تقارير

أزمة المسار الوظيفي لمسؤولي التواصل الاجتماعي داخل المؤسسات

في ظل الطفرة التي أحدثها التطور التكنولوجي وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، لم يعد استخدام هذه المواقع مقصورًا على الأفراد فقط، بل إن كل المؤسسات، على اختلاف أنشطتها، باتت تحرص على تدشين حسابات لها على المنصات الاجتماعية من أجل الوصول إلى الجماهير.

وانعكس ذلك التوجه على الهياكل الإدارية للمنظمات والشركات، حيث استُحدِثتْ أقسامٌ تتعلق بإدارة حسابات شبكات التواصل الاجتماعي، تتولى إنشاء وجدولة وتحليل ومشاركة المحتوى المتنوع على تلك الحسابات بالصورة التي تحقق أهداف المؤسسة وتضمن تفاعلًا كبيرًا مع قطاعات واسعة من جمهور تلك المنصات.

ووفقًا لتقرير الاتصالات العالمية الصادر عن مركز USC Annenberg المتخصص في العلاقات العامة، فإن 38% من الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة يرون أن وسائل التواصل الاجتماعي ستكون العنصر الأكثر قيمة في استراتيجية الاتصالات لشركاتهم في المستقبل.

وارتباطًا بهذه العملية يبرز الدور الرائد الذي يلعبه مديرو وسائل التواصل الاجتماعي في تنفيذ تلك الاستراتيجية، وأهمية إجراء أبحاث ودراسة حول الأفراد الذين يشغلون هذا الدور التنظيمي المهم الذي نما أضعافًا مضاعفة على مدى السنوات العشر الماضية.

57% من مديري حسابات التواصل الاجتماعي يعتزمون مغادرة عملهم خلال عامين

وفي هذا الإطار، تعاون مركز أبحاث الوسائط الرقمية، ومؤسسة Ragan Communications، وجامعة فلوريدا في مشروع بحثي لدراسة أدوار مديري وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال استطلاع شمل أكثر من 400 من مديري هذه الوسائل لتحديد أدوارهم ومسؤولياتهم الوظيفية وأنظمة مراجعة الأداء، والطموحات المهنية والتحديات والفرص التي يواجهونها.

وشكَّلت النساء نسبة 79% من عينة الدراسة، والرجال 20%، بينما امتنع 1% من المشاركين عن الإجابة عن السؤال المتعلق بالنوع، كما تصدرت الشريحة العمرية من 30 إلى 39 عامًا العينة بنسبة 31%.

ومن الناحية التعليمية، فإن 61% من المشاركين في الدراسة حاصلون على درجة البكالوريوس، بينما حصل 31% على درجة الماجستير.

أمَّا عن طبيعة المؤسسات التي يعمل بها مديرو وسائل التواصل الاجتماعي المشاركون في الدراسة، فجاءت الشركات في المقدمة بنسبة 33%، ثم منظمات المجتمع المدني بنسبة 23%، تليها المؤسسات التعليمية بنسبة 18%، ثم المنظمات الحكومية بنسبة 11%.

وخلصت الدراسة إلى نتيجة أساسية تمثلت في وجود أزمة تتعلق بالمسار الوظيفي لمسؤولي حسابات التواصل الاجتماعي داخل المؤسسات، حيث أعرب 57% من مديري حسابات وسائل التواصل الاجتماعي عن اعتقادهم بأنهم لن يظلوا في وظائفهم الحالية لأكثر من عامين آخرين، وانقسم هؤلاء حول ما إذا كان منصبهم التالي سيكون متعلقًا بوسائل التواصل الاجتماعي أم لا، حيث رأى 31% أن منصبهم المقبل سيكون ذا صلة بوسائل التواصل الاجتماعي، واعتبر 31% أيضًا أن خطوتهم المقبلة لن تكون ذات صلة بهذا المجال.

مهام مديري التواصل الاجتماعي

وأظهرت الدراسة أن الدور الأساسي لمديري وسائل التواصل الاجتماعي يتمثل في إنشاء المحتوى ووضع الاستراتيجيات، حيث يرى 41% من المشاركين في الاستطلاع أن دورهم الأساسي، بوصفهم مديرين لوسائل التواصل الاجتماعي، هو إنشاء المحتوى، و27% رأوا أنه وضع الاستراتيجيات، بينما اعتبر 20% أن دورهم الأساسي يتمثل في تحسين الوعي بالعلامة التجارية وسمعتها، ورأى 4% أن دورهم هو التفاعل مع المتابعين، مقابل 2% اعتبروا أن دورهم يتعلق بخدمة العملاء.

كما يشارك مديرو وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متكرر في محادثات الاستراتيجية الداخلية، حيث قال 76% من المشاركين في الاستطلاع إنهم يشاركون في أمور تتعلق بالاستراتيجية الإعلامية، بينما 68% قالوا إنهم يشاركون في استراتيجيات الأداء،  بينما يشارك 41% من مديري وسائل التواصل الاجتماعي في الأعمال التجارية والاستراتيجية التنظيمية الشاملة.

وتطرقت الدراسة أيضًا إلى موقع إدارة التواصل الاجتماعي، داخل الهيكل التنظيمي للمنظمات والشركات، مشيرة إلى أنه غالبًا ما تكون إدارة التواصل الاجتماعي جزءًا من أقسام الاتصال والعلاقات العامة والتسويق، حيث قال 51% من المشاركين في الاستطلاع إن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل في مجال الاتصال والعلاقات العامة، بينما قال أكثر 38% إنها جزء من قسم التسويق.. ورأى 4% أنها إدارة قائمة بذاتها.

