ترجمات

لماذا تتقلب أسواق الطاقة خلال الأزمات الدولية؟

تميل أسواق الطاقة العالمية، مثل أسواق النفط والغاز والفحم، إلى التأثر بمجموعة واسعة من الأحداث العالمية، لا سيما عند حدوث أزمة ما. وعلى مدى أكثر من 30 عامًا، رأينا كيف يُمكن للحروب وعدم الاستقرار السياسي والأوبئة والعقوبات الاقتصادية أن تُعطل أسواق الطاقة بشكل كبير وتُعيقها عن العمل بكفاءة.

وفي هذا الإطار، نشر موقع ” كونفرزيشن” الإخباري الأمريكي مقالًا لسكيب يورك، الزميل غير المقيم في مجال الطاقة والنفط العالمي بمعهد بيكر للسياسات العامة في جامعة رايس الأمريكية، والذي نستعرضه على النحو التالي:

  • الأسس الاقتصادية للعرض والطلب

بالنظر إلى الأسس الاقتصادية للعرض والطلب، فقد تمثل الخطر الذي تصوره معظم الناس في الأزمة الأخيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى في أن توسع إيران، وهي دولة رئيسية منتجة للنفط، نطاق الصراع فجأة بتهديد قدرة دول الجوار على توريد النفط للعالم.

وفي حين تُشكل آبار النفط ومصافي التكرير وخطوط الأنابيب وممرات الشحن العمود الفقري لأسواق الطاقة، قد تكون هذه البنى التحتية عُرضة للخطر خلال الأزمات، وسواءً كان هناك تخريب مُتعمد أو أضرار جانبية ناجمة عن عمل عسكري، فإن البنية التحتية للطاقة غالبًا ما تُعاني من أضرار.

فعلى سبيل المثال، بعد غزو الكويت في أغسطس 1990، وضعت القوات العراقية عبوات ناسفة على آبار النفط الكويتية وبدأت في تفجيرها في يناير1991. واستغرق إخماد جميع الحرائق الناجمة عن ذلك عدة أشهر، ما أدى لإهدار ملايين البراميل من النفط ومئات الملايين من الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي بدلًا من بيعها واستخدامها بشكل منتج في مكان ما حول العالم.

كما يمكن لللوجستيات أن تُحدث فوضى في الأسواق أيضًا. على سبيل المثال، قد يُسبب إغلاق الطرق البحرية الحيوية، مثل مضيق هرمز أو قناة السويس، تأخيرًا في عمليات النقل.

وسواءً فُقدت الإمدادات نتيجة لانخفاض الإنتاج أو إغلاق طرق النقل، فإن التأثير يتمثل في انخفاض كميات النفط المتاحة للسوق، مما لا يؤدي فقط إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام، بل يجعلها أيضًا أكثر تقلبًا إذ تميل إلى التغير بوتيرة أسرع وبكميات أكبر.

من ناحية أخرى، قد يشهد الطلب تحولًا جذريًا. فخلال حرب الخليج 1990-1991، ارتفع الطلب حيث استخدمت القوات الأمريكية وحدها أكثر من ملياري جالون من الوقود، وفقًا لتحليل أجراه الجيش الأمريكي.

وعلى النقيض من ذلك، خلال جائحة كوفيد-19، أغلقت الصناعات أبوابها، وتوقفت حركة السفر، وانخفض الطلب على الطاقة بشكل حاد. فعندما تلوح الأزمات في الأفق، غالبًا ما تبدأ الدول والشركات بتخزين النفط والمواد الخام الأخرى بدلًا من شراء ما تحتاجه فقط في الوقت الحالي. وهذا يُفاقم اختلال التوازن، ويؤدي إلى تقلبات في الأسعار تُسبب صداعًا للجميع، سواءً كانوا مستهلكين أو منتجين.

  • الاعتبارات الإقليمية

بالإضافة إلى الشكوك المحيطة بأساسيات السوق، من المهم الإشارة إلى أن العديد من احتياطيات الطاقة العالمية تقع في مناطق لم تكن نموذجًا للاستقرار. ففي الشرق الأوسط، يمكن للحروب والثورات والنزاعات الدبلوماسية أن تثير مخاوف بشأن العرض والطلب أو كليهما، وتُرسل هذه المخاوف موجات من الصدمات في أسواق الطاقة العالمية.

إن الأمر أشبه بالسير على حبل مشدود خطوة خاطئة واحدة – أو حتى مجرد الشعور بالخطأ – يمكن أن تسبب اهتزاز السوق. كما يمكن للعقوبات الاقتصادية مثل تلك التي تُقيد التجارة مع إيران أو روسيا أو فنزويلا، أن تُشوه قرارات الإنتاج والاستثمار وتُعطل تدفقات التجارة.

وفي بعض الأحيان، تتفاعل الأسواق حتى قبل تطبيق العقوبات رسميًا: فمجرد شائعة عن حظر محتمل يمكن أن تُسبب ارتفاعًا حادًا في الأسعار مع تدافع المشترين لتأمين الموارد وفي خضم هذه التدافعات، يبرز دور مضاربة المستثمرين.

من جهة أخرى، فإن سلع الطاقة كالنفط والغاز، ليست مجرد موارد مادية؛ بل تُتداول أيضًا كأصول مالية مثل الأسهم والسندات. ففي أوقات عدم اليقين، لا ينتظر المتداولون التغيرات الفعلية في العرض والطلب، بل يتفاعلون مع الأخبار والتوقعات، أحيانًا كمجموعات كبيرة، مما قد يُحدث تحولًا في السوق بمجرد تحركات ناجمة عن مخاوفهم أو آمالهم.

وتُعد أحداث 22 يونيو الجاري مثالًا جيدًا على آلية عمل هذه الديناميكية. فقد أصدر البرلمان الإيراني قرارًا يُفوض المجلس الأعلى للأمن القومي بإغلاق مضيق هرمز. وعلى الفور، بدأت أسعار النفط بالارتفاع، رغم أن المضيق كان لا يزال مفتوحًا، وتمر فيه ناقلات النفط دون عوائق.

وفي اليوم التالي، شنّت إيران هجومًا صاروخيًا على قاعدة أمريكية في قطر واعتبر المتداولون والمحللون هذا الإجراء إشارةً إلى تهدئة الموقف، وتوقعوا أن المجلس الأعلى لن يُغلق المضيق، وهكذا بدأت الأسعار بالانخفاض.

  • الطاقة المتجددة ليست بمنأى عن الأزمات

يمكن للأزمات الدولية أن تُحدث تغييرات أوسع نطاقًا في اقتصادات الدول أو الاقتصاد العالمي ككل مما يؤثر بدوره على سوق الطاقة. فإذا أشعلت أزمة ما ركودًا اقتصاديًا، أو تضخمًا متزايدًا، أو بطالة مرتفعة، عادةً ما يدفع ذلك الوضع الناس والشركات إلى استهلاك طاقة أقل. وعندما يستقر الوضع الأساسي، يمكن لجهود التعافي أن تعني استئناف استهلاك الطاقة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الطاقة المتجددة ليست بمنأى عن الأزمات والفوضى الدولية، فصحيح أن العرض أقل تأثرًا بقوى السوق؛ فكمية ضوء الشمس والرياح المتاحة غير مرتبطة بالعلاقات الجيوسياسية، لكن الظروف الاقتصادية العامة لا تزال تؤثر على الطلب، حيث يمكن للأزمة أن تُعطل سلاسل التوريد للمعدات اللازمة لإنتاج الطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح.

وختامًا، يمكن القول إن توتر أسواق الطاقة خلال الأزمات الدولية نتاج لمزيج من الاختلالات بين العرض والطلب، وضعف البنية التحتية، والتوترات السياسية، ومخاوف الشركات، والمضاربة التجارية. وبالنسبة لصانعي السياسات والمستثمرين والمستهلكين، يُعد فهم هذه الديناميكيات أمرًا أساسيًا للتعامل مع تقلبات أسواق الطاقة في عالم مُعرض للأزمات، فصحيح الحلول ليست بسيطة، لكن الوعي هو الخطوة الأولى نحو الاستقرار.

 

زر الذهاب إلى الأعلى