تقارير

إعلاناتُ “الفوركس”.. طُرق التلاعب وسُبل الوقاية

تُجري أسواق الفوركس حيث الاتجار في العملات والمعادن، تعاملات بمليارات الدولارات يوميًّا، ونظرًا لكونه من أكبر الأسواق وأكثرها سيولةً في العالم، فإنه يُوفر فرصًا تجاريةً رابحةً لا حصر لها للمتداولين في جميع أنحاء العالم، وأيضًا فرصة للوسطاء عديمي الضمير للاستفادة منها.
ويُشكل تحديد الوسيط تحديًّا حقيقيًّا للعملاء ما يحتم عليهم البحث عن الشركة قبل إيداع الأموال للتداول، لا سيما مع رواج حملات تسويقية وإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تَعِدُ العملاء بالثراء السريع عن طريق الاتجار والتداول في العملات من خلال الفوركس.
ويلجأ مُروِّجو تلك الإعلانات إلى استخدام أسماء وشخصيات عامة في إعلاناتهم من أجل جذب العملاء المُحتمَلين، فضلًا عن نشر قصص تسيل لعاب الراغبين في الربح، وذلك في إطار جهد منسق وممنهج لخداع الأفراد.
طرقُ خداع العملاء في تجارة الفوركس
وفقًا لموقع “Get smarter about money” المتخصص في الاستثمار، تُعتبر سوق الصرف الأجنبي (فوركس) أكثر الأسواق المالية سيولةً في العالم، حيث يقوم المستثمرون بشراء وبيع العملات بهدف جني الأموال من التغيرات في أسعار الصرف، لكنّ التداول في العملات الأجنبية يمكن أن يكون محفوفًا بالمخاطر.
بالإضافة إلى ذلك، قد تكون بعض مُخطَّطات تداول الفوركس غير قانونية أو احتيالية؛ نظرًا لأن خدمات تداول العملات الأجنبية غالبًا ما يتم تشغيلها عبر الإنترنت من بلد آخر، فقد تقوم الشركات غير الخاضعة للتنظيم بتسويق خدماتها، وانتهاك القواعد المعمول بها في الدولة المقيم بها العميل.
وتؤدي “حيل الاستثمار- investment scams” إلى دفع الجمهور إلى ضح الأموال مقابل استثمار مشكوك فيه أو استثمار غير موجود على الإطلاق.
ويطرح موقع “forexbrokers” المتخصص في تجارة الفوركس حزمة من الأسئلة التي يجب على كل عميل التفكير فيها قبل الانخراط في أي معاملة مع وسيط أو شركة في تجارة الفوركس، حتى يتمكن من تجنب الوقوع في فخ النصب، وتتمثل فيما يلي: هل الوسيط خاضع لإشراف من جهة تنظيمية؟ وإذا كان كذلك ما مدى الموثوقية فيه؟ أيضًا هل يقدم الوسيط أرباحًا أو مكافآت لفتح حساب؟ هل تم تضمين أي معلومات موثوقة حول الشركة في موقعها على الإنترنت، مثل تاريخ الشركة أو بياناتها المالية أو عنوان المقر الرئيسي أو ما شابه؟
بالإضافة إلى مدى إمكانية التحقق من صحة البيانات الواردة على الموقع لا سيما إذا تم الاستشهاد بجوائز؟ وأخيرًا إذا تم الترويج للشركة عبر تقديمها رعايةً لرياضيين، فهل هذا يعد كافيًا لضمان الوثوق بالشركة؟
ووفقًا لستيفن هاتزاكيس الخبير المتخصص في التكنولوجيا المالية والتشفير، فإن الوسيط الخاضع للتنظيم مُلزَم بتضمين إخلاء المسؤولية عن المخاطر، ونشر المعلومات التنظيمية في الجزء السفلي من جميع صفحات موقعه على الإنترنت.
وينوه هاتزاكيس بأن الوسطاء المحتالين يمكن كشفهم بسهولة، فغالبًا ما يُقدِّمون عروضًا تكشف عن الاحتيال ومنها تحقيق ربح 50 دولارًا في اليوم من استثمار بقيمة 250 دولارًا، مؤكدًا أن وسطاء الفوركس لا يَعِدُون بحجم العوائد على الإطلاق، سواء كانت صغيرةً أو كبيرةً.
كما تشمل ممارسات الاحتيال الشائعة الأخرى الصور الإعلانية للسيارات باهظة الثمن التي يتم توزيعها على المستثمرين المحظوظين، فكل هذا يُمثل مؤشراتٍ واضحةً على عمليات الاحتيال، فلا يمكن بأي منطق أن يربح الشخص سيارة قيمتها 40 ألف دولار بإيداع ألفي دولار، أو يحقق ربحًا بنسبة 96% في 30 ثانية!
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن معظم المناطق حول العالم التي تخضع فيها تجارة الفوركس للتنظيم، لا يُسمح فيها بالمكافآت الترويجية لفتح حساب جديد، لكنْ هناك استثناءان في الولايات المتحدة (للمواطنين الأمريكيين فقط) وآسيا.
ويُوصي هاتزاكيس بتجنب التعامل مع شركة الفوركس إذا تعذَّر العثور على معلومات وتعليقات موثوقة حول الشركة، بما في ذلك فريقها التنفيذي أو موقع نشاطها أو تاريخ الشركة أو أي معلومات مالية، فضلًا عن عدم الوثوق في وسيط فوركس تلقائيًّا لمجرد أنه يرعى نادي كرة قدم أو رياضيًّا محترفًا.
جهودُ المملكة العربية السعودية في مكافحة الاحتيال عبر أسواق الفوركس
لقد خَطَت المملكة العربية السعودية خُطواتٍ كبيرةً في مجال مكافحة الاحتيال عبر أسواق الفوركس، عبر تضافر جهود عدد من الوزارات والهيئات والجهات المعنية الكل في نطاق تخصصه، يجمعهم هدف واحد هو حماية المواطن، والحفاظ على أمواله ومدخراته من التعرض للعبث من قبل المحتالين.
وتجلَّت تلك الجهود في حملة توعوية أطلقتها هيئة السوق المالية والبنك المركزي (مؤسسة النقد العربي السعودي آنذاك) ووزارة التجارة والاستثمار عام 2017 للتحذير من التعامل مع المواقع الإلكترونية المشبوهة التي تُسوِّق للاستثمار في الأوراق المالية، ومنها فوركس، دون حصولها على التراخيص المطلوبة من الجهات ذات الاختصاص.
وتتعامل هيئة السوق المالية مع المواقع التي تروج لنشاط الفوركس عبر ثلاثة مسارات، يتمثّل الأول في توعية المواطنين بمخالفات هذه المواقع ومخاطر الاستثمار فيها. أما المسار الثاني فيتمثل في التنسيق مع الجهات الحكومية المختصة للحد من الظاهرة من خلال عدم الترخيص للمواقع، أو الشركات التي تعمل فيها، وعدم السماح لها بالإعلان أو الرعاية للجهات أو المناسبات في المملكة.
ويتعلق المسار الثالث بدعوة الأشخاص الذين يُعرَض عليهم هذا الاستثمار، أو يصلهم تسويق بذلك من شخص في المملكة إلى إبلاغ هيئة السوق المالية بذلك؛ لتتخذ الإجراءات اللازمة مع الجهات ذات العلاقة وفقًا للاختصاص.
وفي العام التالي أي عام 2018 جاء الأمر السامي بالموافقـة علــى مــا وجــه بــه مجلــس الــوزراء مــن تشــكيل لجنــة دائمــة للتوعيــة والتحذيـر مـن نشـاط المتاجرة بالأوراق المالية في سوق العملات الأجنبية “الفوركس” غير المرخص لها، ليضفي ذلك القرار الحكيم بُعدًا مؤسسيًّا على جهود الدولة في هذا المجال، ويُؤطر عملية التعاون بين مختلف أطراف اللجنة، التي ترأسها هيئـة السـوق الماليـة، وتضم في عضويـتها كُلًّا من وزارة الداخليـة والثقافـة والإعلام، والتجـارة والاسـتثمار، ومؤسسـة النقـد العربـي السـعودي (البنك المركزي السعودي حاليا).
واستطاعت اللجنة من خلال ممارسة مهامها رصد طرق وأساليب جديدة تمتهنها شركات وأشخاص غير مرخصين للترويج عن أعمالهم غير المشروعة، ما أسهم في توعية المواطنين والحفاظ على أموالهم. وتمثلت الطرق التي تلجأ إليها الشركات والوسطاء للتلاعب في ما يلي:
– استخدامُ شعارات جهات حكومية وكذلك شعارات بعض الجهات الخاصة.
– نشرُ تصريحات غير صحيحة لمسؤولين حكوميين وشخصيات عامة على شكل إعلانات تستهدف تضليل المواطنين والمقيمين، وإيهامهم بمشروعية التعاملات المالية لهذه الجهات المشبوهة.
– اختلاقُ تقارير وعناوين صحفية مُضلِّلة تتضمن صورًا لمسؤولين حكوميين، والدعوة للتسجيل في بعض الخدمات المزعوم أنها حكومية.
– كما يستخدم القائمون على هذه الإعلانات المضلِّلة قصصًا وهمية تظهر في مواقع إلكترونية معروفة في المملكة، مستغلين كثرة زوار هذه المواقع، ويضعون ردوداً لقصصهم؛ لإيهامهم بمشروعية أعمالهم.
– استغلالُ منصات التواصل الاجتماعي إما باستخدام الترويج المدفوع، وإما عن طريق الترويج من خلال شخصيات تمتلك حضورًا عاليًا في وسائل التواصل الاجتماعي، بما يوحي للعامة أن هذا النشاط يحظى بالمشروعية النظامية.

