تقارير

كورونا يعصف بموسم الدراما العربية في رمضان

في ظلّ تصاعد أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، لجأت العديد من الدول العربية إلى تشديد الإجراءات الاحترازية للتصدّي لانتشار الفيروس التنفّسي المميت، ما أدى لانعكاسات واضحة على كافة القطاعات الاقتصادية والصناعات، ومنها صناعة الدراما التلفزيونية، التي تواجه تحدياً كبيراً، لاسيما مع بدء العدّ التنازلي لحلول شهر رمضان المبارك الذي يشكل موسماً تسويقياً لتلك الأعمال.

كورونا ودراما الواقع.. منع التجمّعات وحظر التجوّل

لعبت القراراتُ التدرجية التي اتخذتها العديد من الحكومات في العالم العربي في إطار مواجهة أزمة انتشار فيروس كورونا، دوراً في تعطيل حركة تصوير الأعمال الدرامية، وأحدثت تلك القرارات تغييراتٍ دراماتيكيةً متسارعة في كافة مناحي الحياة، لكن القرار الأكثر تأثيراً تَمثّل في اللجوء إلى فرض حظر تجوّل جزئي.

كانت الأردن أولى الدول العربية التي تفرض حظر التجوّل في 21 مارس الجاري. وفي اليوم التالي، أعلنت الكويت حظر تجوّل جزئي من الساعة 5 مساءً وحتى 4 فجراً.

وفي 22 مارس، فرضت السلطات السعودية حظر تجوّل لمدة 21 يوماً، ابتداءً من الساعة 7 مساءً وحتى الساعة 6 صباحاً، ثم أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله – أوامر بتمديد الحظر في الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة، ليبدأ من الساعة 3 عصراً.

كما طبقت مصر حظر تجوّل من الساعة 7 مساءً وحتى الساعة 6 صباحاً لمدة 15 يوماً، وطبقت الحكومة السورية حظرَ تجول ليلي، اعتباراً من الساعة 6 مساءً وحتى 6 صباحاً.

وفي لبنان، نشرت الحكومة دوريات أمنية وأقامت حواجز في مختلف أنحاء البلاد، بما يوازي حالة طوارئ غير معلنة، فضلاً عن منع التجوّل.

توقف كامل في سوريا ولبنان.. وجزئي في مصر والكويت.. مع تعقيم الاستوديوهات

باتت العديد من المسلسلات مهدّدة بالخروج من سباق الدراما في رمضان، في ظلّ القرارات التي اتخذتها دول عربية بمنع التجمّعات وإغلاق المراكز التجارية والمطاعم، وحظر التجول والتباعد الاجتماعي.

وأفادت نقابة المِهَن التمثيلية في مصر، بتوقف تصوير 80% من المسلسلات المقرّر عرضُها في رمضان، حرصاً على سلامة العاملين، فضلاً عن متابعة التدابير الاحترازية التي تتخذها جهات الإنتاج التي تواصل تصوير أعمالها الفنية، ومن أبرز تلك التدابير تعقيم مناطق التصوير والعاملين والمُعدَّات باستمرار على مدار اليوم، وتقليل مشاهد المجاميع قدر المستطاع، والتصوير الخارجي.

كما لجأ بعضُ مؤلّفي المسلسلات خلال كتابة سيناريوهات الحلقات المتبقية، إلى تقليل مشاهد التجمّعات.

وفي الكويت، قرّر منتجون فنيون تأجيلَ التصوير لمدة أسبوعين امتثالاً لقرارات الدولة، كما حاول صُنّاعُ بعض المسلسلات التغلّبَ على عدم إمكانية تصوير المشاهد الخارجية حالياً، من خلال تصوير مشاهد أخرى داخل المنازل أو بعض المكاتب، كما لجأ البعض الآخر إلى الاستعانة بطواقم طبية من أجل استئناف التصوير.

على النقيض، شهدت سوريا توقفاً كاملاً لأعمال تصوير المسلسلات، وذلك ضمن حزمة الإجراءات الحكومية التي تمّ اتخاذُها لمواجهة فيروس كورونا، حيث قرّرت الحكومة إيقافَ عمليات تصوير جميع الأفلام والمسلسلات التابعة للقطاع الخاص، بعد أن توقفت المؤسسة العامة للسينما التابعة لوزارة الثقافة، ومؤسسة الإنتاج التلفزيوني التابعة لوزارة الإعلام، عن عمليات التصوير.

واللافت أن صناعة الدراما في سوريا لم تَشهد توقفاً حتى في أشدّ ظروف الحرب الطاحنة الدائرة منذ 2011.

كما أصدرت النقاباتُ الفنية في لبنان بياناً طلبت فيه من جميع منتسبيها والممثلين والفنيين اللبنانيين، التزامَ منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، داعيةً إلى التوقف عن العمل لفترة، حفاظاً على المصلحة الوطنية. وبالفعل توقّف تصوير 6 مسلسلات وهي (الهيبة 4) و(عشرين عشرين) و(عروس بيروت – الجزء الثاني) و(الساحر) و(النحات) و(أسود فاتح).

في المقابل، لم تترك أزمةُ كورونا تأثيراً يُذكر على الإنتاج الدرامي في الإمارات، نظراً لبدء تصوير الأعمال فيها منذ وقتٍ مبكر، وهي 3 أعمال درامية تشمل التراث والكوميديا والدراما الاجتماعية.

السعودية تبادر بعرض أول عمل فني توعوي عن كورونا

اتخذت السعودية زمام المبادرة في نشر الوعي بخطورة كورونا، عبر تقديم عمل فني يُسهم بشكل كبير في توعية المجتمع بالتزام قرارات الدولة وإجراءاتها الاحترازية الهادفة لحماية المواطن والمقيم.

وقام فريق عمل مسلسل “مخرج 7” للفنان ناصر القصبي، والمقرّر عرضه في شهر رمضان الكريم، بإعداد مقطع فيديو تضمّن نصائح لمواجهة فيروس كورونا، بدءاً من الحرص على غسل اليدين بشكل مستمرّ، وتجنّب مصافحة الآخرين، وتنفيذ الإجراءات الاحترازية التي أعلنتها الجهاتُ المعنية لمواجهة الوباء. وحظي المقطع الذي تمّ بثّه على حساب التواصل الحكومي على موقع التدوينات القصيرة “تويتر” بأكثر من مليوني مشاهدة.

كما قام نجوم الدراما في مصر ولبنان والكويت بنشر مقاطع فيديو على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، تحضّ الجماهير على البقاء في منازلهم للوقاية من فيروس كورونا، فضلاً عن التكفل بالإنفاق على أُسَرٍ متضرّرة من الركود الاقتصادي بسبب الفيروس، وهو ما عُرِف في مصر بـ “تحدّي الخير”.

كورونا يُعيد سيناريو دراما رمضان 2011

تُعيد أزمة كورونا للأذهان سيناريو دراما رمضان 2011 التي شهدت انخفاضاً حاداً في حجم الأعمال الدرامية المطروحة على شاشات التليفزيونات والفضائيات العربية، بسبب موجة الاضطرابات التي شهدتها المنطقة العربية والثورات، حيث اتّسم السباق الرمضاني آنذاك بقلة المسلسلات المعروضة، لفسخ بعض التعاقدات ووقف تصوير بعض الأعمال، نظراً لحالة الاضطراب في الشارع العربي.

وكان لتلك العوامل تأثير سلبي على السوق، وبالتالي على حجم الإعلانات مصدرِ الدّخل الرئيسي للقنوات الفضائية، والذي تَعتمد عليه عند وضع خطةِ شراء حقوق بَثّ الأعمال الفنية.

ويُشكّل الوضعُ الاقتصادي الصعب الناجم عن أزمة كورونا تحدياً أكبر للأعمال الدرامية، حتى في حال الانتهاء من تصويرها، لاسيما وأن توزيع المسلسلات وتسويقها مرتبطان بمعادلة الإعلانات، حيث يَستحوذ الموسم الرمضاني على 60% من حجم الإعلانات على مدار العام.

الشاشات العربية أمام تحدّي البدائل .. أو العزوف الجماهيري

ثمة مؤشرات تؤكد أن الشاشات في رمضان 2020 لن تكون – بحال من الأحوال – كما عهدها المشاهد العربي عبر سنوات طويلة، فالخريطة الدرامية والبرامجية ستتقلص بشكل كبير للغاية، بل إن عدد الأعمال الدرامية العربية المتاحة قد لا يَتخطّى على أقصى تقدير 10 أعمال، ويتكشف ذلك من خلال التراجع الملحوظ في التنويهات الخاصة بالمسلسلات الجديدة، وهو سلوك معتاد من جانب الفضائيات العربية في مثل هذا التوقيت سنوياً.

ولأول مرة سيكون هناك غيابٌ شِبهُ كلّي للبرامج ذات المحتوى الترفيهي، والتي يَتمّ تصويرُها في الخارج، لتوقّف حركة الطيران حول العالم مع انتشار كورونا، ما فرض صعوباتٍ في استقدام الضيوف من مشاهير الفنّ والرياضة، وربما يكون المَخرَج الوحيد هو عرض الحلقات المحدودة التي جرى تصويرها، وهي لا تغطي الشهر بالكامل.

وسيكون لتقلّص ظهور أعمال درامية في رمضان هذا العام، تأثير على المشاهد، الذي ينتظر المزيد من الموادّ المرئية الترفيهية، خاصّة إذا ما ألجأت ظروفُ تفشّي الفيروس حكوماتِ الدول إلى تمديد فترات حظر التجوّل، واضطر المشاهِدُ إلى قضاء أوقاتٍ أطول في منزله، ما يعني أن على الفضائيات العربية المسارعة لبحث بدائل ترفيهية يمكن إنتاجها بدون مخاطر تتعلّق بانتشار الفيروس، أو الاستسلام للواقع الذي سيسحب من الفضائيات ما تبقّى لها من جماهير، لصالح المواقع الإلكترونية التي تتيح خيارات أوسع من الأعمال الدرامية والبرامجية السابقة، فضلاً عن قائمة لا محدودة من الفيديوهات المتنوّعة.

زر الذهاب إلى الأعلى