في غمرة الانشغال الإعلامي بالتركيز على مستجدّات أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، تمكنت المملكة العربية السعودية من إحراز العديد من المكاسب، وتحقيق إنجازات تعكس جهود القيادة الرشيدة، ونجاعة الاستراتيجيات التنموية والتحركات الدبلوماسية، لحماية وصون المصالح العليا للدولة، وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية، ودورها القيادي على الصعيدين الإقليمى والدولي، وتأثير القرار السعودي في تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي، وذلك على النحو التالي:
السعودية تقود قاطرة استقرار سوق النفط العالمي وتسيطر على حصص في شركات أوروبية كبرى
استطاعت السعودية أكبرُ دولة مصدرة للنفط في العالم، تأكيد دورها القيادي عبر سياستها النفطية، حيث توصل اجتماع “أوبك+” الطارئ الذي دعت إليه المملكة، إلى خفض إنتاجها الإجمالي من خام النفط بمقدار 10 ملايين برميل يومياً، ابتداءً من 1 مايو المقبل ولمدة شهرين، كما أعلنت دول مجموعة العشرين لاحقاً التزامها باتخاذ خطوات فورية لضمان استقرار أسواق الطاقة.
ولطالما أكدت المملكة أنها تريد التوصّل لاتفاق بشأن خفض الإنتاج، ولكن بشرط أن يلتزم المنتجون الرئيسيون جميعاً بتلك القيود، وخلال اجتماع أوبك في أوائل مارس، اقترحت السعودية خفضاً قدره 1.5 مليون برميل يومياً لمواجهة تراجع الطلب، لكن روسيا حليفة أوبك رفضت الاقتراح، مما أثار حرب أسعار.
ويرى ستيفن كوك، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن روسيا لم تُحسِن إدارة حرب الأسعار مع السعودية، معتبراً أن الخلاف الذي استمرّ لمدة شهر مع المملكة، يُظهر مقدار المبالغة في تقدير روسيا للأوراق التى تمتلكها، مرجحاً أن أحد تداعيات تلك المسألة أنها ستكون نهاية لفكرة أن تلعب موسكو دوراً هاماً في إقامة نظام إقليمي جديد، بحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.
وارتباطاً بمسألة النفط، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي (صندوق الثروة السيادي بالمملكة)، على حصص بقيمة نحو مليار دولار في أربع شركات نفط أوروبية عملاقة، هي “رويال داتش شل” الإنجليزية الهولندية، و”توتال” الفرنسية، و”إيني” الإيطالية، و”إكوينور” النرويجية.
وجاء التحرّك السعودي في الوقت الذي يَشهد فيه قطاع النفط والغاز العالمي انتكاسة، حيث تدهور الطلب على الطاقة مع تفشّي وباء كورونا، وبعدما كشف الصندوق مؤخراً عن حصة 8.2% في شركة “كارنيفال كورب” المشغّلة للسفن السياحية والمتضرّرة من تفشي كورونا.
ويُدير الصندوق أصولاً بأكثر من 300 مليار دولار، ولديه حصص في “أوبر و”لوسيد موتورز” لإنتاج السيارات الكهربائية، كما خصص 45 مليار دولار لصندوق رؤية “سوفت بنك” البالغ حجمه 100 مليار دولار.
ويُعدّ الصندوق أداةً رئيسية لتعزيز الاستثمارات السعودية في الداخل والخارج، في إطار خطة سموّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، لتعزيز الاستثمارات السعودية في الداخل والخارج، وتنويع موارد الاقتصاد.
قوة التصنيف الائتماني للمملكة رغم الاضطرابات الاقتصادية الدولية
وفي مؤشر على الثقة الكبيرة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي ومرونته في مواجهة التحديات، وقوة المركز المالي للمملكة في ظلّ ركود يَضرب العالم بفعل تداعيات وباء كورونا.
وقد ثَبّتت وكالة فيتش العالمية التصنيف الائتماني طويل الأجل للسعودية عند A مع نظرة مستقبلية مستقرّة، موضحة أن تأكيد التصنيف يعكس القوة المالية التي تتمتع بها المملكة، بما في ذلك الاحتياطات الأجنبية العالية بشكل استثنائي، ونسبة الدين العام المنخفضة.
ورفعت الوكالة تقديراتها لنموّ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المملكة للعام الجاري إلى 4.9% مقارنةً بـ 2.0% في تقديراتها الأخيرة التي أجرتها في أكتوبر الماضي، متوقعةً نموّ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السعودي 4.9% و4.7% خلال العامين 2020 و2021 على التوالي.
كما أجرت وكالة التصنيف الائتماني موديز تحديثاً لتقريرها الائتماني للمملكة عند A1 مع نظرة مستقبلية مستقرة.
كندا تستأنف تنفيذ صفقة أسلحة ضخمة مع المملكة
في خطوةٍ تُعزّز من نجاحات السياسة الخارجية للمملكة، قررت الحكومة الكندية إعادة التفاوض على شروط عقد بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي، أبرمته مع السعودية منذ سنوات، لبيعها ناقلات جُندٍ مدرعة خفيفة، ما يُمهِّد لِلمُضيّ قدماً في تنفيذ هذه الصفقة المجمّدة منذ نهاية 2018.
وأوضح وزير الخارجية الكندي فرانسوا فيليب شامباين، أن إلغاء هذا العَقد كان يمكن أن يؤدّي إلى عقوباتٍ بمليارات الدولارات على الحكومة الكندية، ويُهدّد وظائف آلاف الكنديين.
ويمثل الإعلان الكندي، تحوّلاً في سياسة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الذي سعى منذ نهاية عام 2018 إلى التملّص من إتمام الصفقة، بعد توتّر في العلاقة بين أوتاوا والرياض.
وتَقضي الصفقة الموقّعة في عام 2014 بشراء المملكة ناقلات جندٍ مصفحة خفيفة تُصنِّعُها في كندا شركة “جنرال دايناميك لاند سيستمز كندا” التابعة لمجموعة “جنرال دايناميكس” الأمريكية.
طفرة غير مسبوقة في قطاعي الصناعة والزراعة انطلاقاً من رؤية 2030
وفي استجابة للدعوة التي وَجّهتها وزارة الصناعة والثروة المعدنية وهيئة المحتوى المحلي للمصانع الوطنية، لإنتاج وصناعة أجهزة التنفّس الصناعي اللازمة لمرضى كورونا، بدأ تكتّل من المُصَنِّعين السعوديين، العملَ على إنتاج أجهزة التنفّس الصناعي كمنتج وطني.
وسيتمّ الإنتاج في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، بمعدّل ألف جهاز أسبوعياً، وهي خطوة تعكس مدى التقدّم الذي حققه القطاع الصناعي بالمملكة، بفضل الاهتمام والدعم الذي يلقاه من جانب الدولة، وفي ظلّ جهود متواصلة لتطوير الصناعة الوطنية، التي تُعدّ من أهم عناصر رؤية المملكة 2030، مع التركيز على تطبيق تقنيات الجيل الرابع للصناعة، من أجل تحقيق نقلة نوعية للصناعة في المملكة، وبناء منظومة تصنيع مستدامة وتنافسية ومتنوّعة تعتمد على القطاع الخاص، بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني والمواطنين.
كما حَقّق الناتج الزراعي في السعودية خلال العام الماضي، أعلى معدّل نموّ في خمسة أعوام، بلغ 61.4 مليار ريال، بزيادة 800 مليون ريال عن عام 2018، لتحتلّ المرتبة الثالثة عربياً بعد مصر والجزائر.
وتأتي تلك النجاحات تتويجاً للاستراتيجيات والبرامج التي تنفذها الدولة، لتعزيز التنمية الزراعية المستدامة وزيادة الرقعة الزراعية، للإسهام في الأمن الغذائي، والحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية.