يتغير مشهد المؤثرين بوتيرة متسارعة للغاية، فبمجرد أن تظن أنك فهمت الأمر، حتى يتغير كل شيء من جديد. مع تطلعنا لعام 2026، لا يكمن السؤال في مدى صمود التسويق عبر المؤثرين، بل في مدى تطوره الجذري.
ويعد فهم هذه التغييرات بالنسبة لأصحاب وكالات التسويق الرقمي، ومؤسسي الشركات الناشئة، والعلامات التجارية المباشرة للمستهلك، ليس مفيدًا فحسب، بل هو ضروري أيضًا للحفاظ على القدرة التنافسية. وفيما يلي استعرضت مدونة “”avalan.io المتخصصة في التسويق عبر المؤثرين ملامح وتوقعات للمشهد خلال العام المقبل.
- نهاية مقياس حجم المتابعين
هل تذكرون عندما كانت العلامات التجارية تطارد المؤثرين بناءً على عدد متابعيهم فحسب؟ تلك الأيام أصبحت من الماضي. فبحلول عام 2026، ستكون معدلات التفاعل، ومقاييس التحويل، ومواءمة العلامة التجارية أكثر أهمية بكثير من مجرد امتلاك شخص ما علامة زرقاء أو مليون متابع.
ويعتبر هذا الأمر في غاية الأهمية في وقت يثبت فيه كل من “الميكرو مؤثرين- “Micro-influencers (من 10 آلاف إلى 100 ألف متابع) و”النانو مؤثرين- Nano influencers” (من ألف إلى 10 آلاف متابع) جدارتهم بالفعل. قد تحقق علامة تجارية متخصصة في التجميل عائد استثمار أفضل من 10 مؤثرين لكل منهم 10 آلاف متابع متفاعل، مقارنةً بمؤثر واحد ضخم لديه مليون متابع سلبي.
وهذا التحول يخلق فرصًا لمنشئي المحتوى الصغار الذين يتواصلون بصدق مع جماهيرهم. إنهم يبنون مجتمعات وليس مجرد جمع متابعين. وقد بدأت العلامات التجارية الذكية تلاحظ ذلك، فعامل الأصالة بالغ الأهمية هنا.
- الاكتشاف والإدارة المدعومتان بالذكاء الاصطناعي
أضحى هناك أنظمة متطورة يمكنها التنبؤ بنجاح الحملات، وتحديد المبدعين المبتدئين قبل أن يحققوا نجاحًا باهرًا، ومطابقة العلامات التجارية مع المؤثرين بناءً على التركيبة النفسية للجمهور بدلاً من التركيبة الديموغرافية فقط.
إن وجود نظام يخبرك بالآتي: “مرحبًا، لدى جمهور هذا المبدع احتمالية 73% لشراء منتجات العناية بالبشرة خلال الشهر المقبل”، لم يعد ذلك خيالًا علميًا فشركات مثل “AspireIQ” و”Grin” تعمل بالفعل على بناء هذه القدرات.
وتجدر الإشارة هنا أيضًا إلى أن الذكاء الاصطناعي سيساعد أيضًا المؤثرين أنفسهم، فأدوات إنشاء المحتوى المدعومة بالتعلم الآلي ستسهل عليهم إنتاج محتوى أفضل وأسرع، واقتراح أوقات النشر المثالية بناءً على سلوك الجمهور، وكذلك أفكار للمحتوى المستمدة من المواضيع الرائجة في مجالهم، ولكن في الوقت ذاته سيكتسب الجمهور نظرة أكثر حدة للتمييز بين ما هو حقيقي وما هو مصطنع.
- صعود المؤثرين الافتراضيين
لم يعد المؤثرون الافتراضيون مثل ليل ميكيلا وشودو مجرد إبداعات، بل أصبحوا قنوات تسويقية مشروعة. بحلول عام 2026، سنرى العلامات التجارية تُنشئ شخصياتها الافتراضية الخاصة لتمثيل منتجاتها وقيمها، والدافع في ذلك هو السيطرة، فالمؤثرون الافتراضيون لا يثيرون فضائح أبدًا، ولا يتركون علامتهم التجارية، ولا يطلبون أجورًا أعلى بناءً على شعبيتهم المتزايدة، وهم متاحون على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ويمكن برمجتهم لتجسيد ما تريد العلامة التجارية إيصاله بالضبط.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الجمهور الأصغر سنًا منفتح بشكل مدهش على متابعة الشخصيات الافتراضية والتفاعل معها، فقد نشأ هذا الجمهور مع شخصيات ألعاب الفيديو والصور الرمزية المتحركة.
لكنّ المؤثرين الافتراضيين لن يحلوا محل المؤثرين البشريين تمامًا، بل سيتعايشون معًا، ويخدمون أغراضًا مختلفة، إذ يُضفي المؤثرون البشريون مشاعر وتجارب حقيقية، وردود فعل أصيلة لا يمكن لأي ذكاء اصطناعي تقليدها حتى الآن.
- تنويع المنصات يتجاوز الثلاث الكبرى
سيطرت منصات مثل إنستغرام وتيك توك ويوتيوب على سوق التسويق عبر المؤثرين لسنوات، لكن المشهد في عام 2026 سيكون أكثر تشتتًا، وهذا في الواقع أمر جيد للعلامات التجارية الراغبة في التكيف، حيث ستخلق كل من المنصات الناشئة مثل BeReal -إذا حافظت على زخمها-، والميزات الأحدث في التطبيقات الحالية وربما شبكات التواصل الاجتماعي الجديدة كليًا، فرصًا للمتبنين الأوائل.
ويذكر ذلك بعدما بدأت العلامات التجارية باستخدام تيك توك لأول مرة، حيث حققت تلك العلامات انتشارًا غير مدفوع قبل أن تصل الخوارزمية إلى حد التشبع. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المسوقين الأذكياء بالفعل لا يضعون كل بيضهم في سلة منصة واحدة، إنهم يبنون استراتيجيات متنوعة للمؤثرين قابلة للتكيف مع ظهور منصة كبيرة جديدة أو عندما تغير المنصات الحالية خوارزمياتها (لأنها تفعل ذلك دائمًا).
وأصبحت منصات الألعاب مثل تويتش وديسكورد قنوات تسويق موثوقة أيضًا للمؤثرين، لذلك إذا كانت علامتك التجارية قادرة على التفاعل بشكل أصيل مع ثقافة الألعاب، فسيتاح لك جمهور متفاعل للغاية، وغالبًا ما يكون مستعدًا لإنفاق المال على المنتجات التي يوصي بها منشئو المحتوى المفضلون لديهم.
- اقتصاد المبدعين يتجه نحو الاحتراف
بحلول عام 2026، سنشهد تسويقا عبر المؤثرين أكثر احترافية. نتحدث هنا عن مبدعين يتمتعون بمديري أعمال ذوي كفاءة، ونماذج عقود موحدة، وبطاقات أسعار شاملة لكل قطاع تجعل التسعير شفافًا وعادلًا.
ويفيد هذا الاحتراف الجميع، حيث ستحصل العلامات التجارية على شراكات أكثر موثوقية مع أهداف واضحة ومعايير احترافية. وسيحصل المبدعون على حماية أفضل، وأجور أكثر عدالة، واستقرار وظيفي.
وقد بدأت شركات إدارة المبدعين المحترفة بالظهور، حيث تتولى كل شيء من مفاوضات العقود إلى استراتيجية المحتوى لعملائها من المؤثرين. وسيميز هذا الاحتراف المبدعين الجادين عن الهواة، وهو أمر ليس سيئًا بالضرورة، حيث يعني أن العلامات التجارية ستتمتع بمستويات عمل أوضح، بدءًا من المبدعين الهواة المثاليين للحملات المحلية الأصيلة وصولًا إلى المؤثرين المحترفين القادرين على إدارة حملات معقدة ومتعددة المنصات.
- التخصيص المفرط والمجتمعات المتخصصة
إن المستقبل يعتمد على التحديد، فبدلًا من محاولة الوصول إلى الجميع ستركز حملات المؤثرين الناجحة في عام 2026 على الوصول إلى الأشخاص المناسبين تمامًا في الوقت المناسب وبالرسالة المناسبة.
فكّر في الأمر: هل تفضل عرض منتجك على مليون شخص عشوائي أم على 10 آلاف شخص يتسوقون بنشاط لما تبيعه؟ الإجابة واضحة، لكنها تتطلب تغييرًا جذريًا في طريقة تفكيرنا بشأن شراكات المؤثرين. هناك مؤثرون لديهم 5 آلاف متابع، ويُعتبرون خبراء في مجالات محددة للغاية: الأزياء المستدامة والبستنة الحضرية يثق بهم جمهورهم في هذه المجالات المتخصصة.
إن هذا التوجه نحو التخصيص المفرط يعني أن العلامات التجارية بحاجة إلى تحسين فهمها لعملائها المثاليين، ما الذي يهتمون به بخلاف منتج العلامة؟ ما المجتمعات التي ينتمون إليها؟ من هم المؤثرون الذين يثقون بهم حقًا؟
- الشراكات طويلة الأمد تحل محل الحملات الإعلانية الفردية
تعتبر الشراكات طويلة الأمد مع المؤثرين أكثر فاعلية من حيث التكلفة وأكثر نجاحًا من المنشورات الدعائية الفردية. وبحلول عام 2026، سيصبح هذا النهج ممارسةً اعتياديةً وليس استثناءً، فعندما يستخدم المؤثرون منتجًا ما ويحبونه بصدق مع مرور الوقت، يصبح دعمهم أكثر مصداقيةً بشكل ملحوظ مما يعزز الثقة في كل من مُنشئ المحتوى والعلامة التجارية.
كما تتيح هذه الشراكات أيضًا إنشاء محتوى أكثر تطورًا. فبدلًا من المنشورات الدعائية الفردية، ستحصل على عرض متكامل للمنتج عبر أنواع متعددة من المحتوى على مدى فترات زمنية طويلة. ويصبح المؤثر سفيرًا حقيقيًا للعلامة التجارية بدلًا من مجرد متحدث رسمي مُعتمد. ولذلك تتجه العلامات التجارية الذكية بالفعل إلى هذا الاتجاه، حيث تقدم للمؤثرين عقودًا سنوية مع مكافآت أداء بدلًا من الدفع مقابل كل منشور، وبالتالي فهو نموذج أكثر استدامة لجميع المعنيين.
- توصيات في ضوء الاتجاهات المتوقعة
نستعرض فيما يلي عددًا من التوصيات لوكالات التسويق الرقمي، ومؤسسي الشركات الناشئة، والعلامات التجارية المباشرة للمستهلك
- توقف عن مطاردة أعداد المتابعين: ابدأ بالتركيز على جودة الجمهور وتفاعله، وطوّر أنظمة لتحديد المؤثرين الذين تتوافق جماهيرهم حقًا مع عملائك المستهدفين، حتى لو لم يكن هؤلاء المؤثرون مرتبطين بشكل واضح بمجال عملك.
- استثمر في علاقات طويلة الأمد بدلًا من الحملات الفردية: ابحث عن منشئي محتوى يتفاعلون بصدق مع قيم علامتك التجارية، وابنِ شراكات تعود بالنفع على كلا الطرفين مع مرور الوقت.
- نوع استراتيجية منصتك: لا تعتمد كليًا على إنستغرام أو تيك توك، بل استكشف المنصات الناشئة والمجتمعات المتخصصة التي قد يتجمع فيها جمهورك.
- تبنَّ التكنولوجيا مع الحفاظ على الأصالة البشرية: استخدم أدوات الذكاء الاصطناعي للاستكشاف والتحليلات، ولكن تذكر أن العلاقات البشرية الحقيقية هي التي تُحرك قرارات الشراء.
- زيادة التنظيم والاحترافية: طوّر سياسات واضحة، وعقودًا عادلة، وممارسات شفافة تُفيدك مع نضج القطاع.
وختامًا، لن يكون مشهد التسويق عبر المؤثرين في عام 2026 مشابهًا تمامًا لما هو عليه اليوم، لكن العلامات التجارية التي تتكيف بذكاء مع هذه التغييرات ستجد فرصًا رائعة للنمو والتواصل مع العملاء، إن المستقبل مشرق، ولكنه سيكون مختلفًا عما اعتدنا عليه.



