في صدام علني غير مسبوق بين شركات التكنولوجيا الكبرى، تقود شركة فيسبوك حملة ضد ميزة “شفافية تتبع التطبيقات” التي ستفعِّلها شركة “أبل- Apple” مطلع العام الجديد، وتقوم على تغييرات في معرِّف المعلنين “IDFA” في نظام التشغيل الجديد ” IOS 14″، مما سيجعل من الصعب على الشركات تتبع نشاط المستخدم داخل التطبيقات، حيث سيُطلب من المستخدمين الموافقة على جميع أشكال تتبع البيانات أو رفضها .
وقد أطلق عملاق التواصل الاجتماعي الأزرق موقعًا إلكترونيًّا جديدًا، بجانب سلسلة من المنشورات والمدونات كما يقوم بنشر إعلانات على صفحات كاملة في الصحف الأمريكية الكبرى مثل “نيويورك تايمز” و”وول ستريت جورنال” للضغط على أبل من أجل التراجع عن تلك التغييرات.
ويشير فيسبوك في حملته تلك إلى أنه يتحدث نيابة عن الشركات الصغيرة، معتبرًا أن نظام تشغيل أبل الجديد سيكون له تأثير ضار على العديد من الشركات الصغيرة التي تكافح من أجل البقاء، كما يؤثر على الإنترنت المجاني الذي تعتمد عليه جميع الشركات أكثر من أي وقت مضى.
التغييرات بمعرِّف المعلنين وتبادل الهجوم بين «فيسبوك» و«أبل»
منذ بداية الصيف تتشابك أبل وفيسبوك في معركة بشأن تحديثات الخصوصية الجديدة التي ستطرحها أبل، والتي كان من المفترض في الأصل إطلاقها في سبتمبر الماضي، ولكن تم تأجيلها بعد أن قال المطورون، بما في ذلك فيسبوك، إن “أبل” تسعى إلى الهيمنة على السوق.
ففي شهر يونيو الماضي، أعلنت شركة أبل عن تغييرات قادمة في نظام تتبع معرِّف المعلنين “IDFA” الخاص بها والذي من شأنه أن يقيد تتبع البيانات، مع مطالبات صريحة في كل تطبيق تشرح للمستخدمين البيانات التي يأخذها كل تطبيق.
ويقصد بمعرّف المعلنين “IDFA” أنه رقم تعريف خاص بالجهاز يستخدمه المعلنون لتتبع نشاط المستخدمين وتقديم الإعلانات المستهدفة في التطبيقات التي يستخدمونها، حيث يحوي كل جهاز من أجهزة أبل على رقم (IDFA) فريد، وحتى إذا قام المستخدمون بإعادة تعيينه يدويًّا، يمكن للتطبيقات الوصول إليه دائمًا، وهذا الأمر يشرح سبب ظهور إعلانات متشابهة عبر التطبيقات المختلفة أحيانًا.
وقد هاجم كل من عملاقي التكنولوجيا كلاهما الآخر، بشراسة على خلفية تلك المسألة، إذ اتهمت شركة أبل في خطاب أرسلته في نوفمبر الماضي إلى مجموعات غير ربحية تركز على الخصوصية، “فيسبوك” بتجميع “أكبر قدر ممكن من البيانات” لتحقيق أرباح مع التجاهل التام لخصوصية المستخدمين.
ورد فيسبوك باتهام شركة أبل بمحاولة الاستفادة من موقعها في السوق لمنح نفسها ميزة غير عادلة في جمع بيانات المستخدمين، حيث قال متحدث باسم فيسبوك إن شركة أبل تزعم أن الأمر يتعلق بالخصوصية ولكنه يتعلق بالربح، وفقًا لموقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي.
كما اتهم فيسبوك شركة أبل بأنها تتصرف بشكل معادٍ للمنافسة من خلال استخدام سيطرتها على متجر “App Store” لإفادة أرباحها النهائية على حساب مطوري التطبيقات والشركات الصغيرة.
