تقارير

قانون “فصل الإخوان”.. خطوة مصرية جديدة لمكافحة الإرهاب

في خطوة جديدة على صعيد جهود مصر لمكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، صدّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الأول من شهر أغسطس الحالي، على القانون رقم 135 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1972 في شأن الفصل بغير الطريق التأديبي وقانون الخدمة المدنية، والذي عُرف إعلاميًا بـ”قانون فصل الإخوان”، حيث تتيح تلك التعديلات فصل أي موظف يتم إدراجه على قوائم الإرهاب.
ويعتبر هذا القانون أداة فعّالة في تطهير مؤسسات الدولة من الخلايا الإخوانية النائمة التي تتحرك وفق خطط محددة مرسومة من قبل التنظيم الدولي للإخوان لافتعال الأزمات في القطاعات الخدمية، وإفساد المنجزات التي تحققها الدولة، فضلًا عن الترويج للشائعات، وذلك كله بهدف إعاقة مسيرة التنمية التي تشهدها مصر منذ ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بحكم الجماعة الإرهابية وأسقطت مشروعهم، وشكلت ضربة قاصمة لتيار الإسلام السياسي وداعميه في منطقة الشرق الأوسط.
تغلغل الخلايا الإخوانية النائمة في الجهاز الإداري للدولة
عملت جماعة الإخوان الإرهابية منذ سبعينيات القرن الماضي على التغلغل في الجهاز الإداري للدولة، مع التركيز على بعض الوزارات والمؤسسات ومن أبرزها وزارة التربية والتعليم، والجامعات بهدف نشر فكر الجماعة الضال والتأثير في النشء، مما يسهل تجنيدهم وتوجيههم بما يخدم أهداف التنظيم الإرهابي، كما سعى الإخوان إلى التغلغل في بعض الوزارات الخدمية التي تتعامل مع ملايين المواطنين، حيث تقوم تلك العناصر الإخوانية الإرهابية بممارسة التخريب المادي، والتشويش على المنجزات، ونشر رسائل إحباط ويأس تستهدف بها إثارة الرأي العام.
وعلى هذا النحو، يمكن وصف تلك العناصر الإخوانية بأنها “ورم سرطاني” استشرى في بعض المؤسسات على مدار السنوات الماضية، وزاد نشاطها بشكل كبير خلال فترة حكم جماعة الإخوان، إذ كانت أخونة المؤسسات أحد أهم الأهداف التي سعت الجماعة إلى تحقيقها، لذلك في أعقاب ثورة 30 يونيو عام 2013، اتخذت الدولة المصرية خطوات فاعلة على صعيد مراجعة التعيينات التي أجريت في تلك الفترة، وأحالت تلك الملفات إلى الجهات المختصة للتعامل معها بمقتضى القانون، فعلى سبيل المثال أعلنت وزارة التربية في عام 2019 فصل 1070 معلماً بسبب انتمائهم للإخوان وصدور أحكام قضائية ضدهم.
وكان المسار الخاص بفصل الموظفين المنتمين للجماعة الإرهابية يستغرق وفقًا للإجراءات والقوانين المنظمة للخدمة المدنية مدة زمنية طويلة، لذا كان يتم التعامل مع الخلايا النائمة من خلال نقلهم إلى وظائف إدارية.
تحركات حكومية وبرلمانية لمحاصرة العناصر الإخوانية في الجهاز الإداري
وقد سلط مسؤولون تنفيذيون وبرلمانيون الضوء على الإشكالية الخاصة بالتعامل مع ملف الموظفين المنتمين للجماعة الإرهابية داخل الجهاز الإداري للدولة، ففي هذا الإطار طالب وزير النقل، المهندس كامل الوزير، مجلس النواب مطلع شهر مايو الماضي، بأهمية إصدار تشريع يقضي بمحاسبة المنتمين للإخوان من الموظفين في الدولة، كاشفًا عن أن هيئة السكة الحديد بها عناصر متطرفة تنتمي لجماعة الإخوان الإرهابية، مشيرًا إلى أن عدد تلك العناصر المتطرفة يبلغ نحو 268 فردًا، من بينهم 95% من جماعة الإخوان، منهم من يعملون في ورش لإصلاح العربات وهي منطقة حساسة للغاية، إضافة إلى قائدي قطارات.
وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت حوادث قطارات دامية، حيث قتل 20 شخصًا وأصيب نحو 200 آخرين جراء حادث تصادم قطارين في صعيد مصر في مارس الماضي، وفي الشهر التالي قتل 23 شخصًا في حادث قطار آخر في الدلتا.
وإثر ذلك، تقدم 10 أعضاء بمجلس النواب بمشروع قانون يستهدف فصل الموظفين المنتمين لتنظيم الإخوان والعناصر الإرهابية من الجهاز الإداري للدولة.
معايير وآليات تطبيق قانون “فصل الإخوان”
وفي 12 يوليو الماضي، وافق مجلس النواب المصري بشكل نهائي على مشروع القانون، وقد صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي في 1 أغسطس الحالي على القانون، الذي تسري أحكامه على العاملين بوحدات الجهاز الإداري بالدولة، وهي الوزارات والمصالح الحكومية، وحدات الإدارة المحلية، الهيئات العامة، الأجهزة التي لها موازنات خاصة، العاملون الذين تنظم شؤون توظفهم قوانين أو لوائح خاصة، والعاملون بشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام والجهات المخاطبة بأحكام قانون الخدمة المدنية.
ووفقًا لنص للقانون، يحق للحكومة فصل الموظف بغير الطريق التأديبي في 4 حالات وهي: إذا أخل بواجباته الوظيفية بما من شأنه الإضرار الجسيم بمرفق عام بالدولة أو بمصالحها الاقتصادية، أو إذا قامت بشأنه قرائن جدية على ما يمس الأمن القومي للبلاد وسلامتها، ويعد إدراج العامل على “قوائم الإرهاب” من تلك القرائن، أو إذا فقد الثقة والاعتبار، أو إذا فقد سببًا أو أكثر من أسباب صلاحية شغل الوظيفة التي يشغلها، عدا الأسباب الصحية.
وبموجب القانون الجديد، يخطر العامل بقرار الفصل، ولا يترتب على هذا الفصل حرمانه من المعاش أو المكافأة، مع عدم الإخلال بالضمانات الدستورية المقررة لبعض الفئات في مواجهة العزل من الوظيفة.
ويتضح من ذلك أن هذا القانون يعتبر أداة لإبعاد الموظف أو العامل الذي يمثل خطورة على بيئة العمل من خلال الفصل الآني الذي يتلافى الإجراءات الروتينية التي تطيل أمد استمرار الشخص في الوظيفة وما يصاحب ذلك من مخاطر، كما أنه يسهل استكمال حلقة الفراغ التي كانت تنقص قانون الكيانات الإرهابية الصادر عام 2015، والذي كان يعمل ضد الكيانات فقط وليس الأشخاص.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن سعي بعض الأصوات الإخوانية للعب على وتر المظلومية المعتاد خاصة في الإعلام الغربي وتشويه صورة القانون، لن يجدي نفعا لسببين رئيسيين الأول ذاتي يتعلق بالقانون الذي لا يشوبه أي عوار دستوري، فقد جاء متوافقًا مع أحكام الدستور لا سيما المادة 237 التي أوجبت على الدولة محاربة الإرهاب بمختلف أشكاله. كما أن صياغة القانون جاءت متوازنة، حيث راعت الحفاظ على الأمن القومي ومصالح الدولة، وأيضًا الأبعاد الاجتماعية فعلى سبيل المثال لم تحرم الموظف المفصول من المعاش.
أما السبب الثاني فيتعلق بافتقاد الإخوان للحجة في التسويق لمزاعم التعرض للظلم، فالجماعة ذاتها باركت فصل عشرات الآلاف من الموظفين في تركيا بمراسيم رئاسية بدعوى تأييدهم لمحاولة الانقلاب المزعومة في عام 2016، وذلك دون خضوعهم لتحقيقات أو الاستناد إلى أساس دستوري وقانوني.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن قانون الفصل بغير الطريق التأديبي المعروف إعلاميًا بقانون “فصل الإخوان” يُشكل إضافة قوية لترسانة الأدوات التشريعية التي تعد مكونًا رئيسيًا في الاستراتيجية التي تنتهجها مصر لمكافحة الإرهاب، فالحكومة المصرية تتبنى مقاربة شاملة للتصدي للإرهاب تتكامل فيها الأدوات الأمنية والتشريعية والأبعاد الدينية والفكرية والثقافية، في ظل حرب شرسة ضد التطرف. كما يُشكل القانون خطوة متقدمة على صعيد تجفيف منابع الإرهاب من خلال محاصرة الخلايا الإخوانية النائمة في الجهاز الإداري بالدولة، الذين يمارسون تحريضًا مستمرًا ضد الدولة.
وأخيرًا، يبقى التأكيد على أن القانون يشمل كافة التنظيمات المتطرفة فلا يقتصر على الإخوان فقط، كما أنه يستهدف الحفاظ على الأمن القومي ومكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية ضمانًا لحسن أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام.

زر الذهاب إلى الأعلى