مع توجُّه المزيد من الأشخاص إلى عالم الإنترنت من أجل الشراء والتسوُّق، برزت الحاجة إلى القدرة على تتبُّع هذه السلوكيات للحصول على البيانات التي تحتاج إليها الشركات والعلامات التجارية لزيادة أرباحها النهائية وتحسين تجربة المستهلكين الرقميين في الشراء.
وتدرك العلامات التجارية اليوم مدى قدرة المستهلك الرقمي على زعزعة قواعد المنافسة الحالية ودعم اللاعبين الجدد في أي صناعة، كما ترى في العالم الرقمي فُرَصًا بنَّاءة مثل التفاعل مع العملاء وتقديم خدمة فائقة لهم تلقى استحسانهم، ممَّا يجعل هؤلاء المستهلكين بمثابة سفراء يقومون بالترويج للمنتج أو الخدمة المقدمة.
أهمية سلوك المستهلك الرقمي وآليات تتبُّعِه
يعد سلوك المستهلك الرقمي أحد أهم المقاييس التي يمكن لأي جهة تسويق حديثة قياسها، ويرجع ذلك إلى البيانات، فسلوك المستهلك يوفر مستويات ضخمة من البيانات الدقيقة غير المتحيِّزة.
ووفقًا لأبحاث التسويق، يتمثل سلوك المستهلك الرقمي بشكل أساسي في أي شيء يفعله عبر الإنترنت، ويشمل الأجهزة التي يستخدمها الأشخاص، والمواقع التي يزورونها، والإعلانات التي يتفاعلون معها، والصفحات التي يتنقَّلون بينها.
ووفقًا لوكالة “perceptive” الأسترالية لأبحاث السوق، يوجد عدد من الطرق المختلفة التي يتم بها تسجيل سلوك المستهلك الرقمي، ولكن أكثرها شيوعًا وسهولة يتم من خلال ملفات تعريف الارتباط، وهي وحدات صغيرة من التعليمات البرمجية موجودة داخل البرنامج المكتوب لإنشاء الصفحة التي يزورها المستهلك الرقمي.
وتأتي ملفات تعريف الارتباط هذه في مجموعة متنوعة من الأنماط، ولكن جميعها تعمل بنفس الطريقة تقريبًا، فهي توفر بيانات الطرف الأول (التي يتم جمعها من موقع الويب الخاص بالشركة، والحملات الرقمية، ومستخدمي التطبيقات وغير ذلك) وبيانات الطرف الثالث (نقاط البيانات التي تم جمعها من جميع أنحاء الويب) بما يمكِّن من فهم نوع المحتوى الذي يشاركه الجمهور عبر الإنترنت.
ومع ذلك، فإن ملفات تعريف الارتباط ليست الطريقة الوحيدة لتتبُّع سلوك المستهلك الرقمي، إذ يمكن أيضًا تتبعه من خلال “معرَّفات الجلسة-Session IDs” وذاكرة التخزين المؤقت والمعلومات الاجتماعية.
خصائص المستهلك الرقمي
كانت علاقة الاستهلاك في الماضي شبه أحادية الجانب، حيث يحدث التفاعل الوحيد بين العلامة التجارية والمستهلك في وقت البيع، أي تبادل البضائع أو الخدمة مقابل المال، لكن الآن تغيَّر ذلك.
فقد غيَّر العصر الرقمي هذا الواقع إلى الأبد وأصبح المستهلكون يتمتعون بقدرٍ أكبر من القوة، لذلك يتم تكثيف استطلاعات الرأي الخاصة بالمستهلكين، بهدف إيجاد طرق لضمان فهمٍ أفضلَ لخصائص المستهلك الرقمي وطريقة أفضل لتلبية احتياجاتهم.
ووفقًا لموقع “ customer experience“، تتوافر 5 صفات أساسية في المستهلك الرقمي، هي كالتالي:
أكثر اطِّلاعًا: يبحث المستهلك الرقمي قبل الشراء، لذلك يجب على الشركات تقديم معلومات حول المنتجات أو الخدمات بشكل واضح وشفَّاف، فالمستهلك يبحث عادةً عن آراء الآخرين الذين اشتروا المنتج أو الخدمة.
وتشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن نحو 88% من المستهلكين يجرون بحثًا معمَّقًا حول المنتج والشركة قبل اتخاذ قرار الشراء النهائي.
أكثر ارتباطًا: يتم التواصل مع المستهلك الرقمي في أي وقت وفي أي مكان، ويرجع ذلك أساسًا إلى الاستخدام المتزايد للأجهزة المحمولة.
