إنفوجرافيك

هل انتهى خطر تنظيم القاعدة؟

في ظل الانشغال العالمي الراهن بالحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الدولية على أسواق النفط والغاز والغذاء كونها تمثل تهديدًا للأمن العالمي، توارى الاهتمام بالعديد من الملفات الأخرى التي لطالما كانت على رأس قائمة التهديدات في أجندات الدوائر السياسية والأمنية الغربية، ومن أبرزها الهجمات الإرهابية التي تشنها التنظيمات المتطرفة وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، رغم تلقيه دفعة قوية في أغسطس الماضي مع استعادة حركة طالبان السيطرة على مقاليد السلطة في كابول بعد نحو 20 عامًا من الإطاحة بنظام طالبان عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001.

وفي هذا الإطار، سلطت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية الضوء على تلك المسألة في تقرير تحت عنوان “القاعدة لم تمت بعدُ”، نستعرضه على النحو التالي:

  • سيطرة القاعدة على النشاط الإرهابي حول العالم

أبرمت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب اتفاق سلام في عام 2020 مع حركة طالبان يستند إلى قطع علاقات الحركة مع تنظيم القاعدة، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، فالتنظيم يتمتع بضيافة طالبان مع احتفاظه بالتأثير الأيديولوجي والتشغيلي المهيمن على الجماعات الإرهابية من جنوب آسيا إلى شمال إفريقيا.

وقد رأى المسؤولون الأمريكيون، في كل من إدارتي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن أن تنظيم “داعش” الإرهابي وليس القاعدة هو أكبر تهديد  للولايات المتحدة، لكن رغم ما قيل بأن قوة القاعدة تداعت خاصة بعد القضاء على زعيم التنظيم أسامة بن لادن في غارة شنتها القوات الخاصة الأمريكية في باكستان عام 2011، إلا أن الحقيقة هي أن القاعدة لا تزال القوة الدافعة للإرهاب الدولي، أكثر مما كان عليه “داعش” ذو التركيز المحلي، كما أنها لا تزال مصدر إلهام  الجماعات الإرهابية من سوريا والصومال إلى مالي وموزمبيق. ووفقًا لما ذكره بيل روجيو، الزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أمام لجنة مجلس النواب الأمريكي للأمن الداخلي هذا العام فإن تنظيم القاعدة هو العدو الأكثر خطورة، مشيرا إلى أن التنظيم يواصل الحفاظ على حركات تمرد فعالة في عدة دول، ويستخدم هذه القواعد للتخطيط لشن هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

كما نوه بأن أيمن الظواهري، خليفة بن لادن في قيادة التنظيم، ما زال حيًّا ويسيطر على شبكة القاعدة العالمية، فبينما يتولى الجيل الجديد من قادة القاعدة والقادة العسكريين العمل الميداني تبقى عناصر رئيسية من الحرس القديم تتولى عملية توجيههم.

وفي ذات السياق، يشير الصحفي الباكستاني افتخار فردوس، الخبير في شؤون الإرهاب في جنوب آسيا إلى أن أعضاء القاعدة أبطأوا من تحركاتهم لكنهم يرسخون أقدامهم وينتظرون الوقت المناسب للتحرك.

  • “داعش” الخطر الأكبر من المنظور الأمريكي الرسمي

إن تنظيم القاعدة يعد الأب الروحي للإرهابيين الذين يريدون الإطاحة بالحكومات من الصين إلى نيجيريا ومن كشمير إلى اليمن. ومع ذلك، فإن تقييمًا رسميًا أمريكيًا لتهديد الإرهابيين المنبثق من أفغانستان يقلل من أهمية دور القاعدة كمصدر إلهام وموجه للجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم. وربما يعود ذلك جزئيًا إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قلّل من أهمية تنظيم القاعدة لتبرير الانسحاب العسكري من أفغانستان الصيف الماضي، والذي سلم البلاد إلى جماعة طالبان المتشددة.

وبحسب ورقة بحثية حديثة أعدها سفانديار مير  الباحث بالمعهد الأمريكي للسلام، فإن حركة طالبان لم تنفصل عن القاعدة، على الرغم من الضغط الهائل عليها للقيام بذلك، فما زال أعضاء من نواة القاعدة وفرع شبه القارة الهندية التابع للتنظيم موجودين في أفغانستان لمباشرة عدد من العمليات.

