بدأت انعكاسات قضية بوتيكات الكويتية في الانعكاس على واقع المشاهير الآخرين في الدول الخليجية المجاورة، حيث رُصدت عدة ردود أفعال مختلفة في المملكة حول الموضوع ذاته، حتى وصلت إلى أطروحات مجلس الشورى الذي دعا إلى سَنِّ عدة قوانين جديدة تضمن تنظيم عملية الإعلان لدى المشاهير بما يحقق المصلحة العامة، ويضبط الانفلات الإعلاني والاستهلاكي الذي نتج عن ظاهرة إعلانات المشاهير.
وللتقارب الكبير بين الشعبين الكويتي والسعودي في العادات والتقاليد أثار توجيه النيابة العامة في دولة الكويت اتهامات بغسيل الأموال لمنصة بوتيكات و10 من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، وصدور قرارات بالتحفُّظ على أموالهم ومنعهم من السفر، حالة من الترقُّب لدى الخليجيين عامة لما ستُسفِر عنه التحقيقات التي يرجح أن تطول عددًا كبيرًا من المشاهير على مستوى الخليج من المتعاملين مع تلك المنصة، وقد تفاعل معها الجماهير عبر إطلاق هاشتاق #غسيل_المشاهير.
حدود المسؤولية القانونية لدى مشاهير التواصل
وأدَّت القضية لطرح تساؤلات حول الضوابط الخاصة بالتسويق الإلكتروني وانخراط المشاهير والمؤثرين في تلك العملية وحدود المسؤولية القانونية والأخلاقية التي تقع على عاتقهم فيما يخص المحتوى أو المنتج الذي يقومون بالترويج له.
ويمكن القول بأن تلك المسؤولية تنبُع من الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في بناء جسور التواصل مع الآخرين وما يستتبع ذلك من امتلاك الشخصية المشهورة أو المؤثرة لرأس المال الاجتماعي، أي شبكة من العلاقات مع أفراد المجتمع تقوم على الاحترام والتضامن والثقة المتبادلة، وبلا شك يضع ذلك على عاتق تلك الشخصيات مسؤولية أخلاقية تُجاه متابعيهم.
وتعقيبًا على الأحداث التي طالت مشاهير التواصل الاجتماعي في دولة الكويت من تحقيقات وتحريات لتورُّطِهم في شبهات متعلقة بغسل الأموال ظهرت في مجلس الشورى تحذيرات من تجاوزات المشاهير، وضرورة ضبط إعلاناتهم ومداخلهم المادية بطرق مقننة تشرف عليها جهات حكومية.
ضوابط لمزاولة الأنشطة الإعلامية
وشهدت الجهات الإعلامية في المملكة مطالبات عدة باستحداث ضوابط مزاولة الأنشطة الإعلامية المثبتة بالتفصيل في موقع الوزارة الإلكتروني ضمن قائمة اللوائح والأنظمة، لتحقيق الغاية المنشودة من ضبط محتوى مواقع التواصل وما يقدمه المشاهير، وتفعيل طرق تشديد الرقابة ومحاسبة المتجاوزين وفق ضوابط ولوائح الأنظمة ذات الصلة والتحذير من خطر فوضى الإعلان وما قد يحدث من مخالفات قد تكون بابًا لجرائم كبرى مثل غسيل أموال، وبث محتوى غير أخلاقي ومخالف للدين والعقيدة ونظام الدولة وأخلاقيات المجتمع.
وركَّز أعضاء في مجلس الشورى على أهمية ضبط وتنظيم الدعاية والإعلان ومدى الحاجة لتشريع وحوكمة أنشطة مشاهير مواقع التواصل والإعلام الجديد، وتفعيل دور الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع ونظام المطبوعات والنشر، واللائحة التنفيذية لنشاط النشر الإلكتروني، ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية.
وتناول أعضاء الشورى قضايا الإعلانات التجارية وكونها ضمن الوسائل التي تلجأ إليها المنشآت بهدف الترويج للسلع أو الخدمات التي تنتجها وجذب المستهلك لكي يقدم على الشراء، من خلال توظيف بعض مشاهير التواصل الاجتماعي للقيام بالدعاية وتقديم إعلانات لسلعهم أو خدماتهم، بينما يشير الواقع إلى وجود عدد من الشكاوى نتيجة لقيام عدد من مشاهير التواصل الاجتماعي في المملكة بإعلانات ودعايات احتوت على أساليب للخداع والتضليل أثَّرت على المستهلكين في اتخاذ قراراتهم بالشراء لتلك المنتجات المعلَن عنها دون احتياجها بشكل حقيقي.
حَوْكَمة الدعاية والإعلان
ويشير عدد من أعضاء الشورى للحاجة الملحَّة إلى تعزيز حوكمة الدعاية والإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الإسراع بتفعيل نظام التجارة الإلكترونية الذي صدر مؤخرًا ليعزِّز موثوقية التجارة الإلكترونية لزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، وتحفيز وتطوير أنشطة التجارة الإلكترونية في الأسواق السعودية.
لوائح تنفيذية واضحة
وبرزت عدة أصوات مجتمعية بوسائل التواصل الاجتماعي تنادي بسَنِّ نظام موحد يضبط الإعلان والتسويق بكل أنواعه ويكون له لائحة تنفيذية واضحة ودقيقة، وهيئة متخصصة في معايير الإعلان والتسويق تكون هي المسؤولة عن هذا القطاع في تطويره وتطبيق النظام ولائحته بدلًا من تشتُّت الجهود وتوزيعها على أكثر من جهة حكومية، معتبرًا أن المطلبَيْن سيحقِّقان، بإذن الله، المَرْجُوَّ من تطوير القطاع والاستفادة منه اقتصاديًّا ليكون رافدًا مهمًّا من روافد تنمية المستقبل.
التنامي الطردي لاستخدام التواصل
وشكَّلت قضية منصة “بوتيكات” ناقوس خطر أكبر للتنامي الطردي في توسُّع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من مختلف الشرائح، وهو الانفلات الذي يتعلق بالتسويق الإلكتروني وظاهرة إعلانات مشاهير التواصل الاجتماعي، على الرغم من أن ذلك النمط والتوسع فيه بات ضرورة يحتِّمها التطوُّر التكنولوجي، فإن الجوانب السلبية في التجارب الحالية تطغى على الإيجابيات، ومن أبرزها عدم امتلاك المشاهير أو المؤثرين الوعيَ المطلوبَ للحكم على المنتج لضعف ثقافتهم في هذا المجال، وكذلك وضع الاعتبارات المادية والتركيز على الربح السريع كأولويةٍ، بغضِّ النظر عن طبيعة المنتج أو سلوك المنصة التي يتم التعامل معها، ممَّا أدى لمشاركتهم في حِيَلٍ تسويقية لخداع وتضليل المستهلك.
ضوابط قانونية للتجارة الإلكترونية
وقد تنبَّهت أجهزة الدولة في المملكة إلى خطورة تلك الظاهرة، فكان التحرُّك على الصعيد التشريعي عبر إصدار قانون التجارة الإلكترونية الذي نصَّ على 6 ضوابط للإعلان الإلكتروني، على النحو التالي:
- وضع بيان يوضح بشكل قاطع أن هذه السنابة أو التغريدة مادة إعلانية، ويكون هذا بتضمينه كلمة إعلان بشكل واضح جدًّا.
- منع الإعلان الإلكتروني لأي علامة تجارية لا يملك التاجر حقَّ استعمالها أو علامة مقلَّدَة.
- وجوب تضمُّن الإعلان الإلكتروني اسم المنتج واسم التاجر ووسائل الاتصال.
- تكون الإعلانات الإلكترونية وما تضمَّنَتْه من مواصفات أو عروض ملزِمة للتاجر وجزءًا من العقد.
- منع تضمين أي ادعاء يخدع المتسوِّق الإلكتروني.
- تمكين المتسوِّق الإلكتروني من طلب إيقاف إرسال الإعلانات إليه، سواء عن طريق الإيميل أو الرسائل النصية أو أي وسيلة إعلانية إلكترونية.
وتضمَّن القانون أحكامًا رادعة، إذ نص على غرامة تصل إلى مليون ريال وإيقاف مزاولة النشاط في حال مخالفة أحكام التجارة الإلكترونية بشكل عام، ويجرم أيضًا أي عرض أو بيان كاذب أو مصوغ بعباراتٍ، من شأنها أن تؤدي بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى خداع المستهلك أو تضليله.
لكن تبقى ثمة حاجة ملحة إلى وضع أُطُر تضبط أنشطة المشاهير والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في هذا المجال، عبر تنظيم العلاقة بين الجهة المعلنة والمشاهير بطريقة تتسم بالشفافية لضمان مكافحة أي تلاعب أو غش أو محاولات لتبييض الأموال تحت ستار التسويق والإعلانات الإلكترونية، لا سيما أن كثيرًا من المعلنين ليس لديهم تصريحات رسمية ويتلقَّوْن مبالغ طائلة دون توثيق ورصد ممَّا يجعل مثل هذا المناخ سهلًا للاختراق وتبادل الأموال بطرق غير مشروعة، إضافة إلى ما يحصل من تضليل في الرسالة الإعلانية، وكذلك استغلال الأطفال وتعريضهم للتنمُّر والاعتداء اللفظي.
ودعا متخصصون في الإعلام إلى ضرورة تقنين الانخراط في ممارسة العمل التسويقي لصالح الغير، من خلال الحصول على رخصة أو تصريح للقيام بذلك، ممَّا يسهِّل من عملية متابعة تلك الأنشطة على الصعيد المالي ومكافحة أي محاولات للتهرُّب الضريبي، وكذلك على الصعيد الرقابي لحماية المستهلك من التعرُّض للخداع والاحتيال من قِبَل هؤلاء المشاهير.