تقارير

بصمات الإرهاب الحوثي في تفجيرات عدن

في عمل إرهابي جديد يستهدف نشر الفوضى وتقويض أي جهد نحو التسوية السياسية للأزمة اليمنية، شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن سلسلة تفجيرات استهدفت مطار المدينة بعد وقت قصير من هبوط طائرة تقلُّ أعضاء الحكومة اليمنية الجديدة التي تشكَّلت بموجب اتفاق الرياض الموقع في 5 نوفمبر عام 2019 بين حكومة الرئيس اليمني عبد ربّه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وقد لقي ما لا يقل عن 26 شخصًا مصرعهم وأصيب أكثر من 60 آخرين في الهجوم، من بينهم مسؤولون من الصف الثاني في الحكومة اليمنية، فضلًا عن موظفين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إذ كانت صالة الوصول مليئة بالوفود الرسمية لاستقبال أعضاء مجلس الوزراء.
وبينما اتهمت الحكومة اليمنية ميليشيا الحوثي بارتكاب تلك الهجمات، وهو ما جاء في تصريحات على لسان وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك ووزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، لم يوجه المجلس الانتقالي الجنوبي أصابع الاتهام إلى الحوثيين فقط، بل اتهم أيضًا جماعة الإخوان المسلمين بالتعاون مع ميليشيات الحوثي لتقويض التحالف، وأمام تلك الاتهامات سارع القيادي الحوثي محمد البخيتي لنفي مسؤولية الجماعة عن الهجمات.
لكن القراءة المتعمقة للحادث الإرهابي الغادر وأبعاده تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الميليشيات الحوثية المدعومة من طهران هي التي تقف وراءه وهو ما يتضح من خلال النقاط التالية:
عنصر التخطيط وتعمُّد الاستهداف للحكومة
يمثل الهجوم بداية صعبة لحكومة الوحدة اليمنية الجديدة التي أدت اليمين الدستورية الأسبوع الماضي في المملكة العربية السعودية، حيث هدف التعديل الوزاري إلى رأب الصدع الخطير بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والمجلس الانتقالي الجنوبي وكلاهما يصطفان لمواجهة الميليشيات الحوثية ومشروعها الإيراني التخريبي.
ويظهر الإصرار الحوثي على استهداف تلك الحكومة في أكثر من مؤشر، فالمطار شهد 3 تفجيرات متتالية استهدف الأول قاعة الوصول، والثاني تلاه بعد بضع دقائق قرب القاعة، والثالث بالقرب من مدرج الطائرة، بحسب رواية مسؤول في الخطوط الجوية اليمنية كان في المطار أثناء الهجوم الإرهابي.
بالإضافة إلى أنه بعد تأمين أعضاء الحكومة اليمنية عقب الحادث ونقلهم إلى قصر المعاشيق شديد التحصين، دوَّى انفجار آخر بالقرب من القصر، ما يشير إلى إصرار الحوثيين على استهداف الحكومة وتنفيذ مخطط خبيث يهدف إلى إحداث شرخ في تلك الحكومة الوليدة وشق صفها، وإفشال الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية عبر اتفاق الرياض لرأب الانقسامات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي التي كانت تهدد بإعاقة التصدي للخطر الحوثي.
فقد أدت المعارك بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على جنوب اليمن العام الماضي إلى إغراق عدن على وجه الخصوص في دوامة من العنف.
الأسلحة المستخدمة وتكتيك الهجوم ومسرح العمليات
تشير التقارير الأولية إلى أن الانفجارات في مطار عدن نجمت عن قصف بقذائف المورتر أو الصواريخ، كما أفاد شهود عيان باستخدام طائرة دون طيار “درون” أيضًا، وهذا النمط من الأسلحة والتقنيات اعتادت ميليشيات الحوثي على استخدامه في عمليات سابقة ضد مؤسسات ومنشآت مدنية وحكومية، كما أن عدن كانت مسرح عمليات إرهابية حوثية عديدة، وهذا الاستهداف ينبع من الرمزية التي تتمتع بها المدينة بوصفها عاصمة مؤقتة للبلاد في ظل سيطرة الميليشيات الحوثية الانقلابية على العاصمة صنعاء.