أقل اندفاعًا: فالمستهلك الرقمي حسَّاس تُجاه السعر، وممارسات الاستهلاك لديه أكثر تفكيرًا ووعيًا.
أكثر إلحاحًا: يريد المستهلك الرقمي من الشركات التحدُّث معه وتوضيح الشكوك بأسرع وقت ممكن، حتى في نفس الوقت الذي يتم فيه عرض تلك الشكوك.
أكثر تشاركية: عادة ما يشارك المستهلك الرقمي الآراء والخبرات، إذا كان المنتج جيدًا أم لا، وإذا كانت هناك أي مشكلة تتعلق بخدمة العملاء.
ومن خلال معرفة الآراء المختلفة السلبية أو الإيجابية، ستعرف الشركات ما إذا كانت تقدم خدمة جيدة، وما إذا كان المنتج يطابق ما يريده العملاء أو إذا كان بحاجة إلى تطوير.
وتشير شركة “Scriptutex” البرتغالية المتخصصة في التسويق الرقمي إلى 4 صفات أخرى للمستهلك الرقمي، على النحو التالي:
ديناميكي: يبحث عن التواصل المباشر والفوري والمتطور.
الخبرة: لديه القدرة على تقييم قابلية الاستخدام والتواصل والسعر وشروط الدفع وما إلى ذلك قبل الشراء.
متعدِّد القنوات: هناك العديد من نقاط الاتصال التي قد تستخدمها العلامات التجارية للتفاعل مع المستهلك الرقمي.
الاستدامة: لا يرغب المستهلك الرقمي في معرفة سمات المنتج فقط، بل يريد أيضًا معرفة الموقف الأخلاقي للعلامات التجارية، والبحث عن منتجات يستهلكها بشكل مستدام.
الهواتف الذكية ورواج ثقافة الاستهلاك الرقمي
بفضل الهواتف الذكية، أصبح بإمكان المستهلكين تنفيذ العديد من الإجراءات واتخاذ قرارات تتعلق بالشراء في أي وقت وفي أي مكان، فعلى سبيل المثال يشير مسح أنماط الحياة الذي أجرته شركة يورومونيتور إنترناشونال، إلى استخدام المستهلكين حول العالم هواتفهم الذكية في المتوسط لستة أنشطة يوميًّا في عام 2019، وكان الاستخدام الأكبر في الأسواق الناشئة.
ويقوم ثلثا المستهلكين المتصلين بالإنترنت بالوصول إلى الإنترنت على أجهزتهم المحمولة يوميًّا، ممَّا يجعل هذا النشاط هو الأعلى، استنادًا إلى نتائج الاستطلاع نفسه.
ويستخدم المستهلكون هذه الأجهزة بشكل متزايد في الأنشطة ذات الصلة بالتجارة، ووفقًا لتقديرات موقع فوربس الأمريكي، من المتوقع تنفيذ 72% من أنشطة التجارة الرقمية على مستوى العالم باستخدام جهاز محمول خلال العام الحالي، مشيرا إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتحديدًا الصين تقود هذه الثورة.
في المقابل، كان الانتقال إلى الهاتف المحمول من أجل أغراض الشراء أبطأ في العالم المتقدم، وتعتبر أستراليا والولايات المتحدة الأقرب لإجراء ما لا يقل عن نصف عمليات الشراء الرقمية عبر الهاتف المحمول بين الاقتصادات المتقدمة الرئيسية. ومن المتوقع أن يصل كلاهما إلى نقطة التحول هذه خلال العامين المقبلين.
بالإضافة إلى ذلك من المرجَّح أن يكون الذكاء الاصطناعي هو التكنولوجيا الأكثر تأثيرًا في الأعمال التجارية، وفقًا لاستطلاعٍ أجرته شركة يورومونيتور إنترناشونال، على المتخصصين في هذا المجال في نوفمبر 2019.
وقد صنف ما يقرب من 70% من المشاركين في الاستطلاع الذكاء الاصطناعي في مرتبة متقدمة على التقنيات الأخرى الجديرة بالاهتمام، بما في ذلك إنترنت الأشياء والسحابة والروبوتات والأتمتة والواقع المعزز والواقع الافتراضي.
وتشير نتائج الاستطلاع إلى أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى تحسين البحث في موقع الويب بنسبة 32% وتحسين مشاركة العملاء بنسبة 30%، كما توقعوا أن تتيح تقنية “الجيل الخامس- 5G” تجارب تجارة إلكترونية أكثر تخصيصًا، فوصول شبكة الجيل الخامس سيفتح الباب على مصراعيه من حيث قوة الحَوْسَبَة مع سرعات تنزيل تبلغ واحد جيجابت في الثانية، وستكون السرعة أسرع بعشر مرات ممَّا لدى مستهلكي اليوم الذين يستخدمون شبكة الجيل الرابع.
ويتوقع نحو 40% من المشاركين في الاستطلاع أن تؤدي تقنية الجيل الخامس إلى تجارب تجارة عبر الهاتف المحمول أكثر كفاءة وذات طابع شخصي وإمكانية وصول أفضل في المناطق المكتظة بالسكان.
الذكاء الاصطناعي وتحليل المشاعر الاجتماعية للمستهلك الرقمي
تعمل الشبكات الاجتماعية على تمكين الشركات والعلامات التجارية، وذلك من خلال توفير فرصة فريدة لقياس التصور العام للأشخاص والأفكار المختلفة، ويتضمن ذلك الوصول الحيوي إلى مشاعر المستهلكين بشأن العلامات التجارية والمنتجات وردود فعلهم أيضًا.
وتشير منصة “Analytics Insight” المعنية بالتقنيات القائمة على البيانات إلى أن تحليل المشاعر يعتبر إحدى الطرق التي يتم بها استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل أحاديث البيانات الاجتماعية، كما يعزز تحليل المشاعر اللغويات الحسابية ومعالجة اللغة الطبيعية لفك تشفير ما يقوله الأشخاص على قنوات التواصل الاجتماعي بذكاء.
ويتم استخدام تحليل المشاعر الاجتماعية بالفعل في الترجمة ومعالجة الكلمات وتطبيقات الاستجابة الصوتية التفاعلية، وتُعد “معالجة اللغة الطبيعية-Natural language processing” (تمكين أجهزة الكمبيوتر من استخراج المعنى من نص غير منظم) تقنية قوية يتم استخدامها لقراءة كل ما يَرِدُ عن العلامات التجارية وتصنيفها، وهو ما يتم تجميعه عبر صفحات الويب.
وتستفيد شركات وسائل التواصل الاجتماعي من الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الوسائط الاجتماعية لاكتشاف الاتجاهات، حيث تقوم “منصات الاستماع الاجتماعي–Social listening” المدعومة بالذكاء الاصطناعي بتحليل الاتجاهات والطريقة التي يتجه بها شعور المستهلك الرقمي.
وتتم عملية الاستماع الاجتماعي عبر خطوتين، الأولى من خلال مراقبة قنوات وسائل التواصل الاجتماعي للتعرف على الإشارات، إلى علامتك التجارية، والمنافسين، والمنتج.
أمَّا الخطوة الثانية فتتعلق بجمع هذه البيانات ثم تحليلها، والبحث عن أفضل الطرق لاستغلالها بما يتناسب مع العلامة التجارية بشكل عام.
وفي هذا الإطار، يتيح الذكاء الاصطناعي إمكانية معالجة البيانات في الوقت الفعلي بسرعة، حيث يتم جمع البيانات مباشرة من المستخدمين على المنصات الاجتماعية، فأداة الذكاء الاصطناعي تراقب تصوُّر المستهلك للعلامة التجارية، أو التحولات في مواقف المستهلكين، أو حتى أزمة العلاقات العامة المحتملة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن توافر الإنترنت عبر الهواتف الذكية وضع العالم في متناول المستهلكين وسمح لهم باستخدام هذه الأجهزة في شتى المجالات، بما في ذلك التجارة والخدمات.
وقد غيَّر العالم الرقمي سلوك الشراء، لذلك تحتاج العلامات التجارية إلى التكيُّف مع المستهلك الرقمي وعمليات اتخاذ القرار وخيارات الشراء الجديدة، حتى تتمكن من إيجاد أفضل الطرق للبيع وكسب ثقة المستهلكين الرقميين وسط العديد من التحديات.
ولعل أبرز التحديات هو تركيز المستهلك الرقمي بشكل كبير على سهولة الخدمة، فإذا لم يتم تحقيق ذلك، يستخدم الوسائط الرقمية لتقديم شكوى وإعلام الآخرين بالمشكلة، لذلك تحتاج العلامات التجارية إلى تقبُّل واقع جديد يتمثل في أن المستهلكين في العصر الرقمي باتوا أقل تسامحًا ممَّا كانوا عليه من قبل، لذلك على العلامات التجارية التصرُّف وفقًا لذلك الفهم من أجل الاحتفاظ بقاعدة عملائهم وإثرائها.