لفتت الأزمات العالمية خلال الأعوام القليلة الماضية الانتباه جيدًا إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أنشطة الإنذار والاستجابة، وتعد المشاركة العامة عبر منصات التواصل الاجتماعي مجالًا ناشئًا وواسع النطاق يتفاعل فيه المواطن الرقمي مع كلٍّ من الاستجابة الرسمية وغير الرسمية خلال الأزمات.
وقبل عشر سنوات ربما بدت منصات التواصل الاجتماعي كأنها ألعاب رقمية للمراهقين، لكن حاليًّا، بفضل الاعتماد الضخم للأفراد حول العالم على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تحوَّلت تلك المنصات إلى قنوات اتصال قابلة للاستخدام من جانب منظمات وكيانات ذات مصداقية.
كما تنامى دور وتأثير المواطن الرقمي عبر تلك المنصات، الذي قد يقوم بتسليط الضوء على أزمة لم تَنَلْ القدر الكافي من الاهتمام الرسمي أو غابت عن وسائل الإعلام التقليدية لسببٍ أو لآخر، وقد يصبح المصدر الأول للمعلومات في بعض الحالات مثل الكوارث الطبيعية.
منصات التواصل الاجتماعي والاستجابة للكوارث والأزمات
تشكِّل منصات التواصل الاجتماعي تقنية مهمة للاستجابة للكوارث والأزمات، ويرجع ذلك أساسًا إلى الأدوات التي تتيح التبادل المفتوح للمعلومات من خلال المحادثة والتفاعل، فنظرًا لقدراتها التواصلية وانتشارها المعاصر، لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي قناة اختيارية تستخدمها الحكومات فقط لنشر رسائلها التنظيمية، بل إنها تمنح الحكومات القدرة على جمع الآراء من الجمهور المعنيِّ في الوقت الفعلي، وهو أمر مهم بشكل خاص أثناء الأزمة.
ووفقًا لمجلة “Public Relations Review“، يسهم انخراط المواطنين في العالم الرقمي في عملية تحقيق المساءلة والشفافية وتحسين الثقة والديمقراطية، فالحكومات أدركت أنه من خلال نشر الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكنها زيادة الوصول للجمهور بتكلفة قليلة.
وعلاوة على ذلك، من بين الفوائد الرئيسية التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي، زيادة فرص المشاركة مع المواطنين، لأن فهم المسؤولين الحكوميين لتوقعات المواطنين عبر استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي مؤشر مهم في صنع السياسات، لا سيما في أوقات الأزمات.
في الوقت ذاته، برز مفهوم المواطنة الرقمية، الذي يعني، في أبسط تعريفاته، الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا من قِبَل أي شخص يستخدم أجهزة الكمبيوتر والإنترنت والأجهزة الرقمية للتواصل مع المجتمع على أي مستوى.
أمَّا عن الخصائص التي يتمتع بها المواطن الرقمي الصالح فتتمثل في:
- استخدام التكنولوجيا للمشاركة في الأنشطة التعليمية والثقافية والاقتصادية.
- تطوير واستخدم مهارات التفكير النقدي عبر الإنترنت.
- استغلال التكنولوجيا للتواصل مع الآخرين بطرق إيجابية وذات مغزى.
- احترام مفاهيم الخصوصية وحرية التعبير في العالم الرقمي.
- الإسهام في تعزيز قِيَم المواطنة الرقمية بشكل فعَّال.
وعلى النقيض، تنطوي المواطنة الرقمية السيئة على التنمُّر عبر الإنترنت والاستخدام غير المسؤول لوسائل التواصل الاجتماعي، ونقص عام في المعرفة حول كيفية استخدام الإنترنت بأمان.
أفضل الممارسات الحكومية عبر منصات التواصل الاجتماعي خلال الأزمات
لا يوفِّر نشر المعلومات المهمة على فيسبوك وتويتر قناةً إضافيةً فقط للوصول إلى المواطنين، ولكنه يُمكِّن المواطنين أيضًا من مشاركة الرسائل مع متابعيهم، ممَّا يساعد على توسيع نطاق وصول الرسائل إلى الآخرين في المجتمع.