في مقابل تلك الرؤية، يصف تقرير صدر مؤخرًا عن وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” حول عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية في أفغانستان، تنظيم القاعدة بأنه “مقيَّد” من قبل حركة طالبان. ويشير التقرير إلى أن التهديد الرئيسي للولايات المتحدة يأتي الآن من تنظيم “داعش”، المعروف في أفغانستان باسم “داعش خراسان”، والذي استفاد من فتح السجون عندما اجتاحت طالبان أفغانستان في أغسطس من العام الماضي وجندت مقاتلين من طالبان والجيش الأفغاني السابق، بينما تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية لديه 200 مقاتل فقط، والقاعدة لديها عدد أقل من ذلك.

  • شبكة حقاني جسر لرابط قوي بين القاعدة وطالبان

وعلى هذا لم تتخذ حكومة الولايات المتحدة في الربع الأول من العام الحالي 2022 أي إجراءات لتعطيل أو إضعاف أنشطة تنظيم القاعدة في أفغانستان، بما في ذلك عملياته الإعلامية التي زادت منذ أغسطس 2021، لكن الأرقام ليست هي المشكلة، فبصمات القاعدة المميزة يمكن رصدها من باكستان إلى منطقة الساحل الإفريقي وهي: انتحاريون، عبوات ناسفة، عمليات خطف، وهجمات معقدة على غرار القوات شبه العسكرية.

وعلى سبيل المثال، نفذت حركة طالبان باكستان، التي تسعى إلى إقامة إمارة إسلامية في باكستان، أكثر من 100 هجوم في باكستان، العديد منها على غرار هجمات تنظيم القاعدة ضد أهداف عسكرية. وقد قامت إسلام آباد الغاضبة بقصف مواقع لتلك العناصر في مقاطعتي خوست وكونار الحدوديتين داخل الأراضي الأفغانية لإجبار حركة طالبان الأفغانية على وقف هذه الهجمات.

من جهة أخرى، يشير تقرير حديث لمعهد الاقتصاد والسلام، إلى أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة في المغرب العربي وغرب إفريقيا، كانت “المنظمة الإرهابية الأسرع نموًا” في العالم في عام 2021. ويقول أسفانديار مير من المعهد الأمريكي للسلام إن تلك الجماعة تهدد استقرار مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغرب إفريقيا بشكل كبير. كما أن الوضع في شرق إفريقيا ليس أفضل حالا، لذا وافق الرئيس بايدن في مايو الجاري على نشر قوات خاصة أمريكية في الصومال لمواجهة التهديد المتزايد هناك من حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة.

وفي هذا الإطار، يقول البرلماني الباكستاني محسن دوار إن تنظيم القاعدة والحركة الإسلامية لأوزباكستان وحركة تركستان الشرقية الإسلامية المناهضة للصين، وجماعة أنصار الله المعروفة باسم طالبان الطاجيكية، والعديد من الجماعات الأخرى تتمتع الآن بحماية دولة بلا حكومة (أفغانستان التي لا يعترف العالم بسلطة طالبان القائمة فيها حاليا)، متسائلا لماذا تتراجع قوة أي من هذه الجماعات؟

وفي قلب العلاقة بين طالبان والقاعدة، يوجد سراج الدين حقاني، زعيم شبكة حقاني المرتبطة بالقاعدة، وهي أكثر أذرع “طالبان” وحشية، كما أنه نائب زعيم طالبان ووزير الداخلية بالوكالة، فهو يسيطر على الأمن الداخلي والشؤون المالية.

وتنعكس الروابط بين جماعة حقاني والقاعدة منذ أجيال على قيادة طالبان، وهو ما يظهر في كون رفيقه تاجمير جواد، المعروف بقدرته على النفاذ عبر الجماعات الإرهابية لتجميع العناصر العملياتية، يشغل حاليًا منصب نائب رئيس وكالة المخابرات الأفغانية، وعمه خليل الرحمن حقاني هو الوزير المؤقت لشؤون اللاجئين. ويشار إلى أن هؤلاء الأشخاص بجانب نصف أعضاء حكومة طالبان، مصنفون كإرهابيين وهم مطلوبون من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي “إف.بي.إيه”.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن إعادة النظر في التقديرات الخاصة بتقييم مدى خطورة تنظيم القاعدة الإرهابي مسألة رئيسية تقع في القلب من الاستراتيجيات الخاصة بمكافحة الإرهاب، وتطويق نشاطه وتجفيف منابعه وحرمان عناصر وقيادات التنظيم من الملاذات الآمنة على غرار  ما توفره أفغانستان تحت سيطرة حركة طالبان.

 

زر الذهاب إلى الأعلى