أمَّا فيما يخص عدد الأشخاص في فريق وسائل التواصل الاجتماعي بالمؤسسة، فيبلغ 5 أفراد في المتوسط.

كما كشفت الدراسة عن أن ثمة مشكلة تتعلق بميزانية إدارة وسائل التواصل الاجتماعي، إذ ذكر 27%  من مديري هذه الوسائل أنه ليس لديهم ميزانية للعمل، وقال 34% إن لديهم ميزانية أقل من 10 آلاف دولار في العام.

وخلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج الأخرى، أبرزها:

تجاوزت ساعات عمل مديري وسائل التواصل الاجتماعي العدد القياسي لساعات العمل الأسبوعي البالغ 40 ساعة، إذ بلغ متوسط عدد ساعات عمل معظمهم ما بين 41 إلى 59 ساعة في الأسبوع.

يعد “فيسبوك” و”تويتر” أكثر منصتين يتم استخدامهما من جانب الشركات والمؤسسات، حيث جاء ترتيب كثافة استخدام المنصات كالتالي: فيسبوك بنسبة 81%، يليه تويتر بنسبة 77%، ثم لينكد إن بنسبة 67%، وإنستغرام بنسبة 66%، وأخيرًا يوتيوب بنسبة 51%.

مقياس تقييم أداء مديري وسائل التواصل الاجتماعي، رأى 46% من المشاركين في الاستطلاع أن الردود على الجمهور والتفاعل معهم من أهم مقاييس تقييم الأداء، ووجد 33% أن أعداد المتابعين للحسابات على مواقع التواصل من أبرز مقاييس الأداء.

أفضل السبل لتطوير الأداء المهني لمسؤولي وسائل التواصل الاجتماعي، احتلت الندوات عبر الإنترنت المرتبة الأولى بنسبة 68% ثم ورش العمل بنسبة 58%، الدورات التعليمية عبر الإنترنت بنسبة 46%، الاستعانة بجهود المنظمات المهنية بنسبة 37%.

غياب المسار الوظيفي الواضح وأُفُق الترقِّي

وقد لخَّص القائمون على الدراسة الدوافع التي تكمن وراء رغبة نسبة كبيرة من مديري وسائل التواصل الاجتماعي في مغادرة عملهم، في افتقادهم التقدير وعدم وجود سُلَّم وظيفي، ممَّا يعني غياب أفق الترقي داخل المؤسسة.

وترى مارسيا ديستاسو، رئيسة قسم العلاقات العامة بجامعة فلوريدا، وأحد معدي الدراسة، أنه من الواضح أن مديري وسائل التواصل الاجتماعي لا يحظون بالتقدير الكافي في المؤسسات، مشيرة إلى أنه لا يوجد مسار وظيفي واضح لوسائل التواصل الاجتماعي في معظم المؤسسات.

وتؤكد مارسيا ضرورة تحديد سلم للتدرج الوظيفي والأمور المتعلقة بزيادة الرواتب والترقيات للتغلب على الإشكالية المتعلقة بتفكير عدد كبير من مسؤولي وسائل التواصل الاجتماعي في المؤسسات في مغادرة مواقعهم.

كما رأت تينا ماكوركينديل، المديرة التنفيذية لمعهد العلاقات العامة (مركز بحثي مستقل) أن بعض المؤسسات ما زالت تعتبر أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا ثانويًّا وليست جزءًا رئيسيًّا من استراتيجية المؤسسات.

ورجعت ماكوركينديل، رغبة مديري وسائل التواصل الاجتماعي في مغادرة مناصبهم إلى مجموعة من العوامل، من بينها الإرهاق نتيجة ضغوط العمل عليهم وعدم وجود فِرَق عمل تعاونهم في كثير من الأحيان، فضلًا عن غياب أفق الترقي داخل مؤسساتهم.

ختامًا.. يمكن القول إنه على الرغم من الأهمية المتزايدة لوسائل التواصل الاجتماعي في أعمال مختلف المؤسسات خلال الأعوام الأخيرة، فإن تلك الأهمية لم تنعكس على الهياكل التنظيمية للمؤسسات، والمخصصات المالية والمسار الوظيفي لإخصائيي التواصل الاجتماعي، فالعديد من المنظمات يغيب عنها وجود فريق مختص بوسائل التواصل الاجتماعي، وتُوكل هذه المهمة إلى شخص واحد بمفرده.

ولذلك يجب على المؤسسات اتخاذ عدد من الإجراءات المتعلقة بإعادة تنظيم العمل ذي الصلة بوسائل التواصل الاجتماعي، وفي مقدمة تلك الإجراءات الاهتمام بتكوين فرق عمل تتولى إدارة حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالمنظمة بما يتناسب مع حجم نشاطها واتساعه، وكذلك وضع ميزانية لائقة بتلك الإدارة تمكِّن القائمين عليها من تسيير العمل، وأيضًا وضع مسار وظيفي يكفل فرصًا للترقِّي داخل المؤسسة ممَّا يشكل حافزًا للعاملين، ويساعد على الاحتفاظ بالمواهب والكفاءات المتميزة في هذا المجال الحيوي الذي أصبح لا غنى عنه اليوم بالنسبة لكل المنظمات، سواء الحكومية أو الخاصة أو الأهلية.

زر الذهاب إلى الأعلى