تيك توك “تجربة تطبيق محدودة” للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن هذا الحد، حيث يتيح لهؤلاء المستخدمين الأصغر سنًا حماية إضافية للأمان والخصوصية مصممة خصيصًا لهم، بما يتماشى مع إرشادات لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية بشأن “تطبيقات الجمهور المختلط- mixed audience apps”.
ثغرة في القيد العمري للاستخدام تسمح للأطفال بالنفاذ
واللافت هنا، أن المستخدم يدخل إلى تجربة التطبيق المناسبة بعد المرور عبر “بوابة العمر- an age-gate” عند التسجيل للحصول على حساب تيك توك، لذلك فإن الشيء الوحيد الذي يمنع المستخدمين الأصغر سنًا من تسجيل الدخول والوصول إلى كل ما يقدمه تيك توك هو بوابة عمرية فضفاضة إلى حد ما، والتي لا شك أن الكثيرين يتجاوزون ذلك الحاجز بسهولة.
ويعني هذا أيضًا أنه وإن كان أكثر من ثلث إجمالي مستخدمي تيك توك في الولايات المتحدة تقل أعمارهم عن 14 عامًا، فإن هذا الاحصاء المستند إلي البيانات الداخلية قد لا يعبر عن الحقيقة نظرا لأن تلك البيانات نتاج تواريخ ميلاد مسجلة ذاتيًا.
على هذا النحو، فإن المخاوف المتعلقة بجهود حماية الأطفال في تيك توك لها أساس منطقي وعملي، ما يدفع السلطات لوضع التطبيق تحت المجهر وفحصه وأحيانا حظره، ويصبح هذا الأمر أكثر إلحاحًا مع استمرار نموه وزيادة قدرته على التأثير.
وبينما ينصب تركيز تيك توك بشكل عام على المقاطع القصيرة الممتعة والخفيفة، فمن الواضح أن هناك مستوى من الاستغلال المتأصل في هذا الإطار، مع تحفيز الفتيات الصغيرات على وجه الخصوص لتخطى حدود ما يشاركنه من أجل كسب المزيد من الإعجابات.
ولا يقتصر هذا القلق على تطبيق تيك توك، فجميع المنصات الاجتماعية تحتاج إلى ضبط تلك المسألة، لكن يبدو أن تركيز مقاطع فيديو تيك توك وجاذبيته لجمهور الشباب يزيد من المخاطر في هذا الصدد، وفقا لموقع “سوشيال ميديا توداي- Social Media Today” المتخصص في شؤون مواقع التواصل الاجتماعي.
وبينما يمكن معالجة هذه المخاوف بشكل أمثل دون نزاع قانوني، إلا أنها عنصر حاسم لتحرك إدارة التطبيق، حيث يساعد الضغط على تيك توك في ضمان استمراره في العمل لتوفير المزيد من الحماية حيثما أمكن ذلك.
أمن البيانات الدولية الوجه الأخر لأزمة “تيك توك” المستمرة
تتصل المخاوف الأخرى التي تلاحق تطبيق تيك توك بأمن البيانات الدولية، حيث تفرض قوانين الأمن السيبراني الصارمة في الصين على الشركة الأم المالكة للتطبيق “بايت دانس- ByteDance” مشاركة بيانات المستخدمين مع الحزب الشيوعي الصيني حال طلبها، ومن غير المعروف ما إذا كان قد تم تقديم مثل هذا الطلب، ولا ما الذي قد يفعله النظام الصيني بالمعلومات الشخصية المتاحة على خوادم بايت دانس.
ولعل ذلك ما دفع الحكومة الأمريكية نحو إجبار تيك توك على بيع التطبيق في الولايات المتحدة إلي شركة أمريكية لكن تلك الجهود لم يصاحبها أدلة حول كيفية التغلب على تلك المشكلة.
ومع إثارة العديد من الحكومات مخاوف مماثلة من التطبيق، لا يزال من الممكن أن يواجه تيك توك المزيد من التدقيق خلال العام الحالي مما قد يؤثر في نموه، علماً بأن التطبيق قد فقد 200 مليون مستخدم في غضون يوم واحد في أواخر يونيو الماضي، عندما حظرته الحكومة الهندية بسبب النزاعات المستمرة مع نظيرتها الصينية.
وتجدر الإشارة هنا أيضا إلي أن استمرار الحزب الشيوعي الصيني في إثارة غضب المزيد من الدول في إطار سعيه لتحقيق مصالحه، قد يؤدي إلى مزيد من القيود على التطبيقات الصينية وبوتيرة سريعة تتناسب طرديا مع تصاعدت التوترات بين بكين وتلك الدول.
وتأسيسا علي ما سبق، أظهر تطبيق تيك توك بوضوح إمكانيات هائلة للنجاح وأن يصبح منافسًا لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، ومن الواضح أيضا قدرة خوارزميته على الاستفادة من الاهتمامات الشخصية وإبقاء المستخدمين ملتصقين به، ولكن حتى يتمكن من ضمان حماية المستخدمين الأصغر سنًا وتهدئة المخاوف بشأن مشاركة البيانات ستظل الاستفسارات والتحقيقات والتدقيقات حول التطبيق قائمة.
ومع وجود مليارات الدولارات على المحك، يبدو من المحتمل أن يجد تيك توك والشركة الأم بايت دانس حلاً.
وتبقى المعركة القانونية القائمة مؤخراً في بريطانيا بمثابة تذكير آخر بأن أمام التطبيق الصاعد المزيد من التحديات التي تواجهه خلال الفترة القادمة.