وأكدت شركة فيسبوك أنها تساند دعوى مكافحة الاحتكار ضد أبل التي رفعتها “إيبك غيمز” الشركة المصنعة للعبة “فورتنايت- Fortnite”، وستقدم معلومات تظهر للمحكمة ما وصفته بـ”السياسات غير العادلة” التي تفرضها أبل.
ويوضح دان ليفي، نائب رئيس الإعلانات في فيسبوك، أنهم يدعمون الشركات الصغيرة التي عبرت عن قلقها من قرار أبل وتأثيره على قدرتهم للوصول بفعالية إلى العملاء والنمو.
في المقابل، نفى المتحدث باسم شركة أبل أن تضر الشركة بالأعمال الصغيرة، مشيرًا إلى إعلان الشركة في نوفمبر أنها ستخفض رسوم سداد متجر التطبيقات إلى النصف للمطورين الصغار، ومن 30% إلى 15% بدءًا من العام المقبل.
وأكدت شركة أبل أنها كانت تدافع عن مستخدميها الذين يجب أن يعرفوا متى يتم جمع بياناتهم ومشاركتها عبر التطبيقات والمواقع الأخرى.
قوانين خصوصية البيانات كغطاء يدعم تحرك أبل
وفي هذا الإطار، رأى موقع “سوشيال ميديا توداي” المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، أن تلك التغييرات ستوفر مزيدًا من المعلومات حول كيفية بحث كل تطبيق لتتبع نشاط المستخدمين، بالإضافة إلى قائمة بجميع البيانات التي يمكن أن يجمعها التطبيق أثناء استخدامه.
ويشعر “فيسبوك” بالقلق من أن العملية ستجعل التتبع داخل التطبيق عديم الفائدة بشكل أساسي، حيث حذر في أغسطس الماضي من أن شبكة الجمهور الخاصة به، التي توفر خيارات إعلانية مستهدفة على مواقع الويب والتطبيقات التابعة لجهات خارجية، قد يتم إغلاقها في نهاية المطاف بسبب تأثيرات هذا التغيير.
وصوَّر فيسبوك التحديث المرتقب على أنه هجوم على الشركات الصغيرة على وجه التحديد، معتبرًا أنه سيؤدي إلى ما يلي:
أولا: إجبار الشركات على اللجوء إلى الاشتراكات والمدفوعات الأخرى داخل التطبيق لتحقيق الأرباح، حيث ستصبح الإعلانات أقل فعالية، وسيفيد ذلك شركة أبل في النهاية، التي تأخذ جزءًا من هذه العناصر داخل التطبيق عبر سياسات متجر “App Store”.
ثانيا: الحد من قدرة الأعمال التجارية على استخدام ميزانياتها الإعلانية بفعالية، حيث تُظهر دراسات لفيسبوك أنه بدون إعلانات مخصصة مدعومة ببياناتها الخاصة، يمكن للشركات الصغيرة أن تشهد انخفاضًا بنسبة تزيد على 60% من مبيعات مواقع الويب من خلال الإعلانات.
ثالثا: تحقيق استفادة مباشرة لشركة أبل، لأن نظامها الإعلاني المخصص لا يخضع لسياسة ” iOS 14″ الجديدة.
كما أقر فيسبوك بأنه من المستحيل بالطبع تحديد عدد الأشخاص الذين سيختارون عدم الاشتراك في التتبع داخل التطبيق، لكن على الأرجح أن التأثيرات ستكون كبيرة، حيث إن عددًا كبيرًا من الأشخاص سيختارون حظر تتبع البيانات في التطبيقات، ممَّا سيعيق بشدة جهود تخصيص الإعلانات، لذا سيتجه المزيد من الشركات التي تَتَطَلَّع إلى تتبُّع جمهورها لوسائل أخرى.
في المقابل، يمكن القول بأن تغييرات معرّف المعلنين ” IDFA” من قبل أبل تتماشى مع قوانين خصوصية البيانات عبر الإنترنت. فقد كانت اللائحة العامة لحماية البيانات في أوروبا هي الوثيقة الرئيسية الأولى التي وضعت لوائح أكثر وضوحًا حول كيفية استخدام البيانات الشخصية للأشخاص، ومع تزايد المخاوف بشأن تتبع البيانات والتلاعب بالأشخاص، سعت المزيد من الدول إلى زيادة الشفافية والتحكم في استخدام البيانات.
الإضرار بالشركات الصغيرة والمتوسطة جوهر حملة فيسبوك ضد أبل
وهنا يثور تساؤل: هل يتعلق الأمر أكثر بفيسبوك أو الشركات الصغيرة والمتوسطة؟ والإجابة أن الأمر يتعلق بشركة فيسبوك والشركات الكبرى التي لديها القدرة على الاستفادة القصوى من تتبع البيانات من خلال التحليل المتعمق والإنفاق الإعلاني عالي المستوى، لكنه يبحث عن الزاوية الأكثر تعاطفًا من أجل توضيح وجهة نظره، لذا دشن موقعًا يشارك قصصًا من مالكي الشركات الصغيرة والمتوسطة الذين قد يتأثرون بالتغييرات القادمة. لكن تلك الخطوة تنطوي على تناقض واضح، فلطالما سعى فيسبوك إلى خفض عدد المنافسين أينما كانوا، وفقًا لوكالة بلومبرج الأمريكية.
وأحدث خطوة في هذا المجال تتمثل في مشروع فيسبوك الذي أطلق عليه اسم “Super”، (يتيح التحدث لايف مع المشاهير وطرح الأسئلة أو التقاط صور سيلفي)، لاستهداف تطبيق Cameo الذي يمكّن المستخدمين من الدفع مقابل التحدث مع المشاهير، بالإضافة إلى أن “فيسبوك” يخضع حاليًّا للتحقيق بشأن ممارساته المناهضة للمنافسة،لذا فإن مهاجمة أبل على هذه الجبهة مبالغ فيها إلى حد ما.
وفي ذات الإطار، تجدر الإشارة إلى أن “فيسبوك” هو الذي شجع الشركات الكبيرة والصغيرة على بناء وجود على منصته، ثم يقوم بالتضييق عليهم مما يجبرهم على شراء الإعلانات.
ووفقًا لموقع “سوشيال ميديا توداي”، فإنه في حين أن رسالة فيسبوك العامة قد تكون صحيحة، إلا أن المعركة هنا لا تتعلق مطلقًا بالأضرار التي ستلحق بالشركات الصغيرة والمتوسطة، بل إنها صراع بين عملاقي التكنولوجيا (فيسبوك وأبل) اللذين يحاولان كلاهما منع الآخر من الحصول على حصة أكبر في السوق.
وأخيرًا.. يمكن القول بأنه من منظور واقعي، إذا كان فيسبوك في موقع أبل لكان قد فعل الشيء نفسه ومنذ فترة طويلة، لكن عملاق التواصل الاجتماعي بعد أن بدأ يشعر بالتأثيرات فإنه يتطلع إلى الضغط من أجل التغيير.
وفي الوقت ذاته لا يعني ذلك أن الحجج المستند إليها موقف فيسبوك خاطئة، فقطعًا سيكون للتغييرات تأثير على جميع الشركات التي تستخدم تتبع البيانات، ولكن من المحتمل أن تشعر الشركات الصغيرة والمتوسطة بقدر أقل عن العلامات التجارية الكبرى، حيث ستظل الشركات الصغيرة والمتوسطة قادرة على استهداف المستخدمين، بناءً على الموقع ونقطة التركيز الرئيسية الخاصة بهم، وسيظل فيسبوك قادرًا على توفير معلومات التخصيص بناءً على معلومات الملفات الشخصية للمستخدمين على المنصة.