ففي العام الماضي 2019، أطلق الحوثيون صواريخ على عرض عسكري في عدن، مما أسفر عن مقتل العشرات، في هجوم أشعل التوترات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، حيث تبادلا في حينها الاتهامات بالفشل في تبادل المعلومات الاستخباراتية. ووصف الحوثيون آنذاك ذلك الهجوم بأنه عملية “مشتركة” بين وحدات الصواريخ وجماعات الطائرات بلا طيار.
كما كان الحوثيون مسؤولين عن هجوم صاروخي على فندق في عدن في عام 2015 استهدف رئيس الوزراء اليمني آنذاك خالد بحاح وأعضاء حكومته.
إحباط التحالف العربي محاولة استهداف قصر المعاشيق دليل إدانة الحوثيين
شكَّل إعلان قيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن تدمير وإسقاط طائرة دون طيار “مفخخة” حاولت استهداف قصر المعاشيق في عدن أطلقتها الميليشيا الحوثية الإرهابية، دليل إدانة يؤكد مسؤولية الميليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران عن تفجيرات مطار عدن الدولي.
وتعد هذه العملية الغادرة محاولة واضحة من جانب الحوثيين لإفشال اتفاق الرياض، الذي اتخذه اليمنيون طريقًا لتوحيد الصف وعودة الحياة الطبيعية، وكذلك الأمن والاستقرار والوصول إلى حل سياسي شامل في اليمن.
إدانات دولية وعربية للهجوم.. ورسائل دعم لجهود المملكة لتحقيق الاستقرار في اليمن
بصمات الإرهاب الحوثي في تفجيرات عدنوقوبل هذا الهجوم الإرهابي بموجة إدانات واسعة عربيًّا ودوليًّا، أكدت جميعها التضامن القوي مع الحكومة والشعب اليمني، ومحاسبة الجهة المسؤولة عن تلك الجريمة، والدعم الكامل لاتفاق الرياض.
وقد أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا قويًّا أدانت فيه “بأشد وأقسى العبارات”، هذا “العمل الإرهابي الجبان”، مؤكدة أن هذا العمل الغادر الذي تقف خلفه قوى الشر ليس موجهًا ضد الحكومة اليمنية الشرعية فحسب، بل يستهدف الشعب اليمني بكامل أطيافه، مشددة على تضامن المملكة مع اليمن واليمنيين، كما كانت منذ اليوم الأول، وأن كلها ثقة بأن حادثة اليوم لن تزيدهم إلا إصرارًا وثباتًا في تحقيق طموحاتهم واستعادة شرعيتهم.
كما اعتبرت الإمارات أن استهداف مطار عدن هو استهداف لاتفاق الرياض ولما يحمله من آفاق للاستقرار والسلام في اليمن الشقيق، مؤكدة أن التحريض والتخريب والعنف والإرهاب سيفشل أمام مشروع السلام الذي تقوده المملكة العربية السعودية لخير اليمن والمنطقة.
بينما طالب مجلس التعاون لدول الخليج العربية المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه محاسبة الجهات التي تقف وراء هذا الهجوم الذي يهدف لعرقلة كل الجهود الدولية والمسارات لإنهاء الأزمة اليمنية وتحقيق الأمن والاستقرار في أرجاء اليمن، مع تأكيد المجلس وقوفه مع الحكومة اليمنية وهي تبدأ ممارسة أعمالها الدستورية من العاصمة المؤقتة عدن، ودعمها في تحقيق تطلعات الشعب اليمني، وتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية، والتوصل إلى حل سياسي وفق المرجعيات في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن 2216.
واعتبرت الجامعة العربية أن هذا العمل الإرهابي الجبان يستهدف تخريب الاتفاق السياسي الذي جرى التوصل إليه مؤخرًا برعاية الرياض، والذي تم بمقتضاه تشكيل الحكومة الجديدة ورأب الصدع مع المجلس الانتقالي الجنوبي. ورأت الجامعة أن الهجوم يشكل مَسْعًى إلى تثبيت حالة الفوضى وإرباك المشهد وإطالة معاناة اليمنيين.
وأدانت مصر أيضًا الحادث مؤكدة أن مثل هذه الأعمال الإرهابية الخسيسة لن تُثني الحكومة اليمنية الجديدة عن المُضيِّ قُدُمًا في مهامها لاستعادة مؤسسات الدولة سعيًا نحو التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة اليمنية استنادًا إلى اتفاق الرياض والمرجعيات المُتفق عليها.
ودوليًّا، أعرب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، عن استنكاره الشديد للهجوم، مؤكدًا أهمية إعادة اليمن وبشكل عاجل إلى مسار السلام. أمَّا الولايات المتحدة فقد أدانت هجوم مطار عدن، مشددة على وقوفها مع الشعب اليمني في سعيه من أجل السلام، ودعم الحكومة اليمنية الجديدة، التي تعمل من أجل مستقبل أفضل لجميع اليمنيين، بينما وصفت بريطانيا الهجوم بأنه محاولة حقيرة لإحداث مذابح وفوضى وجلب المعاناة عندما اختار اليمنيون المضيَّ قُدُمًا.

تداعيات تفجيرات عدن على المسار السياسي في اليمن
تُلقي تفجيرات عدن بظلالها على الجهود الرامية إلى التوصل لتسوية سياسية شاملة للأزمة اليمنية، وعلى المقاربة التي يتبنَّاها المجتمع الدولي تجاه التعامل مع أطراف الأزمة، حيث يبرز عدد من السيناريوهات في هذا الإطار:
السيناريو الأول: قد تعجّل تلك الممارسات الإرهابية بتحركات أمريكية نحو تصنيف جماعة الحوثي ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، فتفجيرات عدن تعزز من حجة أصوات داخل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تطالب بتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية قبل مغادرة ترامب للبيت الأبيض وانتهاء ولايته في 20 يناير 2021، كما قد تدفع أيضًا دولًا غربية إلى الإقدام على اتخاذ ذلك المسار.
السيناريو الثاني: الدخول في موجة جديدة من التصعيد العسكري، فقد تلجأ إيران إلى دفع الحوثيين إلى مزيد من التصعيد خلال الأيام الأولى من تولِّي إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مقاليد السلطة، في إطار محاولات لتوظيف الملف اليمني كورقة مساومة خلال المفاوضات المرتقبة مع الولايات المتحدة والغرب حول الملف النووي.
السيناريو الثالث: تَلَاشِي فرص الحل السياسي مما سيؤدي إلى تفاقُم الأزمة الإنسانية في اليمن والتي تعد الأسوأ على مستوى العالم وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، وهو ما قد يدفع الشعب اليمني إلى انتفاضة شاملة ضد الجماعة الخاضعة لأجندة إيران ومصالحها.
وأخيرًا.. يمكن القول بأن وقوع هذا الهجوم الإرهابي الجبان بالتزامُن مع وصول الحكومة اليمنية الجديدة لبدء عملها بعد تشكيلها تنفيذًا لاتفاق الرياض، يكشف عن الأهداف الخبيثة لميليشيات الحوثي الانقلابية والنظام الإيراني الداعم لها في إفشال الإنجاز الذي تم التوصل إليه مؤخرًا بشأن تشكيل الحكومة الجديدة ومن قبله تنفيذ الشق الأمني والعسكري في اتفاق الرياض.
كما يعكس إصرارًا واضحًا من ميليشيات الحوثي الإرهابية على عرقلة التوصل إلى أي حل سياسي يلبِّي طموحات الشعب اليمني، وأيضًا تعقيد الجهود الأممية والمساعي الإقليمية للتحرك نحو تسوية شاملة للأزمة اليمنية، وهو ما يتطلب وقفة واضحة من المجتمع الدولي.
إضافة إلى ذلك، قدم الهجوم الإرهابي برهانًا جديدًا وواضحًا على أن الهدف الأساسي للأذرع الإيرانية في المنطقة هو العمل على توتير الأوضاع وإشاعة مناخ من عدم الاستقرار، كون هذه الأجواء تُمثل بيئة خصبة لنظام الملالي في تنفيذ مخططاتهم التخريبية.
وعلى الرغم من التداعيات السلبية لهذا الهجوم الإرهابي، فإنه كان له جانب إيجابي، فبعدما كان الكثير من الحقائق يضيع أمام الاتهامات المتبادلة بين جميع الأطراف، فقد أظهر هذا الهجوم بشكل جليٍّ أمام الشعب اليمني والعالم الطرفَ الذي لا يرغب في التوصل إلى حلول سياسية سلمية في اليمن، وربما تُشكل هذه الحلقة من مسلسل العنف والإرهاب الحوثي ضربة قاصمة للحاضنة الشعبية للحوثيين والتي تآكلت بالفعل كثيرًا بسبب معاناة اليمنيين الشديدة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى