انطلقت فكرة مواقع التواصل الاجتماعي من الاعتماد على ميزة أساسية تُميز كلّ تطبيق أو منصة عن غيرها، ففي الوقت الذي اعتمد فيه موقع التدوينات القصيرة تويتر على الكلمات، وموقع إنستغرام على الصور، فإن تطبيق “كلوب هاوس- Clubhouse” اعتمد على الصوت؛ ليُمثل نموذجًا لتطبيقات الدردشة الصوتية الجماعية.
ويُعد التطبيق الآخذ في النمو بوتيرة متسارعة أشبه بالبودكاست الشخصي، حيث يُتيح للمستخدم مشاركة الأفكار ويُمكِّن المستمعين من طرح الأسئلة، ويتم تنظيم المنصة كغرفة تمتلئ بالمستخدمين، ثم تختفي بمجرد إغلاقها من قِبل المُضيف.
أما قاعدة المستخدمين فتتألف من مزيج متنوع من رواد الأعمال والمستثمرين والفنانين من جميع الأعمار، يناقشون مجموعةً واسعةً من الموضوعات.
ورغم المزايا غير المسبوقة التي يوفرها التطبيق من حيث سهولة التواصل، والاستفادة المتحققة للمستخدمين لا سيما في مجالات الأعمال، فإنه شأنه شأن باقي تطبيقات التواصل الاجتماعي يواجه تحديَيْن رئيسييْن: الأول ذو صلة بضمان مشروعية المحتوى، والثاني يتعلق بمراعاة الخصوصية في التعامل مع بيانات المستخدمين.
نشأةُ التطبيق وطبيعته النخبوية وطريقة استخدامه
تعود بداية ظهور التطبيق الوليد إلى أبريل 2020، حيث أطلقته شركة “Alpha Exploration Co” للمستهلكين في الولايات المتحدة، واحتضنه كبار رجال الأعمال والمشاهير؛ مثل الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري، وسرعان ما توسعت قاعدة مستخدميه منذ ذلك الحين، لتشمل السياسيين والموسيقيين مثل مغني الراب الأمريكي ميك ميل وآخرين.
ويبلغ إجمالي عدد المستخدمين النشطين يوميًّا في “كلوب هاوس- Clubhouse” حوالي 800 ألف؛ وفقًا لشركة Apptopia”” المعنيّة بتعقب تنزيلات تطبيقات الجوال. وتزداد شعبيته خارج الولايات المتحدة مع مستخدمين في ألمانيا والهند والنمسا وسويسرا وأستراليا ونيجيريا، فعلى سبيل المثال كان التطبيق الأكثر تحميلًا في ألمانيا خلال الأسبوع الثالث من يناير الجاري، وفقًا لإذاعة دويتشه فيله الألمانية.
ويُعرف موقع Clubhouse على الإنترنت التطبيق بأنه مكان للقاء الأصدقاء والأشخاص الجدد حول العالم؛ لرواية القصص وطرح الأسئلة، والمناقشة والتعلم، وإجراء محادثات مُرتجلة حول آلاف الموضوعات المختلفة.
ولا يزال التطبيق في مرحلة تجريبية، كما أنه متاح فقط لمستخدمي هواتف أيفون وهو ما يغذي طبيعته الحصرية، لذلك لا يستطيع مستخدمو نظام تشغيل أندرويد استخدام التطبيق في الوقت الحالي.
وتوجد طريقتان فقط يمكن من خلالهما الدخول إلى التطبيق، وكلاهما يتطلب علاقاتٍ وثيقةً مع الأشخاص الموجودين بالفعل عليه.
الطريقة الأولى تتمثل في تلقي دعوة شخصية، فعندما ينضم شخص ما إلى التطبيق يتم منحه تلقائيًّا دعوةً واحدةً يمكنه إرسالها إلى شخص ما باستخدام رقم هاتفه، وهذا يعني أن الأعضاء سيرسلون دعوات إلى الأشخاص الذين تربطهم صلة وثيقة بهم؛ كالأهل والأصدقاء وليس مجرد المعارف.
ومع مُضي فترة من الوقت على وجود المستخدم وقيامه باستضافة غرف والتحدث فيها يمكنه كسب المزيد من الدعوات لإرسالها.
أما عن الطريقة الثانية، فتتمثل في زيارة موقع Clubhouse الإلكتروني، والضغط على خيار تنزيل التطبيق من “متجر آبل- App Store” حتى تتمكن من حجز اسم المستخدم الخاص بك، وبناءً على عدد أصدقائك الذين يستخدمون التطبيق بالفعل، قد يتلقون إشعارًا يُعلْمهم أنك حجزت اسم مستخدم وقمت بتنزيل التطبيق، وعندئذ يحصلون على خيار لتوجيهك حتى إذا لم تكن لديهم دعوة رسمية لإرسالها.
وبمجرد دخول المستخدم إلى التطبيق، يكون بإمكانه استضافة الغرف أو الانضمام إليها، بجانب خيار إنشاء نادٍ، والذي يسمح للمستخدم بأن يكون لديه أعضاء يمكنهم استضافة جميع الغرف المتعلقة بالموضوع تحت اسم النادي، وفقًا لموقع “allwork.space”.
ونظرًا لكثافة طلبات إنشاء الأندية، يطلب التطبيق من المستخدم استضافة ثلاث غرف حول الموضوع الذي يرغب في إنشاء نادٍ حوله، قبل طلب اسم النادي.
ويُمكن للمستمعين الضغط على أيقونة (شعار رفع اليد) لطلب الحديث، لكنّ المُضيف يُقرر من يُسمح له بالتحدث، ويُشارك المئات أو حتى الآلاف في المناقشات حول الموضوعات الشائعة أو مع مضيفين من المشاهير، ولكن لا توجد وظيفة للدردشة، أو تسجيل “الإعجاب”، أو التعليق على المناقشات.
ووفقًا لموقع ” Social Media Examiner” المتخصص في شؤون تطبيقات التواصل الاجتماعي يتميز تطبيق ” Clubhouse” بمجموعة من السمات، أبرزها:
يوفر القدرة على الاتصال والتفاعل مع محترفين خارج مجال عملك أو تخصصك.
استبدال خوارزميات الوسائط الاجتماعية التي تساعد الأشخاص على إنشاء غرف صدى على المنصات الأخرى بواسطة غرف عفوية مليئة بالدردشات، التي تُبث بشكل مباشر حول مجموعة متنوعة من الموضوعات.
يتمتع مستخدمو التطبيق بالحماية الشديدة، فلديهم حرية الاختيار بشأن من يدعون للانضمام إلى التطبيق معهم.
يُركز التطبيق على العامل الذي تتجاهله المنصات الأخرى إلى حد كبير، ألا وهو الصوت، فبينما تركز الأنظمة الأساسية الأخرى على الوسائط المرئية والمكتوبة (مثل النص والصور ومقاطع الفيديو)، فإن كلوب هاوس يُحوّل الأنظار إلى التركيز على التنسيق الصوتي فقط.
التطبيقُ يجتذبُ مليار دولار استثمارات مرتقبة.. ويُسهّل التواصل مع رواد الأعمال
وبحسب تقرير لشركة “The Information” المعنيّة بالإعلام الرقمي، هناك ثمة سباق محموم حاليًا حول الاستثمار في تطبيق “كلوب هاوس- Clubhouse”، حيث تواصل مستثمرون مع مؤسسي التطبيق في الأسابيع الأخيرة بغرض شراء أسهم بتقييم ضمني قدره مليار دولار، ويُمثل الرقم زيادةً بمعدل 10 أضعاف التقييم الذي أُجري للتطبيق قبل ثمانية أشهر.
وتُشكل هذه الصفقة الجديدة وضعًا غير مألوف بالنسبة لتطبيق تواصل اجتماعي في هذه المرحلة المبكرة من إطلاقه، كما أنها تعكس رهانًا على أن التطبيق الذي وفّر منفذًا اجتماعيًّا افتراضيًّا لبعض الأشخاص أثناء جائحة كورونا، سيستمر في جذب مستخدمين جدد بعد استئناف الأنشطة الاجتماعية بشكل مباشر وليس بشكل افتراضي.
وتُغطي الغرف الموجودة على التطبيق مختلف المجالات، وقد أدت القيود المفروضة على الدعوات إلى زيادة جاذبية استخدام التطبيق بين رواد الأعمال ونخب رجال الأعمال.
ووفقًا لمجلة “entrepreneur” الأمريكية يُسهم التطبيق في توفير إمكانية وصول مباشر للمشاهير والأشخاص المتميزين وأصحاب الخبرات ورواد الأعمال على مستوى العالَم، كما أنه يُحقق هذا التواصل دون أي متاعب بعكس غيره من التطبيقات، فعلى سبيل المثال تطبيق “لينكد إن” للتواصل المهني يكون مليئًا بالبريد العشوائي، والتواصل الشخصي فيه مع رواد الأعمال يكاد يكون شبه مستحيل.
وفي هذا الإطار، تروي رائدة الأعمال الشابة جيسكا ويليامسون قصة انضمامها إلى المنصة، حيث دخلت “غرفة” مخصصة لنمو الأعمال كان عليها العديد من المستثمرين الأمريكيين الذين لديهم ملايين المتابعين، وقد تمكنت في غضون دقائق من دخولها على التطبيق من التحدث مباشرة إلى هؤلاء المشاهير، وكأنهم في مكالمة هاتفية عادية جعلتها تشعر وكأنها في حلم، وقد استفادت من خبرتهم ونصائحهم، بحسب مجلة “فوربس” الأمريكية.
انتشارُ خطاب الكراهية وانتهاكُ الخصوصية ثغرتان تجلبان سيلًا من الانتقادات
في المقابل، واجه التطبيق انتقادات بسبب بطئه في تنفيذ الإرشادات المتعلقة بتقييد خطاب الكراهية، حيث اشتكى بعض مستخدمي كلوب هاوس من التنمر والتصيد والتعليقات البغيضة ضدهم. وكتب تايلور لورينز، الصحفي في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كيف أن بعض غرف النوادي تُعد حُصونًا لكراهية النساء والعُنصرية.
كما تم اتهام Clubhouse بأنه يفتقر إلى المساءلة، حيث تتم جميع محادثات الغرفة مباشرة، ولا يتم تسجيل أي شيء بشكل دائم، بمعنى عدم وجود أرشيف لحفظ الموضوعات التي نُوقشت.
ويقول موقع Clubhouse الإلكتروني إنه يتم إجراء تسجيلات مؤقتة أثناء وجود الغرفة، وإذا تم الإبلاغ عن “انتهاك للثقة والأمان” من قِبل أحد المشاركين خلال المناقشة، فيتم الاحتفاظ بالصوت، ولكن لا يُمكن لأي مستخدم الاحتفاظ بتسجيل ما دار في الغرفة، أو الإبلاغ عن حادثة خطاب كراهية، أو إساءة بعد انتهاء الجلسة.
كما أُثيرت مخاوف بشأن الطريقة التي يصل بها التطبيق إلى بيانات المستخدمين، إذ اعتبر جوهانس كاسبار، مفوض أمن البيانات وحرية المعلومات في ولاية هامبورغ الألمانية أن الخدمة نمت بسرعة كبيرة جدًا، ولا تأخذ في الاعتبار متطلبات اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) وهي لائحة الاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى منح الأفراد حقوقًا أكبر في كيفية استخدام الشركات لبياناتهم. ويشير كاسبار إلى أن سياسة الخصوصية التي يطبقها التطبيق تأخذ في الاعتبار حقوق الأشخاص بموجب قانون خصوصية المُستهلِك في كاليفورنيا (CCPA).
ويطلب تطبيق Clubhouse من المستخدمين السماح بالوصول إلى قائمة جهات الاتصال الخاصة بهم، ولا يضمن خصوصية هذه البيانات. ويرى ماركوس بيكيدال مؤسس مدونة “Netzpolitik” الألمانية للحرية الرقمية أنه من غير الواضح تمامًا ما يحدث لبيانات المستخدم (على سبيل المثال قوائم جهات الاتصال)، وما إذا كان يتم بيعها لأطراف ثالثة، مُعتبرًا أن الشروط والأحكام الغامضة تسمح بذلك.
وخِتامًا.. يُمكن القول بأن الصعود السريع لتطبيق “كلوب هاوس- Clubhouse” وإقبال الأشخاص على استخدامه، يُمثل أحد مؤشرات تحوُّلٍ آخذٍ في التشكُّل خلال الفترة الأخيرة نحو التطبيقات الصوتية في عالم التواصل الاجتماعي، ومدى الجاذبية التي يحظى بها هذا النمط لتجعله مفضلًا لدى المستخدمين.
لكنّ التطبيق وإن كان يُمثِّل توجُّهًا جديدًا من الناحية التقنية التي يقوم على توظيفها لتحقيق التواصل الاجتماعي، فإنه لم يستطع تجاوز الإشكاليات التقليدية التي تعاني منها التطبيقات، لا سيما قضايا الرقابة على المحتوى، والحفاظ على خصوصية البيانات.
بل اللافت في هذا الإطار أنّ الرقابة على المحتوى تُعد وفقًا للآليات المعلنة شبه غائبة، فاكتشاف المحتوى الضارّ كخطابات الكراهية والترويج للأفكار غير المشروعة يستلزم تقديم شكوى من جانب المستخدمين، لذلك لا بد من أن تدفع الجهات التنظيميّة القائمين على التطبيق نحو بذل المزيد من الجهد فيما يتعلق بتوافر الرقابة على طبيعة المحتوى الذي يتم تداوله من خلال غرف التطبيق والأندية الموجودة على هذا النظام الأساسي.