وعلى سبيل المثال استخدمت السلطات الأمريكية وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة للتواصل مع الجمهور في أعقاب تفجيرات ماراثون بمدينة بوسطن في أوائل عام 2013. كما كان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قِبَل الحكومات المحلية في الولايات أمرًا حيويًّا أثناء حرائق الغابات بحديقة يوسمايت الوطنية التي تقع في جبال كاليفورنيا، والفيضانات التاريخية في كولورادو من أجل الحصول على معلومات حول الأزمات وبروتوكولات السلامة للمواطنين والأطراف المعنية الأخرى.
وفي هذا الإطار، تشير مجلة “American City & County” الأمريكية إلى مجموعة من أفضل الممارسات لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أثناء كارثة طبيعية أو حالة طوارئ مجتمعية، هي كالتالي:
- أن تكون الرسائل قصيرة وقابلة للتنفيذ، بحيث يتم تقديم ملاحظات محددة للمواطنين، مثل موقع ملاجئ الطوارئ أو تحديثات إغلاق الطرق.
- توفير أدوات تفاعلية مثل رابط لمحتوى أكثر تفصيلًا عن الحدث أو الأزمة واستخدام علامات التصنيف (#الهاشتاقات) لزيادة مدى وصول الرسالة.
- إرسال التحديثات بشكل متكرر، فمن أهم فوائد وسائل التواصل الاجتماعي تأثيرها الفوري، حيث سيبحث المواطنون عن تحديثات مستمرة، لذا يجب الاستمرار في إرسال التغريدات والمنشورات والمشاركات للأخبار والمعلومات والتعليمات القيِّمة بشكل متكرر.
- استخدام الحكومة لنظام إدارة المحتوى (CMS) مع نظام تحذير متكامل للطوارئ يسمح بإرسال الرسائل المهمة إلى جميع قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بها في خطوة واحدة.
- الاستمرار في مشاركة التحديثات حتى عند انتهاء الحدث، حيث سيكون المواطنون مهتمين بنفس القدر بالتعرُّف إلى مقدار التعافي وتحسُّن الوضع ومدى انفراج الأزمة.
المتطوِّعون الرقميون خلال الأزمات والكوارث الإنسانية
في ظل الأزمات الإنسانية الناجمة عن كوارث طبيعية، يلعب المواطنون الرقميون عبر مواقع التواصل الاجتماعي دورًا لافتًا في جهود المساعدة والإنقاذ، وهي المسألة التي حظيت باهتمام أكاديمي، وكذلك اهتمام المنظمات الإغاثية بُغيةَ التوصُّل لأفضل الأطر لتعزيز التعاون في أوقات الأزمات.
ويسلط ديميتري تشيرنوبروف، المحاضر في الإعلام والسياسة الدولية بجامعة شيفيلد البريطانية في دراسة منشورة بمجلة “Digital Journalism“ الضوء على دور المتطوِّعين الرقميين كمصدر جديد للمعلومات خلال الأزمات.
وتوضح الدراسة أن مسألة مطابقة الاحتياجات لجهود الإنقاذ والمساعدة في الوقت المناسب حتى تكون فعالة، تشكل أحد التحديات الرئيسية في الاستجابة الإنسانية خلال أوقات الكوارث والأزمات الإنسانية.
وتشير الدراسة إلى أنه في حين تقوم المنظمات الإنسانية في الغالب بتطوير استجابتها بناءً على طلبات السلطات المحلية وتقييماتها من قِبَل فِرَق التقييم الخاصة بها المرسَلَة إلى المناطق المتضررة، تستغرق عملية جمع معلومات دقيقة وقابلة للتنفيذ وقتًا، من بضع ساعات إلى عدة أسابيع كما هو الحال في المسوحات التي تجريها الأمم المتحدة لمساعدة المجتمعات المنكوبة بعد وقوع الأزمة.
ووفقًا للدراسة، فقد أتاحت التطورات الأخيرة في التقنيات الرقمية -بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي وإمكانية الوصول المتزايدة للأشخاص عبر تقنيات الهاتف المحمول، والأساليب الجديدة لتجميع ومعالجة البيانات أثناء حالات الطوارئ- عددًا من الفرص لكلٍّ من وسائل الإعلام ومنظمات الإغاثة في إعادة تشكيل استجابتها للأزمات الإنسانية.
وأحد أهم التغييرات القدرةُ على إشراك السكان أنفسهم في تحديد الاحتياجات ومواقع الأزمات والقيود المحلية وغيرها من المعلومات المهمة عبر قنوات الاتصال الرقمية، فمن خلال الوسائل الرقمية، أصبحت المجتمعات المتأثرة مصدرًا جديدًا للمعلومات -مصدرًا جماهيريًّا– حيث يمكن أن يوجِّه الاستجابة الإنسانية والتغطية الإعلامية.
وعلى هذا النحو، بات هناك اهتمام كبير بالفرص التي توفرها المصادر الرقمية والمشاركة العامة في جهود الإغاثة بين منظمات الإغاثة أيضًا، ودخلت رقمنة الأزمات بعمق في الرؤى الاستراتيجية للمنظمات الإنسانية، حيث يُركِّز تقرير الكوارث العالمية على ذلك البعد، ومن أمثلة ذلك تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في عام 2013 بعنوان “الإنسانية في عصر الشبكات”، فضلًا عن إصدار الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في العام ذاته تقريرًا تناول التكنولوجيا ومستقبل العمل الإنساني.
وتشير نوفاك جولي، أستاذة الإعلام في جامعة “واين ستيت” الأمريكية في دراسة بعنوان “أطر جديدة حول الأزمة.. صحافة المواطن تغيِّر ديناميكيات التواصل أثناء الأزمات”، إلى أن ثمة اعترافًا متزايدًا اليوم بالحاجة إلى “المتصلين الأوائل، على غرار المستجيبين الأوائل خلال الأزمات”.
كما أن إمكانات المتطوعين الرقميين كمصدر جديد للمعلومات يمكن أن تكون مصدرًا قيِّمًا، وهو ما يتضح من فوز صحيفة “Tuscaloosa News” بجائزة بوليتزر لعام 2012 لتغطية الأخبار العاجلة المتعلقة بالإعصار “ألاباما” عام2011، التي تضمنت رسم خرائط حية للأزمات بالتعاون مع متطوعين رقميين، فضلًا عن قيادة صحفيي وموقع “Watershed Post” الإخباري، متطوعين عبر الإنترنت، ممَّا أدى إلى تغطية مميزة لإعصار آيرين في عام 2011.
ويثير ذلك تساؤلًا مفاده: هل يمكن إدراج دور «المتطوِّعون الرقميون» تحت بند «صحافة المواطن»؟
تُعرِّف أغلب الأدبيات صحافة المواطن على أنها محتوى تم إنتاجه ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي من قِبَل شهود عيان على الأرض، فمكانة الشاهد هي ما يجعل قصص صحافة المواطن قوية ومرغوبة.
لكن نوريس ويندي، الباحثة بجامعة كولورادو بولدر الأمريكية ترى أن هذا الفهم لصحافة المواطن محدود للغاية ويجب توسيعه ليشمل العاملين في المجال الإنساني الرقمي لأن “المحتوى القائم على المعرفة الذي تنتجه هذه المجموعات هو صحافة المواطن على غرار الأخبار الاستقصائية القائمة على البيانات”.
وتأسيسًا على ما سبق، تتضح أهمية دمج وسائل التواصل الاجتماعي في خطة التواصل وقت الأزمات، والتعرُّف إلى المنصات الاجتماعية الرئيسية واستخدام الأدوات والتكنولوجيا لتسريع الاتصالات متعددة القنوات، وبذلك يكون هناك استعداد جيد لإبقاء المواطنين على اطِّلاع عند وقوع الكوارث.
ومن جهة أخرى، فإن تعزيز المواطنة الرقمية الصالحة يشكل أداة أساسية في مواجهة الأزمات، كما أنه قد يكون سبيلًا للوقاية من أنماط معينة من الأزمات المجتمعية، التي يكون منشؤها في مواقع التواصل الاجتماعي، فتراكم السلوك المسؤول والمنضبط من قِبَل المواطنين الرقميين يخلق وعيًا جمعيًّا يشكل حائط صد ضد أي محاولات تستهدف، على سبيل المثال لا الحصر، بَثَّ الفرقة وإثارة النعرات العرقية أو الطائفية.