يشهد مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت خلال الأيام الحالية إغلاقاً تاماً، بموجب قرار التعبئة العامة الصادر عن الحكومة اللبنانية لمواجهة أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، ويُستثنى من ذلك بعض الرحلات التي يُسمح لها بالدخول إلى الأجواء اللبنانية، مثل طائرات الشحن، وتلك التابعة لقوات اليونيفيل، أو التي تَنقل مساعداتٍ طبية، فضلاً عن بعض الاستثناءات الأخرى التي تأتي في أضيق الحدود.
وبالرغم من هذا الإغلاق الاحترازي، إلا أن المطار شهد يوم الجمعة الموافق 20 مارس 2020م، هبوط طائرة شحن قطرية قادمة من طهران، في رحلة شابها الكثير من الغموض.
وقد اختلفت الروايات حول هدف هذه الرحلة، وطبيعة الحمولة التي كانت تنقلها الطائرة القطرية، ويمكن تصنيفها إلى ثلاث احتمالات.
الاحتمال الأول:
أن الطائرة القطرية هبطت في مطار بيروت لنقل شحنة من الأغنام إلى الدوحة، وتتبنى هذه الرواية الخطوط الجوية القطرية، والتي نشرت مجموعة من التغريدات على حسابها الرسمي بموقع تويتر أكدت فيها هذه الرواية، كما نفت ما وصفته بالأخبار الكاذبة – حسب وصفها – والتي تُؤكد بأن الطائرة كان على متنها 186 راكباً.
بدوره أكد المدير العام لمطار بيروت فادي الحسن، أن الطائرة القطرية تأتي إلى لبنان أسبوعياً، وأنها تنطلق من الدوحة وتقوم بإنزال حمولة في إيران، ثم تأتي إلى لبنان لتأخذ مجموعة من المواشي إلى الدوحة.
وتُعدّ هذه الرواية غير منطقية، خاصة في ظِلّ الإجراءات الاحترازية الدولية المتخذة لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد.
الاحتمال الثاني:
وهو احتمال قائم مفاده أن طائرة الشحن القطرية كانت تنقل مُعدّات عسكرية إيرانية إلى ميليشيا حزب الله اللبناني.
ومما يُعزّز هذا الاحتمال، أن السوابق في سِجلّ هذا المسار الجوي (الدوحة – طهران – بيروت) مثيرة للشك والريبة منذ سنوات، ففي سبتمبر 2018 كشفت شبكة فوكس نيوز الإخبارية الأمريكية نقلاً عن مصادر استخباراتية أمريكية وغربية، عن رصد طرق سريةٍ جديدة تعتمد عليها إيران في تهريب الأسلحة إلى ميليشيا حزب الله اللبناني.
وفي أكتوبر 2018 ذكرت الشبكة أن طائرةً محملة بأسلحة متطوّرة قدمت من طهران إلى بيروت عبر الدوحة.
ويُعدّ هذا الاحتمال منطقياً، خاصة في ظِلّ القيود المفروضة دولياً على حركة نقل الأسلحة الإيرانية، وتحديداً تلك الموجّهة إلى حزب الله، وجاءت جائحة كورونا لتزيد هذه القيود تعقيداً، مما اضطر النظامَ الإيراني إلى البحث عن بدائل أقلّ شُبهة.
الاحتمال الثالث:
وهو أيضاً احتمال قائم، إذ يُعتقد بأن الطائرة القطرية نقلت عدداً من الإيرانيين المصابين بفيروس كورونا إلى لبنان، لكي تتولى ميليشيا حزب الله علاجهم.
وهناك العديد من المعطيات التي تُعزّز هذا الاحتمال، أهمّها:
- انتشار فيروس كورونا في إيران بشكل مخيف، جعل الوضع يخرج عن السيطرة، بعدما عمد النظام الإيراني منذ بداية الأزمة إلى سياسة التعتيم وتغليب مصالحه السياسية على صحة وحياة المواطن، مروراً بحالة التخبّط والتضارب التي يتبناها نظام الملالي حول سبب انتشار الفيروس، والتي تتمحور حول فكرة المؤامرة، وذلك للتنصّل من مسئولياته، وتبرير فشله في التعامل مع هذا الوباء العالمي.
- يُعاني الاقتصاد الإيراني من حالة تدهور متفاقمة، ازدادت مؤخراً سواءً بسبب العقوبات الأمريكية، أو حالة العُزلة التي فرضها فيروس كورونا، مما صعّب مهمّته في مواجهة الوباء، في ظلّ قلة الإمكانات المتاحة.
- تنحصر قائمة الحلفاء الذين يستطيعون مساعدة النظام الإيراني في مواجهة الكارثة التي يتعرّض لها، في قطر وحزب الله، فالأولى تستطيع المساعدة بالمال والمساعدات اللوجستية كخدمات النقل، أما الميليشيا اللبنانية فيلجأ إليها نظام الملالي للمساعدة في علاج بعض المصابين بالفيروس.
- تأخرت الحكومة اللبنانية في إيقاف حركة الطيران بين بيروت وطهران التي تُعاني من تفشّي فيروس كورونا، مما عرّضها إلى هجوم سواءً من الداخل اللبناني أو المجتمع الدولي، واتّهمت بأنها تُراعي الحسابات السياسية الخاصة بحزب الله دون النظر إلى صحة وحياة اللبنانيين، وأمام هذه الضغوط اضطرت الحكومة في النهاية إلى إيقاف الطيران.
- هذا التأخير جعل هبوط طائرات إيرانية حتى ولو كانت مخصّصة للشحن في لبنان، مثيراً للشك والريبة، ولذلك كان البديل هو قطر، التي تجمعها بإيران مصالح مشتركة، خاصة بعد مقاطعة الدول الأربع لها.
- قيام حزب الله بمعالجة المصابين الإيرانيين بفيروس كورونا ليس بالأمر الجديد، ففي 6 مارس الجاري، نَقل موقع حزب القوات اللبنانية عن مصادر أمريكية قولها، إن الحزب قام بعلاج شخصيات سياسية وعسكرية إيرانية في مستشفى “الرسول الأعظم” التابع لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي تخضع لنفوذه.
من العرض السابق يَتّضح أن الاحتمالين الثاني والثالث هما الأقرب منطقياً، وخاصة الثالث، فيما يَصعُب تصديق الرواية الأولى.
هذا الوضع يُجدّد المخاوف من المصير الذي ينتظره لبنان مع وجود ميليشيا مسلحة تتحكم في مقدّراته، وتتصرّف وفق أجندتها الطائفية وولائها المطلق لنظام الملالي في طهران.
فالنهج الذي يَتّبعه حزب الله، سيتسبّب في تفشّي فيروس كورونا في البلاد التي تُعاني أساساً من أزمة اقتصادية خانقة، أدت إلى خروج المظاهرات والحركات الاحتجاجية فيها، في الوقت الذي تقف فيه السلطة اللبنانية مكتوفةَ الأيدي أمام تصرفات الميليشيا الطائفية المُستقوية بسلاحها.