تقاريرقراءات

قمة العُلا التاريخية تُحْيِي روح التآخي الخليجي

سطَّرت القمة الخليجية التاريخية التي استضافتها المملكة العربية السعودية بمحافظة العُلا فصلًا جديدًا من فصول مسيرة التعاون والتآخي بين دول الخليج العربي، وطَوَتْ صفحة الخلاف الذي استمر على مدى 3 أعوام ونصف العام، وهو ما تم ترجمته عمليًّا في وثيقة “إعلان العُلا” والبيان الختامي الصادر عن القمة، اللذين شكَّلَا إطارًا توثيقيًّا لإنجازٍ كبيرٍ تمثَّل في رَأْبِ الصدع وعودة العلاقات الأخوية إلى مجراها الطبيعي، بما يعزِّز التضامن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، ويخدم طموحات شعوبها بالنمو والازدهار، ويسهم في تعزيز التضامن العربي الشامل وجهود مواجهة التحديات المشتركة.
وليُّ العهد السعودي يرسم أمام القمة معالم استراتيجية العمل الخليجي المشترك
وقد تضمَّنت كلمة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، في افتتاح القمة الخليجية الـ41، مجموعة من الرسائل الرئيسية التي خاطبت الواقع الراهن وكشفت عن التطلعات المستقبلية، وعكست رؤية استراتيجية حكيمة لمستقبل المنظومة الخليجية وللأوضاع في المنطقة بوجه عام، مع رَسْم آلياتٍ ومساراتٍ للتحرُّك الفاعل، وهو ما يمكن استخلاصه في النقاط التالية:
– تثمين كل جهد أسهم في رأْبِ الصدع داخل البيت الخليجي، إذ أعرب الأمير محمد بن سلمان عن الشكر والتقدير للجهود التي قادتها دولة الكويت، فضلًا عن مساعي الولايات المتحدة الأمريكية، والتأكيد على أهمية التضامن والاستقرار الخليجي والعربي والإسلامي، وتعزيز أواصر الود والتآخي لتحقيق آمال وتطلعات الشعوب.
وأظهر الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، لفتاتٍ كريمةً تعبِّر عن استعادة الدفء في العلاقات السعودية القطرية لخَّصَتْها مشاهد السلام الدافئ والعناق خلال استقبال أمير قطر تميم بن حمد آل ثان، في مطار العُلا، فضلًا عن اصطحابه الأمير “تميم” في سيارته بجولة بمنطقة العُلا التاريخية.
– التحذير من الخطر الإيراني والتأكيد على الحاجة الملحَّة إلى توحيد الجهود لمجابهة التحديات التي تحدق بالمنطقة، فبرؤية ثاقبة وإدراك لمصادر التهديدات التي تمسُّ الأمن الإقليمي، تطرَّق وليُّ العهد في كلمته إلى النظام الإيراني، عبر تسليط الضوء على التهديدات التي تنبع من برنامجه النووي وكذلك برنامجه للصواريخ الباليستية، والمشاريع التخريبية الهدَّامة التي يتبنَّاها ووكلاؤه من أنشطة إرهابية وطائفية تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
كما حدَّد بوضوحٍ مسارَ التحرُّك الخليجي الجامع في هذا الإطار عبر دعوة المجتمع الدولي للعمل بشكل جدِّي لوقف تلك البرامج والمشاريع المهددة للسِّلم والأمن الإقليمي والدولي.
– التمسُّك بمنظومة مجلس التعاون الخليجي وتعزيز التكامل بين دوله الست، انطلاقًا من رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، مع الدعوة إلى مضاعفة الجهود من أجل تحقيق تلك الرؤية.
إعلان العُلا والبيان الختامي للقمة الخليجية وثيقتان تأسيسيتان لحقبة جديدة
لقد هدفت مخرجات البيان الختامي للقمة الخليجية بجانب وثيقة “إعلان العُلا” على نحو أساسي إلى إعادة العمل المشترك إلى مساره الطبيعي، وتعزيز أواصر الود والتآخي بين شعوب المنطقة، وجاء توقيع مصر على الإعلان ليؤكد العلاقات القوية التي تربطها بدول مجلس التعاونالخليجي، والدور الذي يلعبه المجلس في دعم قوة النظام الإقليمي العربي.
ويعد البيان الختامي للقمة بمثابة ورقة استراتيجية تفصل على نحو واضح دوائر حركة دول المجلس خلال المرحلة المقبلة والأهداف المتوخَّاة، وهو ما يظهر من تنوُّع القضايا التي تفاعَلَ معها البيان الختامي، والتي تشكِّل سياسة واضحة ومتكاملة، مستوحاة من حرص دول مجلس التعاون على الحفاظ على الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة.