تجاربُ دوليةٌ لتنظيم إعلانات وتجارة الفوركس
وقد استشعرت عدة دول خطورة إعلانات الفوركس، وعمدت إلى وضع ضوابط تحكم تلك الإعلانات التي تحظى بانتشار واسع في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من مُنطلق أن تنظيم إعلانات الفوركس سيحد من عدد الأشخاص الذين يتم خداعهم من قبل الوسطاء المحتالين.
ومن أبرز تلك الدول فرنسا، حيث وضعت الهيئة المعنية بتنظيم الإعلان مجموعة من القواعد لإعلانات المنتجات المالية بما في ذلك الفوركس، وتشمل القواعد أن تكون إعلانات المنتجات المالية ظاهرةً كإعلان على وجه التحديد، بجانب إظهار تسعير الخدمات بوضوح، وأن تكون إعلانات مفهومةً وتتسم بالمسؤولية تجاه المجتمع، بحيث تخلو من المعلومات المُضلِّلة، ولا تستهدف صغار السن.
كما قام المنظمون حول العالم بتشديد اللوائح لحماية المتداولين في السنوات الأخيرة، مع زيادة الرقابة من الهيئات التنظيمية؛ مثل هيئة الأوراق والبورصات المالية في الولايات المتحدة، والهيئة الرقابية المالية في بريطانيا، حيث يطلبون من وسطاء الفوركس الاحتفاظ بأموال عملائهم في حسابات منفصلة لحمايتها.

وأخيرًا.. يُمكن القول بأن اللوائح المنظمة لعمل وسيط الفوركس تُعد أداةً ضروريةً لضمان عملية تداول منضبطة مع وسيط يلتزم بمعايير العمل القياسية، ويعمل لصالح العميل، كما تُوفر قدرًا كبيرًا من الحماية المالية للمستثمرين في تلك الأسواق.
وتشتدُّ الحاجة إلى تلك اللوائح من جانب الجهات التنظيمية المحلية في ظل الطابع الخاص الذي تتسم به سوق الفوركس، فهي تتسم بكونها عالية الاستدانة وغير منظَّمة، مع عدم وجود هيئة تنظيمية دولية حقيقية تُراقب تداول العملات في جميع أنحاء العالم.
ولذلك من الضروري قبل استثمار أموال حقيقية في سوق الفوركس مع وسيط معين، أن يقوم العميل بالتحقق من الوضع التنظيمي للوسيط سواء كان شركة أو شخصًا.
ويبقى التأكيد على أن المملكة كانت من أوائل الدول التي أدركت خطورة تلك السوق، وسعت نحو اتخاذ خُطوات فاعلة على صعيد حماية المواطنين من إعلانات الفوركس المُضلِّلة.

زر الذهاب إلى الأعلى