تستضيف المملكة العربية السعودية، يومي 21 و22 نوفمبر الجاري، قمة زعماء دول مجموعة العشرين التي تنعقد بشكل افتراضي في الرياض، تحت رئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في ختام عامٍ تولَّت فيه المملكة رئاسة المجموعة، كان مليئًا بالتحديات التي تعرَّض لها العالم على كل الأصعدة بفعل جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.
وتحت شعار “اغتنام فُرَص القرن الحادي والعشرين للجميع” تأتي قمة المجموعة التي تضم في عضويتها بجانب السعودية كلًّا من الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا وأستراليا وكندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين وجنوب إفريقيا وتركيا، في خضم أسوأ انكماشٍ عالميٍّ منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات.
وتحظى مجموعة العشرين بمكانة كبرى من حيث الثِّقل السياسي والاقتصادي والديمغرافي، حيث تمثل نحو 66% من سكان العالم، و75% من حجم التجارة الدولية، و80% من الاستثمارات العالمية، و85% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وتضم في عضويتها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التي تمتلك حق النقض “الفيتو”.
المملكة تشكِّل جدول الأعمال العالمي في ظل رئاستها للمجموعة
وانطلاقًا من طبيعة المجموعة التي تعد أقرب إلى منتدى -فهي ليست منظمة لديها مقر عام أو أمانة عامة دائمة- فإن ذلك يتيح للدول التي تتناوب على رئاسة المجموعة فرصة فريدة لمدة عام واحد لتشكيل جدول الأعمال العالمي، فضلًا عن جدول الأعمال الخاص بأكبر اقتصادات العالم.
وبالفعل قامت المملكة العربية السعودية بتلك المهمة على أكمل وجه، حيث أعادت توجيه تركيز جهود المجموعة تحت رئاستها نحو معالجة التداعيات الفورية والمستقبلية للوباء وإشراك جميع القادة على أساس منتظم لتشكيل استجابات منسّقة للوباء.
وطرحت السعودية من خلال الجهود المنسقة والمشاركة الافتراضية المستمرة، العديد من المبادرات والخطط على المستوى العالمي للتعامل مع التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية الناتجة عن الوباء، حيث عقدت القمة الافتراضية الأولى غير العادية لقادة مجموعة العشرين في 26 مارس وفيها اتفق القادة على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لاحتواء الوباء.
كما تعهدت المملكة بتقديم 500 مليون دولار للمنظمات الدولية ذات الصلة لدعم الجهود العالمية في مكافحة الوباء، ومنذ ذلك الحين عُقدت مؤتمرات واجتماعات وزارية افتراضية على فترات منتظمةـ بلغت أكثر من 100 مجموعة عمل واجتماع وزاري افتراضي.
ومنذ مارس الماضي، ضخَّت دول مجموعة العشرين 11 تريليون دولار كجزء من السياسة المالية المستهدفة والإجراءات الاقتصادية، كما ساهمت مجموعة العشرين بأكثر من 21 مليار دولار لدعم الإنتاج والتوزيع والوصول إلى التشخيصات والعلاجات واللقاحات.
واتفقت دول المجموعة بقيادة المملكة خلال الاجتماع الافتراضي الثاني، على تمديد مبادرة تعليق سداد خدمة ديون أفقر دول العالم لمدة 6 أشهر إضافية، حتى يونيو 2021.
مواكبة رئاسة السعودية لقمة العشرين لمسيرة التطوير والتحديث في المملكة
تأتي رئاسة السعودية واستضافتها لقمة العشرين تتويجًا لجهود التحديث والتطوير التي تم تنفيذها خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث تشهد المملكة تحولات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي في سياق تنفيذ رؤية السعودية 2030، التي استطاعت أن تحقق تقدمًا ملحوظًا في مختلف المجالات.
وقد اتخذت المملكة سلسلة من الخطوات للنهوض بدور المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع ومشاركتها في جهود التنمية، كما خصصت الدولة موارد مالية لمشاريع مبتكرة في قطاع الطاقة، وإعادة التدوير وإدارة النفايات، ضمن مبادرات أساسية للتحول الاقتصادي مع إمكانية تقديم حلول أكثر كفاءة وربحية للصناعة.
كما أثبتت جائحة فيروس كورونا مرونة وقوة الاقتصاد السعودي، وأعادت التأكيد على التزام المملكة بزيادة مستويات النمو والازدهار من خلال التمكين والاستثمار في قطاعات جديدة، ولا سيما القطاعات التي ستقود التعافي العالمي وتحمي البلدان من الأوبئة في المستقبل.
وفي هذا الإطار، سلطت مجلة “فوربس” الأمريكية الضوء على جهود المملكة في ترسيخ أقدامها كلاعب عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث نوهت بالقمة العالمية للذكاء الاصطناعي، التي نظمتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، في عام رئاسة المملكة لمجموعة العشرين، باعتبارها ضرورة حتمية لأجندة الاقتصاد الرقمي.
ورأت المجلة أن المملكة العربية السعودية تسعى لمكانة رائدة عالميًّا في صناعة 4.0 (الاتجاه الحالي للأتمتة وتبادل البيانات في تقنيات التصنيع)، مع الاستفادة من الذكاء الاصطناعي من أجل مستقبل مستدام بالكامل وموجه رقميًّا.
ولفتت المجلة إلى تصريحات صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين في كلمته الافتتاحية للقمة، التي قال فيها إن عام 2020 بلا شك كان عامًا استثنائيًّا لاختبار إمكانات الذكاء الاصطناعي، مضيفًا: “أدعو جميع الحالمين والمبتكرين والمستثمرين والمفكرين للانضمام إلينا في المملكة لتحقيق طموحاتنا معًا وبناء نموذج رائد”.
كما كان موضوع الذكاء الاصطناعي محورًا للاهتمام في جدول أعمال رئاسة المملكة لمجموعة العشرين عبر تنظيم حوار مجموعة العشرين حول الذكاء الاصطناعي.
إدارة حكيمة قادرة على الإنجاز في أحلك الأزمات العالمية
وقد حرصت العديد من المجالس الاقتصادية والتجارية على التفاعل مع قمة العشرين عبر تقديم أوراق ودراسات إلى رئاسة القمة في ظل تكاتف الجهود لمعالجة الوضع الاستثنائي الناشئ عن أزمة كورونا، ومن أبرزها التقرير السنوي الصادر عن مجلس الاستقرار المالي، (تم إنشاؤه عام 2009، للمراقبة وتقديم التوصيات بشأن النظام المالي العالمي)، الذي اعتبر أن الإصلاحات التي تبنَّتْها مجموعة العشرين بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 خدمت النظام المالي جيدًا خلال جائحة كورونا، حيث سمحت مرونة البنوك الكبرى إلى حد كبير بامتصاص الصدمة الاقتصادية الكلية بدلًا من تضخيمها.
إلا أن التقرير رأى أنه على الرغم من ثمار تلك الإصلاحات بعد 12 عامًا من الأزمة، فإن تنفيذها غير مكتمل، حيث لا تزال هناك حاجة إلى جهد كبير لتفعيل أنظمة لشركات التأمين.
وشدد أيضًا على الحاجة إلى مزيد من العمل لتقييم الترابط في النظام المالي العالمي، وطبيعة نقاط الضعف في المؤسسات المالية غير المصرفية فيما يتعلق بضغوط السيولة.
وفي ذات الإطار، وجهت غرفة التجارة الدولية دعوة لقادة مجموعة العشرين للاستفادة من تمويل التجارة لحماية الشركات الصغيرة والمتوسطة على مستوى العالم من مخاطر الإفلاس بسبب جائحة كورونا ومن أجل تعزيز الانتعاش العالمي، وفقًا لصحيفة “بزنس إنسايدر” الأمريكية.
وجاءت تلك الدعوات في وقت تستخدم فيه المملكة العربية السعودية قيادتها لمجموعة العشرين من أجل تنسيق الجهود العالمية في مكافحة جائحة كورونا، فضلًا عن مواصلة التركيز على الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة وتحسين التجارة والاستثمار، بحسب صحيفة “جاكارتا بوست” الإندونيسية.
كما أبرزت وسائل إعلام دولية مثل وكالة رويترز، النجاحات المتحققة في ملف مواجهة المجموعة تحت رئاسة السعودية للتداعيات الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا على الدول الأكثر فقرًا، والتي كان آخرها اتفاق دول مجموعة العشرين في 13 نوفمبر الجاري، للمرة الأولى على نهج مشترك لإعادة هيكلة الديون الحكومية، حيث تركت أزمة كورونا بعض الدول الفقيرة في خطر التخلف عن السداد.
وجاء الاتفاق في الوقت الذي قالت فيه زامبيا إنها لن تدفع قسيمة سندات دولية متأخرة بحلول الموعد النهائي، ممَّا يجعلها أول دولة تتخلف عن سداد الديون السيادية في إفريقيا في ظل الوباء.
ومن المتوقع أن يتبع الدائنون الرئيسيون، بما في ذلك الصين، المبادئ التوجيهية المشتركة التي وافقت عليها مجموعة العشرين، والتي تحدد كيف يمكن تخفيض الديون التي تعتبر غير مستدامة، أو إعادة جدولتها.
وقد وصفت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، الاتفاق بأنه إنجاز تاريخي، مشيرة إلى أهمية زيادة مشاركة القطاع الخاص وتسريع الحلول في الحالات التي لا يمكن فيها تحمُّل الديون، محذرة من أن الدول الإفريقية وحدها تواجه فجوة تمويلية تبلغ 345 مليار دولار حتى عام 2023.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين تمكَّنت من إدارة أزمة وباء كورونا بطريقة نموذجية وبأكبر قدر من الكفاءة، واضطلعت بدور قيادي في ظرف تاريخي حالك، بالغ الصعوبة، إلا أن المملكة بما تمتلكه من قدرات وإمكانات سياسية واقتصادية استطاعت إدارة دفة الأمور وحشد الجهود على مستوى العالم لمواجهة تلك الأزمة غير المسبوقة وتغليب النهج التعاوني الدولي ليعلو على أي اختلافات.
كما أن رئاسة السعودية للمجموعة لأول مرة، شهادة تقدير دولية لجهود المملكة في التطوير والتحديث في شتى القطاعات وسعيها لتنويع الاقتصاد في ظل رؤية 2030.
ويعد الزخم المتحقق عبر الاجتماعات خلال عام رئاسة المملكة لمجموعة العشرين مثالًا آخر على الإدارة الحكيمة للمجموعة، إذ تم تنظيم أكثر من 100 فاعلية تناولت قضايا مهمة، من أبرزها الاقتصاد الرقمي والشمول المالي والذكاء الاصطناعي والصحة والمناخ والبيئة، فقد شكَّلت المملكة -عبر تلك الرئاسة- أجندة اهتمامات العالم ورسمت –ولا تزال ترسم- بالتعاون مع دول المجموعة آليات وسبل بلوغ الأهداف الخاصة بالتنمية وتعزيز التعاون وتحقيق الرخاء لكل شعوب العالم.
وقد هدفت المملكة -في ظل رئاستها للمجموعة بجانب جهود مكافحة فيروس كورونا وتداعياته- إلى تهيئة الظروف التي يتمكَّن فيها الجميع، خاصة النساء والشباب من العيش والعمل وتحقيق الازدهار، وتعزيز الجهود المشتركة لحماية الموارد العالمية، وأيضًا تبنِّي استراتيجيات جريئة وطويلة المدى لمشاركة منافع الابتكار والتقدم التكنولوجي.