وأظهر البيان الختامي وحدة الموقف الخليجي وقوته ووضوحه، لا سيما فيما يتعلق بالخطر الإيراني والميليشيات التابعة لطهران والتنظيمات الإرهابية في المنطقة التي تقوم بتزويدها بالصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار لاستهداف المدنيين، وتهديد خطوط الملاحة الدولية والاقتصاد العالمي، فضلًا عن تحديده أسس العلاقات السويَّة والطبيعية بين دول مجلس التعاون وإيران، وقد عَكَسَ البيانُ موقفًا خليجيًّا موحَّدًا من أزمة البرنامج النووي الإيراني بالتأكيد على ضرورة إشراك مجلس التعاون في أي عملية تفاوضية مع إيران وتبنِّي مقاربة شاملة لمعالجة سلوك إيران المزعزع لاستقرار المنطقة.
كما تطرَّق إلى خطوات عملية ترمي إلى تعزيز التكامل والترابط بين دول مجلس التعاون وصولًا إلى وحدتها، وتعزيز دورها الإقليمي والدولي، والعمل كمجموعة اقتصادية وسياسية واحدة للمساهمة في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والرخاء في المنطقة.
كما عكس البيان الدور القيادي الذي تضطلع به المملكة في النهوض بمنظومة مجلس التعاون الخليجي، عبر النص على التنفيذ الكامل والدقيق لرؤية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، واستكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة وبلورة سياسة خارجية موحدة وهو ما انعكس في بندَيْن أساسيين هما:
– استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، وتحقيق المواطنة الاقتصادية الكاملة، بما في ذلك مَنْحُ مواطني دول المجلس الحرية في العمل والتنقُّل والاستثمار والمساواة في تلقِّي التعليم والرعاية الصحية، وبناء شبكة سكة الحديد الخليجية، ومنظومة الأمن الغذائي والمائي، وتشجيع المشاريع المشتركة، وتوطين الاستثمار الخليجي.
– تعزيز التكامل العسكري بين دول المجلس تحت إشراف مجلس الدفاع المشترك واللجنة العسكرية العليا والقيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون، لمواجهة التحديات المستجدة، انطلاقًا من اتفاقية الدفاع المشترك، ومبدأ الأمن الجماعي لدول المجلس.
من جهة أخرى، حَظِيَت قضية الإرهاب باهتمامٍ ملحوظٍ، لا سيما الجانب المتعلق بالعمل على تجفيف مصادر تمويله، فضلًا عن الترحيب بتصنيف الولايات المتحدة الحرسَ الثوريَّ الإيراني كمنظمة إرهابية، لما في ذلك من إسهام في التصدِّي للدور الخطير الذي يقوم به في المنطقة.
وكان اليمن حاضرًا بقوة في مخرجات القمة الخليجية، عبْر التأكيد على أن تنفيذ اتفاق الرياض يعد خطوة مهمة في سبيل الوصول إلى الحل السياسي المستند إلى المرجعيات الثلاث لإنهاء الأزمة اليمنية، والتحذير من خطورة مواصلة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران للأعمال العدائية والعمليات الإرهابية لاستهداف المدنيين والأعيان المدنية في المملكة العربية السعودية، ومخالفة القانون الدولي والإنساني باستخدام السكان المدنيين في المناطق المدنية اليمنية دروعًا بشرية، وإطلاق القوارب المفخّخة والمسيَّرة عن بُعد، وما يمثِّله كل ذلك من تهديد خطير للأمن الإقليمي والدولي.
كما أكد البيان الرفض التام للتدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية من أي جهة كانت، وضرورة الكفِّ عن الأعمال الاستفزازية عبر إذكاء الصراعات والفتن، والتأكيد على احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل واحترام خصوصية الدول استنادًا إلى المواثيق والأعراف والقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول، وأن أمن دول المجلس هو رافد أساسي من روافد الأمن القومي العربي.
وتأسيسًا على ما سبق.. يمكن القول بأن مخرجات القمة الخليجية الـ41 الممثلة في إعلان العُلا والبيان الختامي أقرب إلى وثيقتين تأسيسيتين لمرحلة جديدة من العمل الخليجي المشترك، القائم على التطلُّع إلى المستقبل مع الاعتبار من خبرات الماضي، فالقمة نجحت في تصفية الأجواء العربية ووضعت لَبِنَاتٍ لتعاوُنٍ أكبرَ وقفزاتٍ في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى دول الخليج العربي، وهي خطوات تعزِّز من قوة النظام العربي الجماعي في ظل مشاريع إقليمية تستهدف أمن واستقرار الدول العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى