تقارير

المبادرة السعودية بشأن اليمن.. خارطة طريق واختبار للحوثيين

اتساقًا مع نهج المملكة الداعي إلى الحل السياسي للأزمة اليمنية والحرص على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في 22 مارس 2021م عن مبادرة سعودية لإنهاء الأزمة اليمنية والتوصل لحل سياسي شامل، في تحرك عملي يضاف إلى رصيد المملكة الزاخر بالجهود الداعمة لمساعي تحقيق السلام في اليمن والهادف إلى رفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني، والحفاظ على وحدة اليمن وسيادته.
وتمثل المبادرة السعودية اختبارًا حقيقيًّا في رغبة الحوثيين في إرساء السلام في اليمن وحدود استقلالية قراراهم عن داعميهم في طهران، فهي تلقي بالكرة في ملعبهم أمام مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، الذي يتعين عليه هو الآخر تحمل مسؤولياته لدعم مبادرة المملكة والسعي لإطلاق العملية السياسية التي تنهي ذلك الصراع الدائر منذ سنوات بما يحفظ أمن واستقرار اليمن، والمنطقة بوجه عام لما تمثله من أهمية حيوية للاقتصاد العالمي.
منطلقات وبنود المبادرة السعودية
ارتكزت المبادرة السعودية على عدة منطلقات ومقاصد سياسية واستراتيجية وإنسانية تعكس ثوابت السياسة السعودية إزاء الأزمة اليمنية واستراتيجية المملكة الرامية لضمان والحفاظ على الأمن القومي العربي والتصدي للتدخلات الإقليمية المزعزعة للاستقرار، إذ جددت الرياض التأكيد خلال المبادرة على رفضها التام للتدخلات الإيرانية في المنطقة واليمن، مع التأكيد على أن طهران هي السبب الرئيسي في إطالة أمد الأزمة اليمنية بدعمها لميليشيات الحوثيين عبر تهريب الصواريخ والأسلحة وتطويرها وتزويدهم بالخبراء، وخرقها لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وقد أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن المملكة لم تر من طهران سوى العداوة، ودعم الاعتداءات على المملكة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من التقارير الدولية التي أعدها خبراء أمميون حول النزاع في اليمن، توثق التدخلات الإيرانية وعمليات تهريب الأسلحة للحوثيين، وأيضًا تفاصيل الاعتداءات الإرهابية التي نفذتها ميليشيا الحوثي بأسلحة إيرانية على مدى السنوات الست الماضية.
كما تأتي المبادرة السعودية دعما لجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن جريفيث والمبعوث الأمريكي تيموثي ليندركينغ والدور الإيجابي لسلطنة عمان، ودفع جهود التوصل لحل سياسي للأزمة برعاية الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، يظهر البعد الإنساني بوضوح في المبادرة، حيث تهدف بنودها إلى التخفيف من معاناة اليمنيين، وتأسيس الانتقال إلى مرحلة جديدة لتنمية وتحسين معيشة الشعب اليمني.
وتشتمل المبادرة – التي ستدخل حيز التنفيذ متى وافق عليها الأطراف- على البنود التالية:
– وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة وفق اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة.
– فتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية.
– بدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة بناء على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.
ومن خلال استقراء بنود المبادرة، نجد أنها جاءت لتبني على كافة الجهود والاتفاقات السياسية ذات الصلة بالأزمة اليمنية، فهي تستند إلى أرضية سياسية صلبة.
وعلى صعيد المخاطبين بتلك الدعوة، خاطبت المملكة على نحو مباشر طرفي الصراع اليمني عبر دعوة كل من الحكومة اليمنية الشرعية وميليشيا الحوثي لقبول المبادرة، لافتة إلى أن المبادرة تمنح الحوثيين الفرصة لتحكيم العقل، ووقف نزيف الدم اليمني، ومعالجة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب اليمني، وتوفر كذلك الفرصة لأن يكون الحوثيون شركاء في تحقيق السلام، وأن يقوموا بإعلاء مصالح الشعب اليمني وحقه في سيادة واستقلال وطنه على أطماع النظام الإيراني في اليمن والمنطقة.
ويمكن القول إن المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار في اليمن بما تضمنته من النص على تنفيذها تحت إشراف الأمم المتحدة، تضع أساسًا متينًا لمراقبة دولية للالتزام بالتهدئة التامة في جميع الجبهات وعلى كافة الأصعدة، والتي تعد متطلبًا أساسيًّا لبدء المسار السياسي التفاوضي للتسوية السلمية للأزمة اليمنية.
وتضع المبادرة أيضًا الحوثيين أمام مأزق حقيقي ليس فقط أمام المجتمع الدولي في الشق الخاص بقبول الالتزام بوقف إطلاق النار، ولكن أيضًا أمام الشعب اليمني، فموقف الحوثيين سيكشف بجلاء الانحياز والولاء الذي تدين به تلك الجماعة، هل سيكون ولاؤها وطنيًّا لمصلحة الشعب اليمني أم ستنحاز كعادتها لمصلحة إيران وأطماعها ومشروعها للهيمنة الإقليمية، إذ تعد الجماعة إحدى أدوات هذا المشروع.
إلى ذلك، اقترنت المبادرة السعودية الرامية إلى وقف إطلاق النار وتمهيد الطريق أمام التسوية السياسية في اليمن، أيضًا بالتأكيد على حق المملكة الكامل في الدفاع عن أراضيها ومواطنيها والمقيمين بها من الهجمات الممنهجة التي تقوم بها الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران ضد الأعيان المدنية والمنشآت الحيوية، التي لا تستهدف المقدرات الوطنية للمملكة فقط، بل عصب الاقتصاد العالمي وإمداداته وأمن الطاقة العالمي والممرات المائية الدولية، لا سيما منطقة مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
وفي هذا الإطار، أكد نائب وزير الدفاع السعودي، صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان، أن المملكة ستستمر في الدفاع عن أراضيها وحدودها ودعم الحكومة اليمنية وقواتها للدفاع ومواجهة الاعتداءات الحوثية، مشيرًا إلى أن المبادرة السعودية تمنح فرصة لإعلاء مصالح اليمن على أطماع إيران.
ولعل هذه الرسالة ما أكد عليها أيضًا التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، حيث صرح المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، العقيد الركن تركي المالكي بأن وقف إطلاق النار مشروط بقبول المبادرة من طرفي الصراع باليمن، مشددًا على أن للتحالف الحق الكامل في الرد على انتهاكات ميليشيا الحوثي ضد المدنيين في السعودية وفي اليمن.
ترحيب الحكومة اليمنية ومماطلة الحوثيين
فور الإعلان عن المبادرة السعودية، سارعت الحكومة اليمنية إلى الترحيب بها، إذ اعتبرت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين اليمنية في بيان أن المبادرة تمثل ذات الموقف الذي عبرت عنه الحكومة اليمنية مع كل نداءات السلام، وفي كل محطات التفاوض حرصًا منها على التخفيف من المعاناة الإنسانية لأبناء الشعب اليمني.
في المقابل، جاء الرد الحوثي متماشيًا مع نهج الميليشيا المعتاد في المماطلة، حيث صرح كبير المفاوضين بجماعة الحوثي، محمد عبدالسلام لوكالة “رويترز” للأنباء أن “الجماعة ستواصل الحديث مع السعودية وسلطنة عمان والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام”، لكنه زعم أن “المبادرة لا تتضمن شيئًا جديدًا”.
وتظهر طبيعة التعليق الحوثي على المبادرة أيضًا وجود حالة من الترقب داخل صفوف الميليشيا للتوجيهات التي سيتلقونها من طهران، وإن صدر عن الخارجية الإيرانية تصريح عام مقتضب أعربت فيه عن دعمها لأي خطة للسلام في اليمن، في محاولة لتجنب الضغوط الدولية وإظهار التوافق مع مساعي المجتمع الدولي، وفي الوقت ذاته الحرص على عدم إبداء موقف واضح من المبادرة السعودية.
وسيكون السلوك الحوثي على الأرض خلال الساعات القليلة القادمة مؤشرًا مهمًّا على تفاعل الجماعة مع المبادرة السعودية، لا سيما الأوضاع على جبهة مأرب، حيث عمل الحوثيون على تكثيف هجماتهم خلال الأسابيع الماضية من أجل محاولة انتزاع السيطرة على المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية والغنية بمصادر الطاقة، من أجل تحسين وضعهم التفاوضي حال الجلوس على مائدة المفاوضات، علما بأن تلك الهجمات كبدت الحوثيين خسائر فادحة في العتاد والأرواح.
تأييد ودعم دولي وعربي واسع للمبادرة السعودية بشأن الأزمة اليمنية
لاقت المبادرة السعودية فور طرحها تأييدًا واسعًا ودعمًا كبيرًا من قبل الدول العربية والغربية والمنظمات الدولية والإقليمية، إذ أجمعوا على مطالبة مختلف الأطراف بقبول المبادرة من أجل إفساح المجال أمام التسوية السياسية.
ودعت الولايات المتحدة الأمريكية جميع أطراف الأزمة اليمنية إلى الالتزام بوقف إطلاق النار، ونددت بالهجمات التي نفذها الحوثيون على الأراضي السعودية. كما جدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في اتصال هاتفي مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، التأكيد على التزام واشنطن بدعم الدفاع عن السعودية.
وحظيت المبادرة كذلك بترحيب من الأمم المتحدة التي أكدت أنها تتوافق مع جهودها لتسوية الأزمة اليمنية، وأيضًا من الاتحاد الأوروبي الذي وصفها بأنها خطوة إيجابية في اتجاه السلام، وأبدت الصين كذلك من خلال سفارتها في اليمن ترحيبًا بالمبادرة السعودية.
كما أكد وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، ترحيب بلاده بمبادرة المملكة، مشددًا على وجوب اتخاذ الحوثيين الآن خطوات مماثلة نحو السلام، وإنهاء معاناة الشعب اليمني.
وفي القاهرة، أعربت مصر عن ترحيبها بالمبادرة التي أعلنتها السعودية، مشيدة بحرص المملكة الصادق والدؤوب على التوصل لتسوية شاملة في اليمن تُنهي أزمته السياسية والإنسانية المُمتدة، كما دعت مصر كافة الأطراف اليمنية إلى التجاوب مع المبادرة السعودية بما يحقن دماء الشعب اليمني الشقيق، ويدعم جهود إحلال السلام في اليمن.
وفي ذات الإطار، عبر الأردن عن دعمه المطلق للمبادرة التي توفر طرحاً متكاملاً للتوصل لاتفاق سياسي شامل منسجم مع قرارات الشرعية الدولية ينهي الأزمة ويحمي اليمن وشعبه، ويعزز الأمن والاستقرار الإقليميين.
من جهته، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، عن تأييده للمبادرة السعودية، مؤكدا أنها تمثل خطوة إيجابية ونقطة انطلاق لحوار سياسي شامل، وأنها تمثل معالجة متوازنة لشواغل مختلف الأطراف، مطالبًا الميليشيا الحوثية بتنحية أي مصالح خاصة أو أجندات خارجية.
أما منظمة التعاون الإسلامي فثمنت مبادرة المملكة وحرصها المستمر على أمن واستقرار اليمن والمنطقة والدعم الجاد والعملي للسلام وإنهاء الأزمة اليمنية، داعية جميع الأطراف للقبول بالمبادرة لوقف نزيف الدم اليمني.
وعلى الصعيد الخليجي، رحب الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف بمبادرة المملكة، مشيرًا إلى أنها تعكس الحرص الكبير والرغبة الصادقة لإنهاء الأزمة اليمنية لينعم الشعب اليمني بأطيافه كافة بالأمن والاستقرار بعد سنوات من الحرب نتيجة انقلاب ميليشيات الحوثي على الشرعية واستمرار التدخلات الإيرانية ودعمها لهذه المليشيات.
كما رحبت سلطنة عُمان بالمبادرة السعودية، مؤكدةً أنها ستواصل العمل مع المملكة والأمم المتحدة والأطراف اليمنية المعنية لتحقيق التسوية السياسية المنشودة، التي تعيد لليمن الشقيق أمنه واستقراره، وبما يحفظ أمن ومصالح دول المنطقة.
وأعربت دولة الإمارات عن تأييدها لمبادرة المملكة، حيث أكد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، أن أبوظبي تدعم بشكل كامل المبادرة، التي تعد فرصة ثمينة لوقف شاملٍ لإطلاق النار في اليمن، ولتمهيد الطريق نحو حل سياسي دائم.
بدورها، أكدت دولة الكويت ترحيبها ودعمها للمبادرة السعودية، داعية في بيان صادر عن وزارة الخارجية الأطراف اليمنية إلى التفاعل الإيجابي مع هذه المبادرة والالتزام التام بها بغية انطلاق المشاورات بين الأطراف اليمنية، وصولاً إلى الحل السياسي المنشود وفق المرجعيات الثلاث المتفق عليها.
كما أيدت مملكة البحرين المبادرة، مشيدة بمواقف السعودية الداعمة لليمن وسعيها الدائم لاستعادة الأمن والاستقرار، وما قدمته من عون ومساعدات إنسانية للتخفيف من معاناة الشعب اليمني.
وأعربت وزارة الخارجية القطرية، بعد إعلان المملكة العربية السعودية مبادرتها الهادفة إلى إنهاء الأزمة اليمنية والتوصل إلى حل سياسي شامل، ترحيبها بكافة المبادرات والجهود الهادفة لإنهاء الحرب في اليمن، متطلعة إلى أن يكون “المسار السياسي الشامل والمصالحة الوطنية هما المسار الذي يلتف حوله كافة الفاعلين في المشهد اليمني والمجتمع الدولي ككل.
وتأسيسًا على ما سبق، فإن القراءة الفاحصة للمبادرة السعودية تؤكد حقيقة راسخة تتمثل في إدارة المملكة لملف الأزمة اليمنية بكل حكمة واقتدار منذ البداية وحتى اليوم، فهي توخت على الدوام الحفاظ على مصلحة الشعب اليمني والرغبة في حقن دماء اليمنيين من خلال تغليب الحل السياسي المرتكز على المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن 2216.
لكن على النقيض من ذلك النهج لطالما التزم الحوثيون – بتحريض إيراني- بنهج التصعيد وشن الاعتداءات، وهو ما واجهته المملكة بكل قوة وحزم من منطلق الدفاع الشرعي عن النفس وردع الاعتداءات الإرهابية.
وأخيرًا، تمنح المبادرة السعودية الحوثيين فرصة جديدة للعودة إلى الحاضنة الوطنية اليمنية والابتعاد عن فلك طهران، ففي حال إصغاء الحوثيين لصوت العقل وقبولهم المبادرة، سيفتح المجال أمامهم للانخراط في التسوية السياسية والمشاركة في صنع وبناء السلام باليمن.

زر الذهاب إلى الأعلى